أسبابه نفسية وعاطفية
هوس التسوّق عند النساء... وإدمان الشراء
1 يناير 1970
02:17 م
| إعداد رشا فكري |
إدمان التسوّق حالة باتت تصيب نسبةً عالية من الفتيات والسيدات وربما الرجال... بمعنى آخر، هوس الشراء واقتناء الأشياء **من دون الحاجة إليها، وتكديسها لإشباع رغبة ما فقط. وقد يكون السبب في الشراء التنفيس عن كبتٍ ما أو جوع عاطفي، فيتم إفراغه في اقتناء الأشياء وتكديسها، وذلك في حال كان الشخص يعاني من فراغ عاطفي في الطفولة أو فقد أحد والديه. كل هذه الأسباب قد تؤثر في سلوكه، ما يُنْتِج بالضرورة تصرفات غير عادية، أحدها هو إدمان التسوّق.
حول هذه الحالة المرضية الشائعة، سوف نتعرف إلى أسباب تلك الحالة وكيفية علاجها:
• ما تعريف إدمان التسوّق؟ وبماذا تشعر السيدة المدمنة أثناء اقتنائها الثياب؟
يمكن تعريف إدمان التسوّق بأنه: «الشراء المنفلت المتكرر والمُزمن والذي يصبحُ عادةً، وردّ فعلٍ أساسي للأحداث أو المشاعر السلبية، ويشمل نمط إنفاق هوسياً أو لا تُستَطاع السيطرة عليه، لشراء أشياء لا يحتاجها الفرد أصلاًَ، أو لا يحتاجها حالياً، وفي غالب الأحيان يخزنها من دون أن تُستَعمل. ويشعر مدمن الشراء بنشوة غامرة أثناء عملية الشراء، وأحياناً تسبقها أو تصاحبها إثارة كبيرة... إلا أنه غالباً ما يعقبها الندم بسبب التورّط المالي الناتج من ذلك، وكثيرون من هؤلاء يتسوّقون منفردين، ويُضطرون إلى إخفاء ما يشترونه عن المقربين منهم».
• متى نُطلِق على السيدة أنها مدمنة تسوّق؟
هناك مؤشرات لابد من توافرها لمعرفة المرأة «مدمنة التسوق»، فإذا فاضت خزانتها بالملابس التي لا تزال بطاقات الأسعار غير منزوعة عن معظمها، وإذا ازدادت أعداد صناديق الأحذية التي لم تستخدمها بعد، وإذا لم تتوقف عن شراء مستحضرات التجميل، فإن المرأة عندئذٍ تكون مدمنة تسوّق.
إن الشعور بالحاجة إلى التسوق ليس بالأمر الملزم، بقدر ما هو خلل في السيطرة على النزوات التي تُعَدّ ممتعةً بالنسبة إلى أصحابها.
• هل يمكن أن يصيب هذا الإدمان الرجال أيضاً؟
إدمان التسوّق عند المرأة أكثر منه عند الرجل، باعتبار أن المرأة عاطفية أكثر والعاطفة تتحكم بسلوكها، وإن أيّ تراكمات تؤثر فيها بدرجة أكبر منها عند الرجل.
إدمان الرجال على التسوق يتضح في اقتناء التحف النادرة والإلكترونيات والملابس، أما النساء فينصبّ اهتمامهن على شراء المجوهرات والأحذية ومستحضرات التجميل إضافة إلى الملابس. فإذا كان إدمان الكحول هو الرقم واحد في العالم، وإدمان المخدرات هو الرقم اثنان، فإن إدمان الشراء والتسوّق هو الرقم ثلاثة.
الإشكالية هنا ليست فقط في استعمال مبالغ كبيرة في غضون أيام قليلة، والاضطرار إلى الدَّيْن أحياناً لإرضاء كل الرغبات ومواكبة المتغيّرات والموضات كافة، ولكنها أيضاً في إخفاء حقيقة واقعهن وإخفاء المشكلة عن أزواجهن وعوائلهن، وعدم الاعتراف بوجود المشكلة أو البحث عن أسبابها.
• ما الأسباب التي تجعل النساء يُدمنّ التسوق؟
1- تأثير العائلة ودورها المهم أثناء فترة الطفولة.
2- فانتازيا الاستهلاك أو إدمان الشراء من دون داع: فنساء كثيرات يترددن على عيادات الطب النفسي للمعالجة منه، ويتضح من خلال بضع جلسات أن هذا الإدمان هو مجرد رغبة في الاستهلاك وليس رغبة ناجمة عن الحاجة.
3- إهمال الزوج زوجته يسبّب إدمان التسوق: وجدت الدراسة أن المرأة المهملة من زوجها أكثر شراء للأشياء ذات الماركات المشهورة، فيجد الزوج نفسه يدفع الثمن غالياً ضريبة لإهماله. وتجد المرأة فى هذه الحالة أن التسوّق قادر على ملء بعض الفراغ العاطفي الذي تشعر به.
والتسوّق يعزز لديها الثقة بنفسها حيث ترى أنها قادرة على اختيار الأفضل بالنسبة إليها من دون سماع انتقادات الزوج.
4- الهروب من الواقع، والانتقام من الآخر.
5- التخلّص من أحد أنواع القلق، ومبعثه خوف الشخص من أن يفقد أعِزّاءه وأحباءه. فعند الشراء ليس هنالك مُتّسع من الوقت للتفكير في ذلك القلق، والانهماكُ في الشراء يساعد على نسيان ذلك القلق المتصل اتصالاً مباشراً بفقدان السيطرة.
6- الإكثار من الشراء يُولّد نوعاً من الحماية لتجنّب مواجهة الأحاسيس المُحزِنة.
7- هناك عنصر التعويض، كأن يكون الشخص قد مرّ بمرحلة حرمان في حياته السابقة أو في طفولته، وما ان يتوافر له المال حتى يندفع إلى الشراء ليُثبِت لنفسه أنه لم يعد محروماً، وأنه يستطيع أن يحصل على ما يريده، ولهذا نجد أن هوَس التسوق أصبح موضة تلتهم الميزانية، وقد يتحوّل إلى إدمان أحياناً.
8- قد يكون ناتجاً من شعور الفرد بفراغ في حياته، يريد أن يملأه بمعاملة أشخاصٍ آخرين لِسَدّ ذلك الفراغ الذي يحس به، فيشغل نفسه بالتسوق للخروج من هذه الحياة التي يَعُدّها مملة، وللهروب منها يلجأ إلى الأعمال التي تتيح له فرصة التعامل مع الآخرين.
• ما الآثار السلبية لهذا الإدمان؟
ما يحدث لكثير من الناس ليس فقط أنهم يسرفون في الشراء، وليس أنهم يدمنون الشراء لميزة في ما يشترونه، وإنما تتحول العملية بالتدريج إلى إدمانِ عمليةِ الشراء نفسها بغض النظر عن أهمية ما يشترون أو قيمته! ويحدث ذلك لأن نشاط الشراء يتحوّل بالتدريج إلى نشاط يتعامل الإنسان به مع أي مشاعر سيّئة يتعرض لها، فهو يكتشف مصادفةً أن التجوّل في (السوبر ماركت) أو (المول) وشراء كل شكل جديد من أشكال المنتجات إنما يُرفّه عنه ويُقلّل من توتره أو قلقه أو خوفه أو أي من المشاعر السيئة، بل ويُحوّله من ذلك الشعور غير الطيب إلى شعور متعاظم باللذة والانتعاش، ويتلوه الاستمتاع بالمُنتَج الذي يُراعَى فيه غالباً التشجيع على الشراء أكثر، ويضاف إلى ذلك ما يُقدِّمه تجريبُ كل جديد من وسيلة للتفاخُر ومادةٍ للحديث مع أصدقائه ومعارفه... إلى آخر ما هو معروف من سلوكيات.
• ما خطوات العلاج للتخلص من هذا الإدمان؟
1- أولى خطوات العلاج أن يُقِرّ مدمن الشراء بأن لديه مشكلة، وقد حان الوقت ليفعل شيئاً حيالها. عليه أن يقرّ بهذا لأصدقائه وأسرته وكل من يشعر بأنه يحبه ويبغي مساعدتَه للتغلب على هذا الإدمان.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن بعضهم بصورة عامة ينجحون في التخلص من إدمانهم، ليجدوا أنفسهم غارقين في بحر إدمان ثانٍ، وفي هذا النطاق يجب التركيز على فهم السلوك للتمكّن من دحْره أو تغييره، وإيجاد الحل الأمثل لملء الفراغ الحقيقي، وللقضاء على ردود الأفعال العمياء والعشوائية.
2- تلعب وسائل الإعلام دوراً كبيراً في تشكيل العادات الشرائية، وخلْق دوافعَ لا تُقاوَم لدى بعضهم لارتياد المحالّ التجارية من دون أن تكون هناك حاجة ماسة إلى التسوق، بل لمجرد الشراء، وذلك في إسراف ينتهي دائماً بالكثير من الأزمات المالية التي تُهدّد استقرار الأسَر.
3- إن قنوات التلفاز الأرضية والفضائيات قد ساعدت كثيراً على دفع الناس إلى التسوّق والشراء، ثم ظهر التسوّق عبر الإنترنت... وهكذا فإن منجزات ثقافة العولمة تتوالى مُشجِّعةً على طقْس الشراء بشتى السبُل، واستجابة الإنسان حتى الآن تبدو «سمعاً وطاعةً» من دون تقديرٍ للعواقب في كثير من الأحيان.