رؤى / غذاء الجسد... وتجويع الروح

1 يناير 1970 09:48 ص
| سهيلة غلوم حسين |

تطوّر الحياة من كل الجوانب ضاعف من اتساع الشرخ الذاتي للإنسان الذي بات يعيش حالة انفصام بعد تخليه عن مفاهيم كانت سابقاً تشكل لديه عنواناً رئيساً لمبادئه.**

في ظل هذا التبدّل العام أصبحنا نلمس فعلياً اتجاه أغلب البشر الى السعي لتأمين قوت الجسد من طعام وشراب وما يطلبه من رغبات أخرى واللهاث وراء تأمين مستقبلهم ومستقبل من يهمهم من خلال زيادة أموالهم وأرصدتهم في البنوك، متغاضين عن حقيقة الغذاء الروحي لهم بغية تقوية نفوسهم، وفي ذلك يقول الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام: (عجبت لمن يتفكر في مأكوله كيف لا يتفكر في معقوله فيجنب بطنه ما يؤذيه ويودع صدره ما يرديه).

بالرغم من كل التداعيات الحياتية والجدليات التي تفترش لها درباً أمام مسيرة واقعنا يتأكد لنا أن لنفوس البشر صحة ومرضا وعلاجا ومعالجا كما للجسد تماماً، وإن الأمراض التي تصيب النفس أشد ضرراً وهلاكاً من الأمراض التي تصيب الجسد، فالأمراض الجسدية تنتهي بانتهاء حياة المصاب بها، أما الأمراض النفسية فسيحمل أثرها إلى ما بعد الموت.

ينبغي قبل كل شيء الاهتمام بتربية النفس والتركيز على صقل جوهرها ومنحها اهتماما كاملاً، والأولوية لإصلاح الذات وتربيتها والعمل من أجل تكاملها، ومن ثم إحياء القيم الأخلاقية ورعايتها وتنمية القيم في النفس عن طريق التربية الصحيحة للنفس، ومن هذه القيم الأدب والصدق والمروءة والعلم والمعرفة وعدم الاهتمام بالمظاهر الزائفة والامتناع عن الانقياد والتبعية وتنمية الفكر والتفكير السليم، ويشير إلى ذلك علي بن أبي طالب عليه السلام في قوله: (لا غنى كالعقل، ولا فقر كالجهل، ولا ميراث كالأدب).

مقولة سادت قديماً مفادها إن أدنى مستويات الإنسانية ألا يعرف المرء عيوبه أو لا يعترف بها، لا لشيء سوى إنه مرتاح مع طبائعه وتعود عليها ويصعب عليه التخلي عما ورثه من أهله وما نشأ وتربى عليه، وهذا التعود لا يجعله صحيحاً إن كان في الأصل سيئا وعليه ألا يستسلم لعادات نفسه مهما كانت متمكنة من حياته، يقول علي بن أبي طالب عليه السلام: (أيها الناس تولوا من أنفسكم تأديبها واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها). فالتربية لا تقف عند حد ولا تتوقف عند عمر معين مادام حيا في هذه الدنيا وتتوافر لديه فرصة الارتقاء في مدارج الكمال بل إن كل نفس قابلة للتعلم والتربي في جميع مراحلها العمرية وفي كل الأزمنة.

إن تهذيب النفس لا يأتي صدفة، وإنما هو نتيجة، ومن كملت له بصيرته لم تخف عليه عيوبه وإذا عرف عيوبه أمكنه علاجها، فمعرفة عيوب النفس من أهم شروط عملية تربية النفس وتهذيبها وأيضا النية والعزم واليقظة والثبات والمداومة، فالنفس تحتاج إلى تربية والتربية هي تهذيب النفس شيئا فشيئا، وإصلاح ما فسد من الأخلاق ومداواة علل النفس أفضل من كنوز المال وعقد الأملاك ولكي يتمكن المرء من معرفة أخلاق نفسه حتى يهذبها لابد له من سلوك طريقين هما معرفة نفسه بنفسه ومعرفة نفسه بالآخرين.

يقول العالم والمفكر المعروف ابن حزم الظاهري مؤلف كتاب «مداواة النفوس، وتهذيب الأخلاق والزهد في الرذائل»: (لا يخلو مخلوق من عيب.. فالسعيد من قلت عيوبه ودقت)، فالمرء لن يكون كاملا فالكمال لله عز وجل ولكنه يستطع أن يقلل من عيوبه، ومن عناية الله سبحانه وتعالى بعباده أنه وهبهم العقل والقدرة على تهذيب النفس وتزكيتها، وقد قال الله تعالى: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» (سورة الرعد)، فالنفس مطواعة للعقل كالشمع في يديه لا كالحديد يصعب أن تلوى، ومع المواظبة على العمل على تهذيب النفس سيصبح الأمر يسيراً للغاية ومع الوقت سيصل إلى درجة عالية من الإنسانية والصحة النفسية والروحية.



 كاتبة كويتية