«حزب الله» دكّ من القماطية وكيفون بلدات درزية في عاليه وجنبلاط «سلّم» لأرسلان ... وفوّضه أمن الجبل

1 يناير 1970 05:08 ص

|   بيروت - «الراي»   |

... الى الجبل دُر. ففي حين كانت «الأنفاس محبوسة» وتعدّ الساعات التي «صمدت» فيها «الهدنة» في بيروت والشمال، «صُدم» اللبنانيون بـ «انفجار» جبهة الجبل على نحو دراماتيكي في منطقة عاليه، من الشويفات وصولاً الى رأس الجبل، التي شهدت «صولات» من الاشتباكات بين «حزب الله» وعناصر «الحزب التقدمي الاشتراكي» (يتزعمه النائب وليد جنبلاط) استُخدم فيها  للمرة الاولى سلاح القصف المدفعي المركّز «عن بُعد» ما ادى الى سقوط عدد من القتلى والجرحى.

... نحو اربع ساعات من المعارك الضارية، تركّزت في مناطق كيفون والقماطية الشيعيتيْن، وعيتات وبيصور وعين عنوب الدرزية اضافة الى اشتباكات عنيفة في مناطق الشويفات وعرمون وبشامون المتاخمة لضاحية بيروت الجنوبية، ما استدعى استنفاراً سياسياً توّجه النائب وليد جنبلاط بإعلانه تفويض خصمه الدرزي الوزير السابق طلال ارسلان ان يجري اتصالات مع قوى المعارضة خصوصا «حزب الله» لتسليم المناطق الدرزية في الجبل الى قوات الجيش اللبناني، وهو «الدور» الذي وافق ان يؤديه ارسلان الذي أطلّ في مؤتمر صحافي داعياً المعارضة الى وقف فوري لإطلاق النار حُددت «ساعة الصفر» له عند السادسة مساء.

ومع مرور الساعة السادسة من دون ان تتوقف كلياً الاشتباكات، اشارت بعض التقارير الصحافية الى سقوط خمسة أشخاص وجرح العشرات في المعارك العنيفة التي وقعت وسط «الشويفات».

وكانت الاشتباكات، التي اندلعت بعد نحو 36 ساعة من «المنازلة» التي شهدتها تلة الـ «ثلاث ثمانات» في رأس الجبل وأدت الى مقتل عنصرين من «حزب الله» وأسْر ثالث، بدأت قرابة الثانية من بعد الظهر حين حصل إطلاق نار من القماطية في اتجاه قصر السياحة في عين عنوب وبلدة عيتات تطور لاشتباكات وقصف مدفعي عنيف من كيفون والقماطية («حزب الله») طاول مناطق عدة بينها بيصور حيث احترق منزل وزير الإعلام غازي العريضي بالكامل.

وكانت وسائل الإعلام نقلت أنّ مسلحي «حزب الله» انتشروا بكثافة بين بلدتي كيفون والقماطيّة عبر سوق الغرب، حيث دارت معارك عنيفة في عيتات واستخدمت فيها الأسلحة الرشاشة الثقيلة ومضادات من عيار 23 مللمتراً، كما شهدت المنطقة قصفا بالصواريخ ومدفعية الهاون عيار 60 و 82 مللمتراً.

وعلم انَّ منزل مسؤول كبير في «الحزب التقدمي الإشتراكيّ» تعرّض لاستهداف مباشر بقذائف المدفعيّة ما أدّى إلى اشتعال النار فيه.

وأشارت بعض المعلومات الى ان «حزب الله» سعى بعملية «التمشيط» المدفعي الى ربْط بلدتي كيفون والقماطية اللتين تفصل بينهما منطقة ضهور سوق الغرب (غالبية سكانها هُجروا منها ابان الحرب ولم يعودوا) عبر محاولة السيطرة الكلية على الطريق والاودية الفاصلة بينهما.

وكان النائب جنبلاط، قال في حديث الى تلفزيون «أل.بي.سي»، تعليقاً على التطورات في الجبل: «تطورت الامور بشكل مفاجىء، الامر الذي يهدد السلم الاهلي في منطقة عالية ومنطقة الشويفات والجوار والعيش المشترك بيننا وبين اخواننا من الطائفة الشيعية الكريمة. لذلك قررتُ وبعد التشاور مع الرئيس نبيه بري ان يتولى الامير طلال ارسلان، وفق اتصالاته، موضوع وقف هذا النزف وهذا الدمار الذي سيلحق بالجميع. وطبعا أتمنى على الامير طلال ان ينسق، وأن يكون الجبل في عهدة الجيش. فجبل لبنان ظهر الجيش، وهذه المؤسسة تحمي الجميع، نترك لها حرية التصرف وفق هذه الشروط».

وهل يتوقع ان ينجح ارسلان في مسعاه، أجاب: «نصيحتي الى الامير طلال انه، وبما انه طلب التفويض، بان ينسق في هذا الامر مع القوى الفاعلة الاساسية وفي مقدمها الجيش اللبناني».

وتوجّه لأنصاره قائلاً: «السلم الاهلي والعيش المشترك ووقف الحرب والدمار أهم من كل اعتبار».

وبعد اقل من نصف ساعة،  دعا ارسلان مناصري المعارضة لوقف إطلاق النار فورا في الجبل، مطالباً مناصري الحزب «التقدمي الإشتراكي» إلى تسليم أسلحتهم ومراكزهم الأمنية ومخازن السلاح إلى الجيش.

وأكد أن أهالي الجبل هم حماة لظهر المقاومة ولن يتحولوا إلى طعنة في ظهرها، مؤكدا انه سيتصل بقائد الجيش العماد ميشال سليمان لوضع خطة لانتشار الجيش في المنطقة بأسرها وإنهاء المواجهات.

وقال: «فاوضتُ مع النائب جنبلاط ببعض الأمور الأمنية التي تتعلق بالمراكز المسلحة ومخازن السلاح، ووافقنا مع المعارضة على تسليم المراكز والمخازن بالتنسيق مع جنبلاط إلى الجيش، ووافقتُ على أن أقوم بالدور الذي طلبه جنبلاط لأن هذه هي قناعتي للحفاظ على الجبل».

اضاف: «وافقنا والمعارضة على ان نسلم الجبل للجيش والسلاح والمراكز الأمنية التابعة لنا إذا وجدت».

الا ان الوزير السابق وئام وهاب (القريب من سورية) قرأ في نداء جنبلاط «مناورة»، متمنيا ألا يلاقيه أحد فيها، ومشدداً على أن «الأمن الخاص في الجبل انتهى وعلى وليد جنبلاط أن ينفذ الأمر دون مواربة ومناورة».

وطالب في مداخلة عبر تلفزيون «الجزيرة»، بتسليم الأسلحة وإقفال المكاتب فوراً، مؤكداً مشاركة تياره في المعارك الجارية في الجبل.


شهاب: جنبلاط ألغى زيارة للقاهرة

 لشكوك في عملية لاغتياله


|   القاهرة - «الراي»   |

أكد وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية المصري مفيد شهاب، أن موقف مصر «واضح ومساند للشرعية الدستورية» في لبنان.

وكشف امام أعضاء مجلس الشورى امس، في جلسة خصصت لمناقشة الأوضاع في لبنان - عن إلغاء النائب وليد جنبلاط زيارة للقاهرة، والتي كانت مقررة قبل أيام، بعد شكوك بتنفيذ عملية لاغتياله أثناء استعداده لمغادرة لبنان إلى مصر، مشيرا الى أن النائب أكرم شهيب قام بالزيارة بدلا من جنبلاط.

ودان مجلس الشورى «محاولات بعض الأطراف فرض أمر واقع يتعارض مع الشرعية ويهدد بالزج بدولة لبنان في أتون فتنة مذهبية وطائفية». ودعا الحكومة ومجلس النواب وكل الأحزاب، إلى «تحمل مسؤوليتها الوطنية لمواجهة الوضع المتدهور من خلال نبذ الخلاف والشقاق وتوحيد الصف اللبناني». كما نوه مجلس الشعب الى ان المستفيد من «كل هذه الفوضى هم أعداء لبنان». وطالبت لجنة الشؤون العربية، في بيان، امس، «كل القوى الخارجية بأن ترفع أيديها عن لبنان، وأن تمتنع عن استغلال الأحداث الداخلية في تعميق الخلاف والفوضى داخل البلاد أو محاولات تدويل الأزمة».


«الطريق الجديدة» ... جنازة تجر جنازتين


|   بيروت - من محمد دياب   |

... ورود وأرز تنثره النسوة من على شرفات المنازل، شبان يرتدون الأسود من جهة، وآخرون يتسابقون لحمل النعش. هكذا كانت الأجواء امس في «الطريق الجديدة» في بيروت.

الأسود أينما كان، وجنازة «تجرّ» جنازتين، وجرْح لم يلتئم منذ ان فتح أحد المسلحين النار (اول من امس) على مسيرة تشييع محمد شماعة ( من انصار «تيار المستقبل» وسقط في المواجهات الأخيرة)، فأردى كلاً من موسى الأوزي، وعلي المصري صديق  شماعة وجاره.

 محمد الصباح لم يجد وسيلة لـ «الانتقام» ممن كانوا «يستفزونه» (حسب قوله) إلا بالرصاص الذي كاد ان يحوّل الجنازة «مجزرة». والعيون الغاضبة لمشيّعي الأوزي والمصري كانت تروي حكاية «الهجوم المباغت» الذي شنّه الصباح لدى مرور موكب تشييع شماعة من أمام محله في «أرض جلول». وقال أحدهم: «اتجه بعض الشبان إلى محل الصباح لتصليح السيارات وطلبوا منه نزع صورة السيد حسن نصر الله أو إقفال المحل ريثما تنتهي الجنازة. وبعد تلاسن وشتم، دخل محمد الصباح إلى محله وأخرج بندقيته وبدأ بإطلاق الرصاص عشوائياً على المشيعين ما أدى إلى قتل شابين وجرح نحو أربعين بينهم ستة أشخاص في حال الخطر».

وتحدث الزميل في تلفزيون «المستقبل» علي خطاب (وهو أحد أصدقاء علي المصري) عن الحادث فروى: «بعدني مش قادر صدق». كنت قصدتُ منزله، فاذا به يستعير شالاً أسود من والدته وسألني اذا أعجبني. وبعدها تمنّت له امه السلامة وخرجنا وكنا نمشي معاً مع شخص ثالث حين بدأ إطلاق النار.  لم نعرف بداية ما جرى، انبطحنا على الأرض ولكن علي لم ينهض وتبين أن الرصاصة أصابته في رأسه من الخلف».

حسان المصري شقيق علي، «شهيد الغدر»، بدا مفجوعاً ولكن متماسكاً وقال لـ «الراي» بصوت سكنه الحزن: «اللي بيقهر إنو مات غدر، ما كان أزعر ولا عم يؤذي حدا، بس الله كبير»، رافضاً اي كلام عن انتقام او ثأر.

اما جلال، صديق علي،  فقال: «حتى لو ان بعض الشباب أخطأوا معه (الصباح)، فان الجريمة التي ارتكبها لا تُغتفر. والقضية ليس مردها الى الخوف، بل  تعكس الحقد الذي صار قائماً بين السنّة والشيعة، وأعتقد ان الهدوء لن يعود الى البلد».

وبين حسان وجلال، بدا والد علي «العم أبو فؤاد» منهاراً وغير قادر على الكلام.  كان يحاول البقاء صامداً وواقفاً على قدميه ريثما ينتهي التشييع، وقد حبس دموعه فـ «الرجال ما بيبكي» كما قال حين مات محمد شماعة.

والطريق الجديدة، معقل «تيار المستقبل»، التي «استعارتْ» في «جريمة الجنازة» مشهداً عراقياً صار مألوفاً، ابت في لحظة «غضبها»، الا ان تلبي «نداء» رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، فخرجت عند الثانية عشرة ظهراً الى الشارع ورفع أبناؤها الاعلام اللبنانية ووقفوا دقيقة صمت ولسان حالهم «بيروت لا تسقط ولن تسقط وسندافع عنها».

ولفتتْ في الطريق الجديدة الصرخة التي كانت تطلقها سيّدة مقعدة حملت صورة نجلها عبد السلام بلطجي (من الدفاع المدني) الذي قالت انه خطف السبت من قرب المدينة الرياضية، مناشدة المعنيين معرفة مصيره.




تشييع المقاتل من «حزب الله» جعفر كرنيب (19 عاماً) في عيتا الجبل  (د ب ا)




... والدة زياد غلاييني (16 عاماً) تبكيه خلال تشييعه في بيروت امس  (د ب ا)