سعد خالد الرشيدي / تحت المجهر / مصر التي في خاطري

1 يناير 1970 06:40 م
| سعد خالد الرشيدي |

خلال الايام الماضية انقطعت تقريبا عن عادات كنت امارسها بشكل شبه يومي، بسبب العزلة التي فرضها علي الواقع المصري، والمتغيرات السياسية التي طرأت على مؤسسة الرئاسة، فمن يعرف دور مصر جيدا اقليميا وعالميا ليس بإمكانه الا الانشغال بمستقبل أم الدنيا.

دققوا في تاريخ مصر قبل 7 آلاف عام جيدا وتوقفوا عند الدولة كمؤسسة عميقة وقديمة، لتعرفوا ان من يحكم مصر عليه ان ينسجم مع مؤسسات الدولة العميقة، لأن فك المسارات بين رأس السلطة ومؤسسات الدولة لا يعني الا الإطاحة بهذه الرأس مهما كبر، ولا سيما وان كل مؤسسة من مؤسسات الدولة المصرية البيروقراطية لها امتداد عميق يمكنها من الحفاظ على مقعدها مهما كانت خلفية الرئيس. بعد ثورة 25 يناير وانتهاء حكم مبارك من الرأس، ظن البعض وكنت انا من ضمنهم ان المؤسسة الديموقراطية المصرية التي جاءت بها الثورة ستنتج دولة جديدة، واعتقد ان الاخوان كانوا من انصار هذا الفكر، لكن بعد مرور عام على حكم الاخوان تبين العكس تماما، فلا يزال الهيكل الاداري بعمقه القديم يسيطر على خلفية المشهد المصري ويديره، وهو ما لم يهضمه الاخوان خلال ممارستهم للحكم.

بعيدا عن الوقوف عند التعريف الحقيقي لما فعله الجيش المصري ضد الرئيس مرسي المعزول، وما يحيط بذلك من اختلافات جوهرية لما يمكن ان تمثله الشرعية في هذا الاجراء من حضور، كان من اللافت وجود ما لا يقل عن 10 قوى داخلية وقفت بجوار الجيش امام شاشات التلفزة لتأييد الاطاحة بمرسى، فلم يعد سرا الاشارة إلى تأييد مؤسسة الازهر والكنيسة والسلف ومؤسسات الدولة البيروقراطية مثل الشرطة وغيرها والقضاء ورجال الاعمال والاعلام والحركات الشعبية والحزبية للاطاحة بمرسي، والذين اصطفوا جميعا بجوار وزير الدفاع السيسي ليقولوا امام الجميع نعم لتدخل الجيش.

لا تعد مجافاة للموضوعية القول ان الاخوان اعطوا الجميع الفرصة للانقلاب عليهم، بدءا من محاولتهم السيطرة على جميع مكونات الهيكل الاداري للدولة المصرية، ومرورا بعدم تلبية الطموح منهم، وانتهاء بمعاداتهم لجميع المؤسسات الكبرى في الدولة وعلى رأسها القضاء، ومن ثم كان من الطبيعي ان يخسروا جائزة الحكم التي انتظروها 80 عاما بهكذا سيناريو.

لكن ما يهم الآن اكثر هو السؤال عن مستقبل الاخوان، وما اذا كانت الدولة الجديدة بقيادة الجيش والعلمانيين كأكثر القوى حضورا في المشهد السياسي المصري الآن لديها الرغبة الجادة في مد غصن الزيتون اليهم؟ وهل الاخوان انفسهم لديهم الرغبة في الانخراط بمرحلة التحول الجديدة التي تمر بها مصر، ام انهم يفضلون الابتعاد عن المشهد والتحرك من الخلف؟

من الواضح ان مصر تسير حاليا في مسارات غير تقليدية لكننا نتمنى ان تكون بثقة محسوبة، وبما يمكن ان يعيد لمصر صورتها كزعيمة عربية، وهذا يحتاج إلى المصالحة بين جميع الاحزاب والتوجهات السياسية لتحقيق هذه الغاية، وهذا ممكن تحقيقه اذا اتحدت الرغبات، بعيدا عن العنف الذي لن يكون طريقا الا لمزيد من الاقصاء في الحياة المصرية.

مصر كدولة عميقة لا تعاني من امراض القبلية أو الطائفية مثل العديد من الدول، ولديها رصيد من الحزبية يؤهلها لاستقطاب جميع القوى السياسية في مصر ومن ضمنهم الاخوان من جديد والاتفاق على صياغة الوجه لحقيقي لمصر.

اخيرا في عالم السياسة ليس بالضرورة ان تكون الحسابات مجرد ارقام تجمع وتطرح خصوصا بعد ان ادخل اليها عنصر الديموقراطية وإرادة الشعب القوية في إحداث التغيير، ما يجعلني متفائلا بان ابناء المحروسة سيجتمعون على تجاوز محنتهم قريبا.