أنوار مرزوق الجويسري / فواصل فكرية / رمضان التدريب والخبرة

1 يناير 1970 06:31 ص
| أنوار مرزوق الجويسري |

أبى القلم إلا أن يستقبل رمضان بمقال خبراتي، أنقل فيه خلاصة التجارب مع هذا الشهر في الأعوام الماضية، فلرمضان مكانة خاصة في القلوب والعقول عند العاصي والصالح على حد سواء، التائب والمصر على خطئه، حيث كل الأجواء مهيّأة للإصلاح، وكل البيئات مُعدّة للتغيير، لذلك كان رمضان فرصتنا لترتيب ذواتنا من الداخل وترتيب أولوياتنا، لتغيير حياتنا للأفضل ولتحسين نظامنا اليومي الروحي، الصحي والعقلي، فرمضان فرصة لا يقتنصها إلا ناجح.

قد يندفع البعض نحو التغيير في رمضان فيغيّر نظام يومه بشكل جذري ويقوم بأعمال لا يحبها ولا يستمتع بها، وقد يضغط على نفسه ويقسو عليها ويحاول تكثيف الجهود بشكل مبالغ فيه وما ذلك إلا عن حسن نية ورغبة بالأجر العظيم، إلا أن ذلك المنهج في استغلال الفرصة هو منهج يورثك تثاقلاً في أداء العبادة ويجعل انقضاء رمضان انتهاءً للعمل الصالح، بينما رمضان هو الوقت الأنسب للقيام بالأعمال المحببة لقلوبنا، وهو الوقت الأفضل لنمارس أدوارنا بشخصياتنا وطبيعتنا دون تكلّف، فالهدف هنا هو تدريب النفس وترويضها باللين والعطف، فما نقوم به من أعمال وننويه من نوايا بعد رمضان هو عمرنا كله، ورمضان شهر واحد من شأنه أن يترك أثراً يمتد لبقية الأشهر.

في رمضان نحدد أولوياتنا لنتمرن على تحديد الأولويات بعد رمضان، نرتّب مهامنا لننجز قدر استطاعتنا ولنتجنب التقصير في أداء واجباتنا، في رمضان نصل الأرحام بنوايا مختلفة تُعظّم أجورنا وتمدّنا بتقدير الذات، نحافظ على أنفسنا من كل خلقٍ لا يُعبّر عن تربيتنا وديننا، ثم لا ننقطع عن الدنيا بل هو شهر الفرح والسرور والاسترخاء، فشهرنا هذا شهر إنساني لا يُجرّد الإنسان من طبعه بل يُهذّبه ويُربيه، ولا يُضيّق على الإنسان في شيء بل يفتح له كل أبواب السعادة والرضا والطمأنينة، وخذ رمضان كدورة سنوية تراجع فيها نفسك وتتعرف عليها أكثر، وتتعرف على أهلك وصحبك معرفة أعمق تبحث فيها عن الخير فيهم وعن نقاط الاتفاق التي تُبدد كل اختلاف بينك وبين القريب.

اختر شخصاً تتعاهد معه على الخير في رمضان وتتعاهد معه على استمرار الخير بعد رمضان، واختر خُلُقاً تُربي نفسك عليه طوال الشهر ليسهل عليك القيام به في كل مواقفك، اختر عملاً تحب تأديته ومارسه في رمضان بنيّة عظيمة، واطلب لنفسك الرقي ليس في عدد الختمات التي تختمها بل بنيّتك، وبجودة أعمالك ونواياك يكون رمضانك مؤثّراً لا بكم أعمالك وكثرتها.

عاهدت نفسي في رمضاني هذا ألا أتقمص دوراً لا يُمثّلني، وألا أؤدي عملاً لا أطيقه، تعاهدت ونفسي على النيّة التي هي أساس كل عمل، وكي لا نتراجع عن الخير لا نقارن أنفسنا بعد رمضان عما كنّا عليه في رمضان لكن نقارن حالنا قبل رمضان بحالنا بعد رمضان، دعونا لا نتسابق مع رمضان ولنترك عنا اللهث والمشقة حتى يكون التيسير عنواننا.

 

@anwar1992m

[email protected]