د. وليد التنيب / قبل الجراحة / صفات القيادي

1 يناير 1970 04:52 م
كنا نسكن بمنزل ذي موقع مميز كما يقولون، منزل يقع على شارع رئيسي.

في يوم من الأيام استوقفني جاري جاسم و بدأ في الكلام، لم استوعب ما قاله لي من المرة الأولى، فقد كان يتكلم بسرعة عجيبة وبعصبية جعلت كلامه غير مفهوم لي.

حاولت أن أهدئ من عصبيته أو فقدانه لأعصابه لكي أفهم ما يريد أن يقول لي أو ما الحكاية التي يحاول أن يوصلها لي.

كنت فقط أريد ان افهم بعض الكلمات لكي أفهم بعض الحكاية وسبب عصبيته هذه التي لم أعهدها من قبل.

جاسم رجل مثقف وجامعي ذو منصب قيادي مرموق في... (يصعب عليّ ذكر أين يعمل).

سرعة كلامه وعصبيته غير المفسرة حتى الآن جعلتني أكثر إصراراً لمعرفة السبب.

حتى جارنا أحمد وعماد شدهما حديث جاسم و حضرا لمعرفة السبب.

الفضول أيضاً جعل جارنا سلطان يوقف سيارته ويخرج منها بعد ان تركها في منتصف الطريق.

ترك سلطان سيارته تعمل في منتصف الطريق غير مكترث أو مستوعب أنه قد أغلق الطريق.

تركت جارنا جاسم و كلمت سلطان لأذكره بانه قد أغلق الطريق، نهرني بحدة بأنه يعلم ما يعمل وأنه لم يخطئ بما فعل.

أغلق الطريق و لم يخطئ!، إذاً متى يخطئ سلطان؟ أو ما تعريف الخطأ عند سلطان؟

حاولت أن اشرح لسلطان أن الأمر لا يعنيه أبداً لا من قريب ولا من بعيد وأنه يجب ألا يغلق الطريق بهذا الشكل ولكنه أشار لي بيده إلى حيث أوقف سيارته.

لم اصدق ما أرى؛ فمعظم الجارات والجيران وأشخاص لا اعرفهم قد أوقفوا سياراتهم وحضروا إلى المكان الذي أقف فيه مع جاسم للفرجة والفضول.

ازداد عدد المتفرجين والجمهور و جاسم ما زال بعصبيته و كلامه السريع غير المفهوم بالنسبة إليّ.

لا أبالغ إن قلت لكم إن العدد الآن حوالي ثلاثين شخصاً والكل يتفرج ويرضي فضوله.

انه منك يا جاسم!

فجأة سمعنا صوت اصطدام شديدا وصراخا بسبب و قوف سيارة سلطان في منتصف الطريق، وقع حادث.

كان أحد الرجال يحاول عبور الشارع إلى مكان وقوفنا لمعرفة سبب تجمعنا، صدمته سيارة حاولت تجنب سيارة سلطان مما سبب للسائق عدم الوضوح في زاوية الرؤية.

ذهبت لمساعدة المصاب والكل أخرج جهاز الهاتف الخاص به و بدأ بالتصوير.

انا انادي للمساعدة و الكل يصور بكل همة و نشاط.

كل واحد يصور من زاوية مختلفة عن الآخر بكل اندماج و المصاب يئن طالباً المساعدة و النجدة.

صرخت بهم طالباً المساعدة وأن يتصل أحدهم على الإسعاف بسرعة لإنقاذ المصاب.

استمروا بالتصوير بكل نشاط و كأن ما بأيديهم كاميرات وليست اجهزة هاتف صنعت للاتصال عند الحاجة.

كنت قد اجتزت دورة للإسعافات الأولية، كانت الدورة تقام تحت رعاية وزارة الـ......

كان المسؤول عن تدريبنا لديه عيادة خاصة يعمل بها بعد عمله في المستشفى الحكومي.

كانت الدورة تُجرى صباحا؛ أي وقت العمل الرسمي. ومع ذلك فقد حضر أول دقائق من الدورة ورحب بنا و تذمر من الحال الذي هو به.

تركنا بعدها مع بعض الاشخاص و ذهب لعيادته الخاصة، كان هؤلاء الأشخاص هم المساعدون لهذا الاستشاري ولا يفقهون أي شيء بأي شيء...!!!

حصلنا على الشهادات نهاية الدورة ولم نستوعب أي شيء، ولم نقم بتطبيق أي شيء.

نشروا صورنا في الصحف والمسؤولون يوزعون علينا الشهادات.. يا لها من دورة!

للأمانة كانت صورتنا وابتساماتنا جميلة.

لم أستطع مساعدة المصاب بأي شيء لأنني ببساطة لا أعرف أي شيء.

ازداد صراخي طالبا النجدة وازداد عدد المصورين!

جاءني أحد الشباب الصغار سائلاً كيف استطيع ان اساعدك؟

طلبت منه الاتصال بالنجدة أو الإسعاف، وبعد محاولات عدة استطاع الاتصال. وزاد عدد المصورين و المشاهدين...

للحق فقد حضرت الإسعاف بوقت قياسي.

اول المسعفين قال لقد رأيت ماحصل لهذا المصاب باليوتيوب ونحن في طريقنا إليكم! وبدأ يعدد فوائد اليوتيوب والواتس اب.

طلبت منه السرعة في المساعدة وإنقاذ المصاب.

كان المساعد لهذا الرجل أي الإسعافي الثاني مشغولاً بالاتصال بالصحافة لإعطائهم أخبار الحادث و اسماء المسعفين!

ولكن يبدو من المحادثة أن الصحافي الذي يتلقى المعلومات ليس من اهل البلد ولديه صعوبة بكتابة اسم عائلة المسعف بشكل صحيح.

استطاع في النهاية كتابة الاسم ولكن بعد جهد واضح بذله هذا المسعف المسكين.

لست ذا خبرة بسيارات الاسعاف ولكن اعتقد أن سيارة الاسعاف التي حضرت كانت حديثة ومجهزة بأحدث المعدات.

تم نقل المصاب بعد وضعه في النقالة ووضع جهاز التنفس و تركيب أجهزة خاصة لتثبيت الكسور.

يبدو لي الآن أن الأمور أخيرا تتقدم بشكل صحيح.

اخيرا تفرغت لجاسم و قصته التي لم أفهمها حتى الآن!

طلبت من جاسم أن يتكلم ببطء وبصوت واضح لكي أفهمه فقد مللت.

ازداد عدد الحضور الفضوليين وعدد المصورين.

قال لي جاسم بشكل عصبي لماذا أوقفتم سيارتكم أمام منزلي؟

رددت عليه ولكنها ليست سيارتنا!

وتدخلت زوجة جاسم قائلة إنها سيارة المدرس الخصوصي لولدنا!

قال جاسم ليس هذا سبب عصبيتي وزعلي منك..

زاد قائلا لماذا رميتم زبالتكم أمام منزلي؟

رددت عليه ولكنها ليست زبالتنا.

رد عماد جارنا؛ لقد تم تغيير ألوان صناديق الزبالة وهذا صندوق زبالتكم الجديد.

قال جاسم بحق إن سبب عصبيتي عليك هو لماذا لم تسلم علي قبل اسبوعين عندما شاهدتني خارجاً من منزلي؟

للعلم كنت قبل أسبوعين مسافرا، ولكن لم أرغب أن أشرح له.

أعطيته ظهري ذاهباً لمنزلي وقد اكتشف الآن لماذا تم اخيار جاسم بوظيفة قيادية في البلد.

ألا تشاركني الرأي أن جاسم لديه أهم صفات الـ...