فاصلة / لنكولن... الربيع الأميركي

1 يناير 1970 07:02 ص
| فهد توفيق الهندال |

كلنا يتذكر أو شاهد أفلام المخرج العالمي ستيفن سبيلبرج التي تنوعت ما بين الإثارة : ديول والفك المفترس، الخيال العلمي**: إي تي، الحديقة الجوراسية وحرب العوالم، المغامرات: سلسلة أنديانا جونز، هوك و مغامرات تان تان، الحربية: امبراطورية الشمس، شنيدلر ليست، انقاذ الجندي رايان وحصان الحرب، وغيرها من الأفلام، سواء التي أخرجها أو اكتفى بانتاجها. ومع إدانته المستمرة للنازية في أفلامه اخلاصا لأصوله اليهودية، فإن ذلك لم يثنه عن التنوع في القضايا التي تشغل العالم في أفلامه، مستذكرين فيلمه الجميل اللون الأرجواني الذي يحكي قصة شقيقتين ملونتين افترقتا نتيجة قسوة رجل ملون أيضا لم يستطع أن يستعبد الصغرى لأنانيته كما استعبد قبلها الكبرى التي ثارت عليه في نهاية الأمر، وهو ما يجعلنا نربط العبودية في سيطرة الذكورة على المجتمع الأميركي بصرف النظر عن اللون بما يعانيه أيضا من عنصرية المجتمع الأبيض الأميركي ضد بقية الأعراق، ولعل فيلم لامستاد الذي لامس قضية تجارة الرقيق غير الشرعية لتصحيح المسار في قضية التعامل مع عنصر مشكل ومكون لعموم الطيف للمجتمع الأميركي.

ليأتي سبيلبرج في فيلمه الأخير «لنكولن» بما هو أشبه اكتمال مشروعه السينمائي في محاولة لأن يقدم للمتلقي رؤيته النقدية للعالم والتاريخ. ففي فيلم لنكولن طرح قصة مشروع التعديل رقم 13 في دستور الولايات المتحدة الأميركية المُلغي للعبودية. الذي خاض معركة سياسية تحت قبة الكابيتول لاقراره في كونغرس الولايات المتحدة، وحرب عسكرية أهلية موازية ضد الولايات التي انفصلت عن المركز رفضا لهذا التعديل.

الفيلم يتناول قصة هذا التعديل التي انطلق لنكولن فيه من مسؤوليته التاريخية كرئيس للولايات المتحدة الأميركية والقائد الأعلى للقوات المسلحة وهو يخوض حربا أهلية شرسة وقاسية لم يشهد مثلها المجتمع الأميركي بمجمل تاريخه بعد حرب الاستقلال، ليعلّق عليها لنكولن وهو يشهد نهايتها بأنه لم يشاهد مثل هذا اليوم في حياته، وهو المزارع القديم والمحامي العتيد.

ولاقرار هذا التعديل، كان على إدارة لنكولن اتباع مختلف السبل لاقراره وهو ما علّق عليه المؤيد للمشروع في تلك الفترة السيناتور تيدوس ستيفين الذي أدى دوره الممثل تومي لي جونز بقوله: «إن أعظم انجاز في القرن العشرين تم انجازه بواسطة الفساد»!

اللافت في العمل هو تركيز سبيلبرج على رؤية لنكولن المستقبلية في أن ضمان وحدة الشعب الأميركي تكمن في أهمية وضرورة اقرار التعديل المذكور الذي يرفض الاكراه على العبودية والاتجار بها، بما سيفتح مجالا للحقوق المدنية والمشاركة السياسية لاحقا للنساء والمواطنين من أصول مهاجرة أو مستعبدة سابقا بعد عقود طويلة من العمل بالتعديل كضرورة في ربع الولايات أي 27 ولاية من أصل 36 ولاية قائمة آنذاك. ليدفع لنكولن حياته ثمنا لهذه الرؤية في الرابع عشر من أبريل عام 1865، أي في ذات الربيع من العام والشهر اللذين شهدا اقرار التعديل 13 وتوقف الحرب الأميركية الأهلية.

الجدير بالذكر أنه تمت المصادقة اخيراً في ولاية ميسيسيبي. على التعديل نفسه برغم المصادقة عليه في عام 1865، أي قبل 184 عاما، وكأن صدى خطبة لنكولن الشهيرة المستذكرة لحرب الاستقلال والمبررة لقيام حرب الاتحاد ضد الانفصال، تتردد ثانية عبر حنجرة الممثل دانييل دي لويس الذي حاز على جوائز أفضل ممثل رئيسي ومنها الأوسكار- عن دوره في تجسيد شخصية الرئيس لنكولن، عندما أعاد للذاكرة خطابه الشامل:

«لن يلاحظ العالم إلا قليلا، ولن يتذكر طويلا ما نقول هنا، لكنه لن يستطيع نسيان ما فعلوا هنا. والأصح، هو أننا نحن الأحياء الذين ينبغي أن يكرَّسوا هنا لإتمام العمل الذي لم ينجز، الذي حاربوا من أجله وعملوا بشرف على تقدمه إلى هذا الحد. فحريّ بنا إذاً أن يتم تكريسنا هنا للمهمة العظمى الماثلة أمامنا وهي أن نستزيد من تفاني هؤلاء الأموات المكرّمين من أجل تحقيق الهدف الذي بذلوا في سبيله آخر كل ما في طاقتهم من تفان وأن نصمم هنا بعزم على أن هؤلاء الموتى لم يموتوا عبثا ».

والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.



* كاتب وناقد كويتي

[email protected]