غليان «ضاري» في الشارع قبل قرار «الدستورية»

في حكم «اللحظة التاريخية» ... «ودي أفهم منو اللي فاز»؟!

1 يناير 1970 08:00 م
| كتبت بشاير العجمي |
الساعة تشير الى الثانية عشرة ظهرا. باق من الزمن دقائق معدودة. هكذا حدث «ضاري» نفسه، قبل ان يسند ظهره الى المقعد، ويأخذ نفسا عميقا ويدير مفتاح السيارة، ومفتاح الراديو، وشاشة «الآي فون» وواجهة «الآي باد» بانتظار معرفة حكم المحكمة الدستورية في مرسوم الصوت الواحد. فالحكم تاريخي، والتاريخ مفصلي، والفصل جديد، كما تؤكد الاقوال وتوحي الاشارات.
«وحدها الاشارات ستنقذني» يطمئن ضاري نفسه، فعند كل اشارة حمراء، وقريبا من كل «يوترن» يتفقد «التايم لاين» لمتابعة الحدث الكبير. في الشارع المزدحم تقف السيارة، فيرفع شاشة الهاتف المحمول، «زلزال في المكسيك»، «قتلى في حادث اعتداء على مسلمين في بريطانيا»، «تفجيرات دامية في العراق».
«يا ساتر» يقول ضاري مستاء من عناوين «تويتر». يبدو ان اللحظة «تاريخية» و«عصيبة» على العالم اجمع.
يحكم قبضته بتشنج على المقود ويكمل سيره. يرفع صوت الراديو بحثا عن خبر او تحليل يبين له الصورة امام قصر العدل. يأتيه صوت المذيع: هنا اذاعة «البي بي سي»: لماذا تراجع الشباب العربي عن المشاركة في التحول السياسي في بلدانهم؟
يرد « ضاري» بانفعال «متخاذلون، كل من يتراجع عن المواجهة متخاذل». يغلق الراديو ويلتفت يمينا ويسارا مستطلعا الشارع المكتظ بالسيارات «اين يذهب كل هؤلاء في هذه اللحظات التاريخية والدقائق العصيبة والثواني المفصلية، ما هذه اللا مبالاة؟!».
وبعقدة في حاجبيه يتساءل «حتى الجو يتضامن معنا في ضبابية شديدة توحي بالكآبة...الله يستر». قطعت اشارة ضوئية بالأحمر حواره الذاتي، وفورا مد يده الى المقعد المجاور متناولا شاشته لمتابعة «اللحظة الفاصلة». «عاجل... قاعة المحكمة تمتلئ عن آخرها بالحضور».ينتقل الخبر بسرعة مثيرة بين المواقع الاخبارية، تتسارع ضربات قلب ضاري وتتسع حدقتاه، يواصل قراءة «التايم لاين»، خبر آخر «آلاف الاتراك يتجمعون حول ميدان (تقسيم) احتجاجا» ينتفخ صدره شهيقا وبحماس يؤكد لذاته «هذه هي الشعوب الحية في حالة فوران دائم».
تتسارع العناوين امام عينيه من جديد. معارضون يرفعون صور (البرتقالي) وشيلات (سيار). موالون يرفعون أياديهم بالدعاء. ماليون «يرتوتون» اخبار البورصة الخضراء مهللين مستبشرين بتصحيح المسار. يساريون «يجددون العهد بمواصلة النضال»، يمينيون يعددون نعم الله على «الشعب المحتار». «منكتون» يخترقون الاجواء «نريد بطلان، بطل واحد ما يكفي». تبا «يقول ضاري قابضا على هاتفه بعنف «لا احد يفهم حساسية المرحلة، ودقة الوضع، وتشنج الحالة»، و... تلتقط عيناه خبرا جديدا «كيم كارديشيان تضع مولودة». كيم كارديشيان، يقول،وفي لحظة «سرحان» يحاول تصور اطلالتها الجديدة، ينتبه من سرحانه على أصوات أبواق السيارات من خلفه، يتابع السير خافضا رأسه في خجل، ويهمس لذاته «اعوذ بالله، عاد هذا وقت كيم كارديشيان؟».
الشارع يقف مجددا، يبدو ان حادثا في الطريق. الشارع يغلي، او هكذا يجب ان يكون، يردد ضاري بينه وبين نفسه قبل ان يستل «الاي فون» من جيبه، ليكمل المتابعة. «وصول هيئة المستشارين للمحكمة تمهيدا للنطق بالحكم» خبر جديد، ومعه يرتفع الادرينالين في شرايين ضاري المنقبضة. تتراكض الاحداث على صفحة الهاتف النقال، يزداد تواتر الاخبار «يزداد سعر الذهب»، يرتفع متوسط التغريدات المحلية الى الضعف بحسب تقديرات المتخصصين»، «احد المتظاهرين يثير بلبلة امام قصر العدل». أوه المرحلة الان اكثر حساسية من اي وقت مضى. يسير الشارع، ويواصل ضاري قيادة السيارة ممسكا بالهاتف في يده. السيارة تترنح تحت اهتزازات «التايم لاين». عاجل «بطلان مرسوم الانتخابات وعضوية النواب». يشهق ضاري تفاعلا مع الموقف، وبسرعة يبحث عن موقف لسيارته. يقف بتعجل ويتابع قراءة الخبر «تحصين الصوت الواحد، وانتخابات جديدة خلال 60 يوما». ينفث من أعماقه زفرة طويلة، ويجفف العرق المسكوب على جبينه « يالله، أخيرا انتهت اللحظة الفاصلة»، يترجل، يدخل الى المبنى متأبطا «آي فونه» و«الاي باد» وحماسه السياسي المتأجج، يلتقي بزميله في العمل، يسأله الزميل عن سبب انفعاله فيجيب «ودي افهم منو اللي فاز؟!».