منى فهد العبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي / الإصلاح... مفاهيم وقناعات

1 يناير 1970 12:16 ص
ليس التفكير بالإصلاح هو المستهجن والمستغرب، لكن المستغرب هو الاستسلام والاستكانة للأوضاع الحاضرة والإغفاء والنوم على أكوام من المشكلات والمزعجات التي تنغص الحياة، وتجمدها وتعطل عجلة التقدم.

الشعور بأن الأوضاع ليست على ما يرام، يولد لنا حاجة ملحة للإصلاح والترميم، وهذه الحاجة لا تتولد فقط بناء على الشعور وإنما بسبب ما لدينا من طلاقة الإرادة وقوة الرغبة في الاستزادة من الإصلاح.

إن الشعور بالحاجة إلى المزيد من الظروف المواتية للتقدم والارتقاء على المستويين الفردي والجماعي في الحقيقة هو مطلب عالمي لأنه يتصل بالفطرة التي فطر الله - تعالى- الناس عليها «قد أفلح من زكّاها» فهذه دعوة من الله ووعد بالفلاح لمن يطهر ويمحص نفسه بما يعود بالنفع عليه وعلى مجتمعه، ولكن من وجهة نظري ما يجعلنا في تراجع وإخفاق ذريع هو عدم تحقيق العدالة الاجتماعية التي تعبر عن مستقبل الإنسانية ومصير البشرية.

إن المفاهيم الإصلاحية التي تحتاج إلى بلورة كثيرة جداً، لا نستطيع أن نحصيها في مقال، سنتناول في هذا السياق ما نعتقد أنه مهم وجوهري، يضيق على بعض الناس اختلاف المصلحين أو القانونيين أو الدستوريين حول تشخيص المشكلات التي تعاني منها الأمة الكويتية، وحول الحلول التي ينبغي الصيرورة إليها، وحول الأولويات التي يجب البدء بها، وإعطاؤها جل الاهتمام، وذلك لأن معظم الناس لا يدركون على نحو جيد الأسباب والاعتبارات التي تجعل الاختلاف أمراً يصعب تجنبه، عندما ندرك بأن كل الإصلاحيين في العالم على مختلف مشاربهم يختلفون فإننا سوف نخفف من نقدنا حول كل حدث وموقف ونلتمس الأعذار لبعضنا، وقد اختلف الصحابة رضوان الله عليهم- في أمور فقهية وسياسية واجتماعية مع اعتقادنا بسلامة الضمير والحرص على وحدة الكلمة، لذا لابد من توطين النفس على قبول الاختلاف، ثم التعامل معه بحكمة وصبر وأريحية.

إن تصوراتنا للواقع بخيره وشره التي تتم عبر نظم الدلالة وعبر التعريفات والمصطلحات السائدة لدينا والتي اكتسبناها من قاموس البيئة والأسرة التي نشأنا بها، أحد المفاهيم الإصلاحية التي تحتاج إلى بلورة، لأن نظم الدلالة والإرشاد مصابة بالقصور الذاتي، وهذا لدى كل الأمم ولا يقتصر على الأمة الكويتية، كما أن المصطلحات والتعريفات تظل قابلة للانتقاء والاستخدام المتحيز، لذا من الطبيعي والمألوف أن نختلف حول تحديد المشكلات وحول الحلول التي يجب أن نصل إليها، والخلفية الثقافية تدفع بالمصلح نحو الاهتمام ببعض الأمور على حساب بعضها الآخر، وهذا يجعل إدراكه لمخاطر بعض الأزمات تتفاوت في ما بينه وبين من رتب أولوياته، وتحكم بمشاعره وانفعالاته واهتماماته نحو القضايا المختلفة.

إن الخبرة بالواقع عامل أساسي في اختلاف دعاة الإصلاح، الخبرة السياسية أو القانونية أو الاجتماعية تجعل موقف السياسي أو القانوني أو الاجتماعي من بعض المواقف والأحداث مختلفا عن بعضها تجاه نفس الحدث والموقف، لذا لا ينبغي أن نثير الجدل والدهشة حول اختلافهم النابع من اختلاف خبراتهم وتخصصاتهم، والقاعدة العامة في هذا أن فرص الاتفاق تكون أكبر كلما كانت القضية المطلوب علاجها كبرى كقضية عدم تحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع وانتشار الفساد بأنواعه، أما إن كانت القضية فرعية أو جزئية هنا نتوقع الكثير من وجهات النظر المتباينة والمختلفة.

فالحقيقة أن نعمة الإيمان والهداية لا تعدلها نعمة، وهي صمام أمان من وقوع الأمة الكويتية في الحيرة والضياع، ونحن لا نشك أن أمتنا الكويتية مهما فرطت وقصّرت، ومهما عانت وكابدت، فإنها لم ولن تفقد الاتجاه، ولها في أصولها وثوابتها ما يرشدها دائماً نحو طريق الفلاح والنجاح.



منى فهد عبدالرزاق الوهيب

[email protected]

twitter: @mona_alwohaib