عدلون الجنوبية شيّعت الشاب هاشم السلمان

الحريري اتّهم «حزب الله» بقتل المعارض الشيعي وجنبلاط انتقد «الحرس الثوري ومَن يدور في فلكه»

1 يناير 1970 02:13 م
| بيروت - «الراي» |

تفاعلت قضية مقتل الناشط الشيعي المناهض لـ «حزب الله» خلال تظاهرة امام السفارة الايرانية في بيروت، بعدما ربطتها قيادات سياسية بارزة في لبنان بالخشية من ان تكون في سياق «رسالة ترهيب» للمعارضين للحزب و«خنق» لموجة الرفض المتعاظمة لانخراطه بالنزاع العسكري في سورية وتعبيراً عن «فائض الانتصار» الذي روّج له ولا سيما بعد معركة القصير.

وتحت وطأة مشهد الاعتداء على التظاهرة التي كان ينظّمها «حزب الانتماء اللبناني» الذي يترأسه احمد كامل الاسعد ظهر اول من امس امام مقر السفارة الايرانية في بئر حسن من شبان مناصرين لـ «حزب الله» كانوا يرتدون قمصاناً سود موحّدة، استحضرت دوائر سياسية في بيروت تجربة «القمصان السود» التي ذاع صيتها غداة إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري في يناير 2011 والتي «ضغطت» لعدم تكليفه مجدداً.

وفي حين جاء هذا التطوّر ليضع هيبة السلطات الأمنية على المحكّ في ظل وجود صور واضحة للذين شاركوا في الاعتداء على المتظاهرين بالضرب بالعصي وإطلاق النار اضافة الى شهود عيان، لوحظ ان «حزب الله» لم يكن حتى عصر امس أصدر اي توضيح حول أصابع الاتهام التي وُجهت اليه، في حين لم تعلّق السفارة الايرانية على ما جرى امامها ولا سيما بعدما كانت تقارير اشارت الى مسؤولية حراسها عن إطلاق النار الذي ادى الى مصرع السلمان.

وفيما كانت منطقة عدلون في جنوب لبنان تودّع الشاب السلمان بغضب مكتوم، كان الرئيس اللبناني ميشال سليمان يستقبل السفير الايراني في بيروت غضنفر ركن ابادي حيث استوضحه ما جرى يوم الاحد، قبل ان يطلب في اتصالات اجراها مع مدعي عام التمييز بالتكليف القاضي سمير حمود ومسؤولين أمنيين «العمل بسرعة على كشف ملابسات الحادثة والقبض على الفاعلين والمحرضين»، مشدداً على ضرورة «تعاون المواطنين وأحزاب المنطقة وخصوصاً حزب الله والسفارة الايرانية لتسهيل مهمة الاجهزة المختصة في كشف كل التفاصيل والملابسات وتبيان حقيقة ما حصل وكيفية حصوله منعاً لتكرار حوادث مماثلة».

وفي موازاة ذلك، كان مقتل السلمان يُحدث صخباً سياسياً في وجه «حزب الله» ولا سيما مع الاتصال الذي أجراه الرئيس سعد الحريري بأحمد كامل الأسعد، معزيا برئيس الهيئة الطالبية في حزبه «الشاب الشهيد هاشم نشأت السلمان»، مستنكرا «الاعتداء الذي نظمته جهات تابعة لحزب الله قرب السفارة الإيرانية».

واكد الحريري «أن اللبنانيين يرفضون أساليب التهويل والترهيب على أصحاب الرأي، ولن يرتضوا بالتأكيد أن تكون مناطق حزب الله محميات أمنية على الطريقة الإيرانية».

وكان الأسعد وصف مقتل سلمان بأنه «عملية إعدام متعمّدة»، وقال: «هذه رسالة لي وللحزب، واضحة، فقد أطلقوا رصاصتين على بطن الشهيد هاشم وبقي أرضاً لمدة ثلث ساعة قبل أن يسمحوا لرفاقه بنقله إلى مستشفى رفيق الحريري الحكومي. ولو سمحوا بنقله فوراً لكان نجا، لكن ما جرى يثبت أن حزب الله حضّر مسبقاً للعملية، وأثبت أيضاً أن مشكلة (السيد حسن) نصر الله ليست مع التكفيريين كما يدّعي، إنما مع الرأي الآخر داخل الطائفة الشيعية».

أضاف: «هؤلاء الشباب الذين تظاهروا هم طلاب جامعات، جريمتهم أنهم نزلوا من السيارات وهم يحملون الأعلام اللبنانية حتى اشتعلت جهنم في وجههم، فنزل عناصر حزب الله بقمصانهم السود من الفانات والموتوسيكلات يحملون العصي والمسدسات أمام أعين عناصر الجيش اللبناني الذين كانوا يتفرّجون. وأطلق مسلّحو حزب الله الرصاص على هاشم ورفاقه وكنت لا أزال في سيارتي».

ووجّه رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط انتقاداً مدوياً لـ «حزب الله» وايران على خلفية حادثة السفارة اذ دان مقتل السلمان، معتبراً انه «عدا عن الطريقة البربريّة التي حصل فيها الاعتداء امام السفارة الايرانية من خلال استخدام العصي والهراوات كما كان يحصل في القرون الغابرة، فإنه يطرح علامات استفهام كبرى حول أهدافه ومراميه، إذ لا يجوز التعرّض لحرية التجمع والتعبير وإلغاء الصوت المناهض الذي يملك موقفاً لا يتفق مع موقف هذا الطرف أو ذاك».

واذ سأل «هل يمكن لشعار محاربة التكفيريين الذي تحوم حوله الكثير من التساؤلات والمواقف المتباينة ان يؤدي إلى خنق الأصوات السياسيّة المختلفة؟»، قال: «نطلب أن تُستكمل التحقيقات في قضية مقتل الشاب هاشم السلمان الذي قضى بعد تعرضه للضرب من عناصر مجهولة معلومة، فإما أن تكون من الحرس الثوري الايراني أو من يدور في هذا الفلك، ومعاقبة المرتكبين. وان كشف الفاعلين وهوياتهم وجنسياتهم هو من مسؤوليّة الأجهزة الرسميّة المختصة».

ويُذكر ان عباس عراقجى المتحدث باسم الخارجية الايرانية كان نفى ما تردد عن وقوع اعتداء على السفارة الايرانية فى لبنان

ونقلت شبكة «برس تي في» الاخبارية الايرانية عن عراقجى قوله ان «هذه التقارير تفتقر الى الصحة، وكل ما حدث هو تجمع اعداد محدودة من الافراد امام السفارة الايرانية فى بيروت قامت قوات الامن اللبنانية بتفريقهم».

وتابع: «المعلومات المتوافرة لدينا تفيد ان مجموعة صغيرة من مؤيدي الجماعات التكفيرية اشتبكت مع قوات الجيش والامن اللبنانية فى منطقة تقع على بعد كيلومتر على الاقل من مجمع السفارة الايرانية فى بيروت، وان هناك بعض الخسائر البشرية غير انه لم يقع أى اعتداء على مبنى السفارة الايرانية».





شقيقه لـ «الراي»: نحن شيعة أباً عن جد



هاشم السلمان... أول «دم شيعي» اعتراضي في بيروت



بيروت - من آمنة منصور:

مرة أخرى، يخفت الصوت على وقع جعجعة الرصاص فتتلاشى الأنفاس حتى الموت. هاشم السلمان مسؤول شؤون الجامعات في حزب «الانتماء اللبناني» الشيعي المعارض لنهج «حزب الله»، سقط أول من أمس برصاص «الأخوة» الذين قربهم الدمّ وباعدتهم السياسة أمام السفارة الإيرانية.

السلمان ابن بلدة عدلون الجنوبية، الذي قضى نتيجة إصابته برصاصة في وسطه فيما تلقى رفاقه كيلاً من الشتائم والعصي، فوجئ ذووه بتلقي خبر وفاته، حيث اوضح شقيقه فادي لـ «الراي» أنه علم بالإشكال وإطلاق النار على شباب «الانتماء» أمام السفارة الايرانية عبر رسالة قصيرة وصلت إلى جواله، فتوجه إلى موقع الاعتصام، إلا أن الجيش منعه من الدخول. فعمل على الاتصال بأخيه مراراً وتكراراً ليجيبه أخيراً صديقه ويخبره عن نقله إلى المستشفى، فقصدها ليجد أخاه لافظا أنفاسه الأخيرة، مشيرا إلى أنه لدى وصوله إلى المستشفى «تبعني زعران من حزب الله على دراجات نارية وتحلقوا حول المستشفى».

هاشم السلمان يتيم الأم، ترك لوالده غصة بوفاته. وقال أخوه: «الوالد أعصابه تعبانة، ولا نية للعائلة للمتاجرة بدم ابنها، على غرار ما يفعله الآخرون بإقامة التعازي التي تلقى فيها الخطابات السياسية»، مشددا على أن «جل ما نريده الآن هو دفن شقيقي هاشم». وتابع: «لم يعلمني بنيته المشاركة بالاعتصام، ولو علمت لما تركته يذهب وحيداً. استفردوا به، لأن إطلاق النار لم يتم إلا باتجاهه. كان المقصود والمستهدف دون غيره، لأنه هاشم ابن نشأت السلمان المعروف بأنه كان مع المرحوم كامل بيك الأسعد كالأخوة تجمعهما السياسة والقرابة العائلية»، مضيفا: «نحن شيعة أباً عن جد، نحن كامل الأسعد رحمه الله. هم لا يستيطعون الاعتداء علينا في عدلون، فاستفردوا بأخي حين كان وحيدا».

وردا على سؤال، كشف أنه يفضل تأجيل مسألة تحميل المسؤولية في مقتل أخيه، مشيرا إلى «أننا لم نتبلغ أي شيء عن التحقيقات حتى الساعة». وختم: «كان أخي كأي شاب لبناني آخر متحمساً لمبادئه، لا سيما بعد التطورات الأخيرة. فقد كان همّه الأساسي استقلال لبنان، وهو لا يريد أن تتحكم بشؤون بلادنا إيران أو سورية أو السعودية أو فرنسا أو أي بلد آخر. سندفن شقيقي، وبعدها يكون لكل حادث حديث».

ووصف الوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون لـ «الراي» ما حصل أمام السفارة الإيرانية بـ «عملية الاغتيال»، موضحا أن «الاعتصام كان أعلن عنه قبل يوم أو يومين، ما سمح للجهة الأخرى أي حزب الله بالتخطيط لتلقين هذه الجماعات درسا كبيرا». واضاف: «ما جرى يعني أن حزب الله سيعود إلى الاغتيالات والتفجيرات في البلد، وهو أصلاً يوزع التهديدات في كل الاتجاهات بما فيها على رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف، فيما رئيس البرلمان صامت صمت القبور كأن لا علاقة له بشيء في هذا البلد».

وعما إذا كان مقتل السلمان يهدف إلى إسكات الصوت الشيعي المعارض، اكد أن «ما حصل يهدف ليس فقط إلى إسكات المعارضة الشيعية، بل أيضا لإسكات جميع اللبنانيين»، مذكراً بالأحداث المتنقلة في صيدا وطرابلس والتهديد بـ «7 أيار» جديد. ومضيفاً: «اغتيال السلمان هو رسالة لكل اللبنانيين مفادها أن من يعترض على سلطتنا سيكون مصيره الموت».

ولفت بيضون إلى أنه «في حال قامت الدولة بواجباتها في هذه المسألة بخلاف ما تم عند مقتل النقيب سامر حنا الذي ذهب دمه هدرا، فإن حضور الدولة سيربّي هذه الميليشيا وإلا ستبقى مسيطرة على البلد وكل مرافقه»، محذرا من أن التقاعس في هذا الأمر «سيكون بمثابة دعوة للأطراف الأخرى لإنشاء ميليشيات جديدة، الأمر الذي يعيد لبنان إلى الحرب الأهلية».

بدوره، عضو اللجنة التنفيذية في «حركة التجدد الديموقراطي» حارث سليمان شدد لـ «الراي» على أن مقتل السلمان «عمل مدان»، معتبرا أنه «بداية جديدة من حزب الله وإيران لمواجهة الاعتراض الشيعي».

وإذ اعرب عن اعتقاده أن «هاشم السلمان هو أول شهيد للاعتراض الشيعي بمواجهة السياسة الإيرانية»، شدد على أن «للشيعة مصلحة بسورية ديموقراطية، وليس من ثقافتهم وتاريخهم إلا نصرة المظلوم».

واضاف: «أراد الشباب في اعتصامهم أمام السفارة الإيرانية التأكيد أن حزب الله لا يستطيع المشاركة في القتال في سورية باسمهم، وإذا كان لديه بعض التأييد في صفوف الطائفة فهناك أطراف لا ترضى بهذا التدخل. وبالطبع هذا الاعتراض يضر بإيران حيث يوجه بنجاح أصابع الإدانة إليها ويحملها مسؤولية تورط حزب الله في سورية، فكان الرد بقتل الشاب هاشم السلمان، لتوجيه رسالة إلى كل الشيعة المعترضين بأن الموت هو جزاء كل من يقول لا».

إلا أن سليمان قال ان «الشيعة ليسوا خائفين، وما ذهابهم للاحتجاج أمام السفارة الإيرانية إلا خير دليل على ذلك».

وكتب الصحافي علي الأمين أنه «لا يمكن النظر الى هذه الاستباحة التي جرت امام السفارة الايرانية في بيروت الا على أنها تعبير عن سلوك البلطجة الذي يبشر به انتصار القصير في بيروت»، قائلاً: «لعل الهمجية التي قوبل بها هؤلاء (المحتجون)، هو لكونهم من داخل الطائفة الشيعية وتجرأوا على التعبير عن رأيهم في الشارع وامام سفارة قدس الاقداس. انها رسالة إلى كل من يحاول الانتقال من الكلام الاعلامي الى الميدان بأن الجواب سيكون القتل».