شباب يحاصرون الساهرين لإصلاح الطرقات وإفساد ليلهم
أشغال الليل الشاقة ... حوادث واستهتار وتخريب
1 يناير 1970
02:03 م
| كتب محمد صباح |
تحت رداء الليل الأسود، ووحشة العتمة الممزوجة بصوت هدير عوادم السيارات، تقف مجموعة من العمال على ضفاف الطريق أوكلت لهم مهمة أعمال صيانة الطرق وتطويرها من خلال عقود أبرمتها الأشغال مع العديد من الشركات الخاصة للقيام بهذا العمل.
ففي جنبات الطريق الذي يمتلئ بطيش شباب يحاولون استعراض قدراتهم ومهاراتهم في قيادة السيارة وآخرين مبتدئين أو ممن يغالبهم النعاس أحيانا يقف هؤلاء العمال منهمكين في عملية إصلاح ما أفسده تقلب المناخ وتكرار طويل لتدحرج عجلات السيارات.
«احذر عمال يشتغلون» هي اللوحة التي دائما ما تسبقهم بمسافة لا بأس بها يضعها أولئك العمال كإجراء تحذيري واحترازي لإبلاغ مستخدمي الطريق حتى لا يتفاجأ قائدو المركبات بوجودهم خصوصا انهم يعملون على الطرق السريعة التي تكون بها قيادة المركبات بسرعات عالية وأحيانا جنونية ما يجعلهم عرضة للحوادث والسقوط تحت عجلات السيارات.
إلا أن المؤسف يكمن في ان بعضا من قائدي المركبات من الشباب بحسب تأكيد عمال طرق التقتهم «الراي» في جولة ميدانية لايلتزمون بالحواجز الموضوعة حيث يقوم هؤلاء بتجاوزها والسير على الاسفلت بعد وضعه بفترة قصيرة ما يؤثر على تماسكه الأمر الذي يلزمنا بإعادة معالجته مرة أخرى.
يحاول العمال الذين يضعون عدة العمل في ساعة متأخرة من الليل إنجاز أعمالهم قبل شروق الشمس تجنبا للزحمة المرورية الا ان الخطر الليلي يبقى قائما باعتباره فرصة الساعين الى افساد الطرق بكل طريقة.
وتنحصر أعمال هؤلاء العاملين بين حارات الطرق السريعة التي كثيرا ما تتأثر من جراء عوامل المناخ وتقلباته إلى جانب الاستخدام الدائم للطريق ما يساهم في تآكل طبقة الاسفلت وبالتالي تحتاج إلى إعادة صيانتها.
على طريق الدائري الرابع بمحاذاة الصليبخات كانت الرحلة الميدانية مدعاة للاهتمام والاعجاب بجهود هؤلاء الرجال الذين يتحملون المخاطر من اجل سلامة الطرق، اذ يبدأ عمال الاشغال عملهم الليلي في تمام الساعة الثانية عشرة وينتهي عند السادسة صباحا بالتنسيق مع وزارتي الأشغال ووزارة الداخلية ممثلة بالإدارة العامة للمرور.
ويقوم عمال الطرق الذين تم إسناد هذا العمل إليهم بإغلاق الحارة التي يراد إجراء أعمال الصيانة لها حيث ان العمل على الطرق السريعة يختلف عن غيره في الطرق الداخلية بكون تلك الطرق لا يجوز إغلاقها بالكامل بل يتطلب خلال صيانتها انجاز حارة وترك الأخرى سالكة أمام المارة إلى حين الانتهاء منها ومن ثم الانتقال إلى ما بعدها.
وتأتي هذه الأعمال جميعها بعد أن تتم أعمال تحديد الأماكن الأكثر تضررا من غيرها قبل إزالة الاسفلت بحدود 3 سم ليتم بعد ذلك فرش الاسفلت الجديد ووضع الحواجز أمام المارة حتى لا يتضرر من عجلات المركبات قبل أن يتماسك في حال التعرض لها.
ويقول إسلام الذي تحدث إلينا وهو حامل راية بيده يستخدمها لتنبيه المارة والإشارة لهم بضرورة الانتباه وتهدئة سرعة المركبة أن «عملنا في صيانة الطرق السريعة هو عمل ومهنة كسائر الأعمال الأخرى تحمل بعض الأمور الجيدة والاخرى السيئة، إلا أن الخوف الذي نعيشه كل يوم ونحن نرى السيارات تسير بالقرب منا بسرعات جنونية من قبل البعض يجعلنا نعيش في دائرة الموت اليومي وكأننا في ساحة حرب.
ويضيف : «العمل المسائي أفضل بكثير من العمل الذي يزاوله زملاء لنا في النهار تحت أشعة الشمس الحارقة، إلا أن الأمر المختلف بيننا وبينهم هو ان الزحمة المرورية والاختناقات التي تمر بها غالبية الطرق في النهار يفرض على قائدي المركبات القيادة بسرعة منخفضة بشكل مخالف تماما للطريقة والسرعة التي يقود بها البعض في الساعات المتأخرة من الليل خصوصا أن غالبية من يستخدمون الطريق خلال هذه الفترة من الشباب المندفع الذين يستسهلون مخالفة القوانين وعدم الانصياع لها.
في تلك اللحظة تلقف عامل آخر طرف الحديث قائلا: «إن زميلا لنا كاد أن يفقد حياته نتيجة قيام أحد الشباب بمحاولة دهسه بعد أن حاول منعه من السير على الاسفلت الجديد، حيث كان زميلي يحمل راية بيده يشير بها للسائقين للانتباه للطريق وتخفيف سرعتهم حتى يتمكن البقية من العمل بالموقع دون خوف من قدوم السيارات بشكل مسرع قد يفقد معها السائق السيطرة على مقود مركبته لأي أمر كان».
ويزيد: «في تلك الأثناء اقتربت منه سيارة يقودها أحد الشباب طالبا من زميلنا أن يفسح له المجال ليمر على الاسفلت الجديد لكي يرى أثر عجلات مركبته على الطريق، زميلنا في البداية اعتقد ان الشاب يمازحه إلا أن إصرار الشباب على فعل ذلك الأمر كان مبالغا منه ما دفع زميلنا إلى التأكيد على عدم السماح بذلك وما ان سمع الشاب ذلك الرد حتى رجع بسيارته إلا الخلف وحاول دهس زميلنا الذي بدوره رمى بنفسه جانبا فاسحا الطريق أمام ذلك الشـــاب الذي نفذ ما كان يريد».
ويقول ابو الوفا ان «الأعمار بيد الله ومازالت هي كذلك فنحن مؤمنون وراضون بقضائه وقدره... ونعم هناك مخاطر كبيرة في العمل الذي نقوم به خصوصا وان عملنا يتم في الطريق المفتوح امام السائقين ما قد يشكل خطرا على ارواح العاملين».
واضاف: «ونتيجة لذلك نحرص اولا وقبل ان نبدأ بأي عمل على تحقيق وتوفير الأمان على الطريق وذلك من خلال عزل الحارة التي يراد القيام بأعمال صيانتها حتى يتم توفير الحماية للعمال من مفاجآت الطريق». اما العامل مقابل عزت فيقول: «لله الحمد لم تحدث بنا أي مشاكل او حوادث في المواقع التي عملنا بها إلا أنني سمعت عن حوادث عدة تعرض لها العمال في مواقع مختلفة ادت الى وفاة البع ضواصابة آخرين باصابات خطرة.
ويحذر عزت السائقين من التهاون وعدم الانتباه او الامتثال للعلامات الارشادية التي يضعها العمال حماية لهم وللسائقين كذلك، متمنيا من جميع قائدي المركبات ان يقودوا مركباتهم بالسرعة المسموح بها حتى يكون لديهم القدرة على التعامل والسيطرة على مقود السيارة في حال تفاجأ بأعمال إصلاح الطرق.
«الروبوت» ...
بديل العمال...
توارى عن الأنظار قبل التجربة
نتيجة للحوادث التي تعرض لها عمال الطرق كان لوزارة الآشغال فكرة وتجربة طرح الروبوت «الرجل الآلي» في أحد مشاريعها من أجل توفير الآمن والسلامة وحماية العاملين من مهندسين ومشرفين وعمال المواقع من الحوادث من خلال انزال الرجل الآلي «الروبوت» في الشوارع.
وأكدت الوزارة في ذلك الوقت ان الفكرة نجحت نجاحا كبيرا خاصة بعد ان وجدت هناك تجاوبا من قبل المواطنين وسالكي الطريق ومعظمهم يعتقد انه رجل حقيقي والبعض الاخر اعتبروه امانا للعاملين من الطريق ومخاطرة، مشيرة إلى ان الروبوت يمارس العمل بكل كفاءة دون اي تقاعس او عطل وهو يعمل من خلال الخطة التي وضعت له.
وحرصت الأشغال في ذلك الوقت على مراقبة الربوت اولا باول لمعرفة استمراريته ونجاحه ومدى إمكانية تطبيقه على بقية مشاريعها بعد أن يتأقلم معه المواطن ومرتادو الطريق، مؤكدة أن الربوت وجد تجاوبا كبيرا واعتبر حدثاً جديداً أن يقوم رجل آلي بتوجيه سالكي الطريق ويوفر الامان للعمالة في المشاريع وتحديدا في المواقع الخطرة والمظلمة.
ورأت الأشغال بعد نجاحه أنها قد تستغني عن الارشادات ورجال الأمن في الفترة المقبلة اثناء قيامها بالمشاريع بعد ان اعطى الروبوت ثقة واطمئنانا للعمالة التي تعمل بالمشروع إلا أنها لم تقم منذ أن طرحت الفكرة قبل أربع سنوات بأي خطوة في اتجاه تطبيقها.
هدف الصيانة
تهدف أعمال الصيانة التي يقوم بها العاملون الى ضمان استمرارية الصيانة لشبكات الطرق والطرق السريعة وملحقاتها من ارصفة وشبكة مجاري مياه الأمطار ومخارج البحر وشبكة الصرف الصحي في جميع مناطق الدولة لاطالة العمر الافتراضي لتلك الخدمات حتى تكون صالحة للاستخدام بصورة جيدة وبصفة مستمرة وذلك من خلال العقود التي تبرمها الاشغال مع العديد من شركات الصيانة التي تعمل على تنفيذ ذلك حيث تصل قيمة المبالغ السنوية التي تخصصها الاشغال لأعمال الصيانة خلال السنة المالية ما يقارب 60 مليون دينار.
< p>< p>