كثيرا ما تؤرقني تلك المكالمات التي تأتيني من نساء وفتيات تعانين من مشكلات أسرية أو صحية أو تربوية أو اجتماعية وأحيانا في علاقات العمل...الخ، بصراحة وشفافية إن ما يزعجني هو عدم إلمام ودراية بعض النساء والفتيات بمفهوم المشكلة وليس كثرة الاتصالات، إن الله جل جلاله زودنا بآلة جبارة بكل ما تعني هذه الكلمة، العقل البشري جبار ولكنه لا يتعامل مع الأشياء بطريقة مباشرة بل يتعامل معها عبر أدوات وهي ما تجعلنا نفكر التفكير السليم السوي، الذي يمكننا من التعريف بالأشياء ومن ثَمّ نصدر الأحكام.
إن أدوات العقل هي... التعريفات المصطلحات الأفكار المعلومات، من هنا وجب على كل إنسان يتعرض أو يقع بمشكلة، بداية يُعّرف معنى مفهوم المشكلة حتى يستطيع أن يتعامل معها، إما بعلاجها أو احتوائها أو التعايش معها من دون أن تكبر وتتفاقم، المشكلة بالمعنى اللغوي هو... التباس الأمر على الشخص، أي استشكل الوضع على المرء، أما بالمعنى الفلسفي فهي... حالة لا نستطيع فيها تقديم شيء، أي نتأرجح بين موقفين بحيث يصعب ترجيح أحدهما على الآخر.
إن وجود مشكلات في حياة الناس، هو الأصل، وهو ليس علامة سقم، فالاعتراف بالمشكلة هو الخطوة الأولى على طريق العلاج، لذا لا بد من تحديدها وتجميع المعلومات، إن تحديد أسباب المشكلة يعتبر نصف العلاج، كما أن علينا أن نفكر بحلول منطقية تساعدنا في حل وعلاج المشكلة، بعدها نبدأ باختيار هذه الحلول واختبارها على الأمر الملتبس علينا، وترشيح أحد العلاجات المطروحة بعد اختبارها على الموقف الذي نعاني منه، مع مراعاة المتغيرات عند تحليل المشكلة لحلها، ومن أهم هذه المتغيرات الاتجاه الإنساني والخلفية الثقافية، الاتجاه الإنساني يؤثر بدرجة كبيرة على عملية حل المشكلات من حيث المدخل للتعامل معها، هناك مدخل تقليدي غالبا ما يمارسه الناس لحل المشكلات، الذي يركز على تقليل عنصر المخاطرة، أما المدخل الإبداعي الذي يركز على عنصر الإبداع على حساب المخاطرة في علاج المشكلات فقليل من الأشخاص يستخدمونه، أما الخلفية الثقافية فهي في غاية الأهمية في تحليل المشكلات لأنها تستند على القيم التي تفرزها الثقافة بين البيئات والمجتمعات المختلفة.
إن استشراف المستقبل غالبا ما يقلل من أثر المشكلة، فكن مستعدا لاستنباط واستشفاف الأحداث والمواقف حتى تؤطر المشكلة، ولنحرص على تحجيم دور العاطفة في المعالجة حتى نستطيع أن نتناول المشكلة بقدر من الحياد والموضوعية، من المهم أن نثق في حدسنا وبصيرتنا في فهم أوضاعنا لأننا نظل نحن الأقدر على الإلمام بشؤوننا.
لم يبق ألا أن نقول لا تجعل المشكلة تديرك وتتحكم فيك من خلال القصف الذهني، وهذا أسلوب من أساليب التفكير في علاج المشكلات، أي لا تسمح لكل الخواطر والأفكار التي تدور حول المشكلة بالانسياب مهما كانت تبدو عميقة دون أن تقيمها أو تبين سلبياتها، امسك بزمام الأمور واجعل صمام الأمان بيدك حتى تفلح وتنجح بعلاج المشكلة من جذورها أو احتوائها وهنا تعتبر المشكلة محلولة جزئيا، أو تختار بأنك تتقبلها وتتعايش معها من دون أن تتعدى وتتخطى حدودها التي رسمتها حين قمت بتوصيفها لحلها.
منى فهد عبدالرزاق الوهيب
[email protected]twitter: @mona_alwohaib