رؤى / الغيبة والنميمة... وفن الثرثرة

1 يناير 1970 11:51 ص
|سهيلة غلوم حسين|

صفتان مذمومتان تنطبق عليهما مقولة الآفة باعتبارهما خطيرتين تقوضان أركان المجتمع وتهددان بزعزعة سقفه، وهما الغيبة** والنميمة وقد ورد لفظ الغيبة في القرآن الكريم في سورة الحجرات حيث قال الله تعالى «ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه»، فالكلام في شخص بما هو فيه ولو كان صدقاً فهو غيبة وان كان كذباً أصبح بهتاناً.

وأوضح النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في قوله: (ذكر أخاك بما هو فيه فقد اغتبته واذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته) أما النميمة فهناك فرق دقيق بين الغيبة والنميمة فامتازت النميمة عن الغيبة بقصد السوء وامتازت الغيبة عن النميمة بكونها في الغيبة وان لم تكن على وجه الافساد واشتركا فيما عدا ذلك.

قد يلتبس الأمر على البعض ويظن أن الغيبة محصورة في ذكر الآخرين في غيبته وحسب، ولكن الاصغاء للمغتاب وحضور مجلس الاغتياب غيبة أيضاً، ولو لم يجد المغتاب من يصغى لحديثه لما اغتاب وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الساكت شريك المغتاب) وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: (المستمع أحد المغتابين) أي يجري عليه من العقاب والجزاء مثلما يجري على المغتاب، لأن المستمع يشجّع المغتاب الى التمادي في اغتياب أخيه من خلال مشاركته والاستماع اليه، وعنه (ص) أيضاً: (من اغتيب عنده أخوه المؤمن وهو يستطيع نصره فنصره نصره الله في الدنيا والآخرة، ومن خذله وهو يستطيع نصره خذله الله في الدنيا والآخرة).

لقد أولى الاسلام أهمية بالغة من أجل الوحدة والانسجام والتضامن بين أفراد المجتمع، والاغتياب والنميمة والبهتان تولد النظرة السيئة وتضعف العلاقات الاجتماعية وتزلزل التعاون الاجتماعي وتساهم في انتشار الذنوب في المجتمع واكتسابها طابع العمومية والشمول، وهي احدى عوامل الاخلال بالأواصر الاجتماعية والوهن والضعف واستباحة الأموال وانتهاك صنوف الحرمات وهدر الكرمات والفتنة والاقتتال بل والى سفك الدماء، وقد جزم استشاري الطب النفسي الدكتور رجب بريسالي أن الشخص المغتاب والنمام صاحب شخصية نفسية مريضة وأنانية وحقودة ونرجسية ووصولية وتتهدم أمامها كل القيم والأخلاق من مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.

فئة من البشر لا تنفك تتمسك في هذه الظاهرة وتذهب بعيداً في الثرثرة باعتبارها لا تتنفس الا بالغيبة والنميمة ولا تنبض قلوبها الا بالحسد ومراقبة الناس وكأن قلوبها في أفواهها، وهذا واضح وجلي في مجتمعاتنا، حيث يجالس الفرد أشخاصاً يقومون بذكر مثالب شخص ما ولا يدافع عنه مخافة الاستهزاء به نظراً للمركز الاجتماعي، أو مخافة أن تنقطع صداقتهم أو لارضائهم أو للحصول على محبة ورضى المسؤول أو المدير، والغيبة والنميمة تشكلان مركزاً لتفاعل المجموعة ووسيلة لجذب الأصدقاء، وقد يكون للجانب الفسيولوجي أثر في التعامل بهذه العادة بين الأشخاص كما تشير الى ذلك بعض الدراسات، وأكثر من تبتلين بهذا البلاء هن النساء لأنهن الأكثر ميولاً للثرثرة وكثرة الكلام فيجدن أن نصف كلامهن كان ينبغي ألا يقال.

مسببات عديدة تدفع الشخص للغيبة حيث ان الغضب والغيرة والحسد تحفز بعض الخصائص الكامنة في النفس فتعمي القلب وتغويه وتسيطر على العقل وتفقده صوابه فيشفي بالغيبة غيظه، وأيضاً موافقة الرفقاء ومجاملة الجلساء ومشاركتهم فيما يخوضون فيه من الغيبة بدلاً من أن ينكر عليهم أو يقوم عنهم يشترك معهم في الغيبة، وقد قال علي بن أبي طالب عليه السلام: (مجالسة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار، فمن اشتبه عليكم أمره ولم تعرفوا دينه فانظروا الى خلطائه)، وأيضاً رفع النفس بالتقليل من شأن الآخرين ومحاولة النيل من الأشخاص الناجحين والتسلق على أكتافهم وبث سمومهم المسمومة للانتقاص من السمعة الجيدة لخصومهم لارضاء نفوسهم المريضة.

من الأجدى أن ينظر الشخص في عيوبه ونقائصه ويشتغل في اصلاحها ويعالجها ويستأصلها من نفسه ويبتعد عن القيل والقال ويلجم لسانه ويراقب نفسه ويعدل سلوكه ويهذب أخلاقه ولا يتبع عثرات الآخرين، فالعاقل هو من يفكر وينشغل بعيوبه عن عيوب الآخرين وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس)، فعجباً لألسن بالنميمة لا تتوقف وعند قول الحق وذكر الله خارسة مغلقة.



* كاتبة كويتية