ما سادت حضارة إنسانية في العالم إلا وكان المسرح مرتكزا اساسيا في نهضتها... فالأمم الانسانية تستمد وجودها عبر اسهامها العلمي والأدبي على أرض الواقع فمع الحقيقة والخيال يكون للاسهام مصب فعال في حياة مواطنيها وجماعاتها، والمسرح يأتي وبين جناحيه شاكلة الانسان المستمدة من هذه النتاجات المذكورة، ولعل الكاتب الانكليزي المعروف «بيتر بروك» اوضح هذا الجانب المتعلق في المسرح حيث يقول: «ان المسرح يعني اولا وقبل اي شيء الحياة»، هذه هي نقطة الانطلاق الضرورية والحتمية، والنتاج الفني المسرحي لا يقوى ولا يتعزز دوره الا وبناء الحضارة الانسانية المدنية في اوجها... فالمسرح هو «سلطة الازعاج» لأي إدارة سياسية تتبنى مفهوم القيادة الحضارية، ولكن مع ازدهار الثقافة وتشبع شتى الاطياف المجتمعية تحت المظلة الحضارية يصبح للمسرح دور ابعد بكثير عن نقد السلطة السياسية، لان لكل كفة اسهاما على ارض الواقع فتكون حتمية الشراكة والازدواجية في ما بينهما على نسق واحد وعلى مخرج واحد... وهذا المفهوم تجده في الدول الصناعية المتطورة مثل الولايات المتحدة الاميركية، وروسيا، وانكلترا، وفرنسا وخلافهما... دول بنت معتقدها الانتاجي عن طريق احترام الانسان، ومده في المفاهيم التي تكفل له حرية العيش السليم.
لذلك يتقوى دوره ويتعزز مبدأه ويعطي كل ما لديه من أجل تعزيز اواصره المتجددة في كل حين مع حضارته! البعض ينظر إلى الموضوع هذا عن طريق عكسي معززا رأيه بان الدول هذه تصدر الرذيلة والجريمة والسلاح إلى الدول الاخرى، كالعرب مثلا! والعرب شاؤوا ام ابوا ستصدر لهم مثل هذه الاشياء وغيرها مما نذكره، ومما لا نستطيع ذكره لانهم امة مستهلكة، والمستهلك عليه ان يأكل وينام ويحلم بالتطوير والباقي في يد الايام فهي تحكم بما شاء لها القدر ان تحكم به! هكذا هو المفهوم، ومفهوم على هذا القياس وفيما يصدر من رجل اكاديمي له اسهاماته العلمية في الحقل التربوي والتعليمي تصبح لدى العموم مسلمة من المسلمات! فكيف بهذا وبذاك ان يتقبل المسرح او حتى مفهوم الفن المسرحي؟ لذلك تجد الحالة الفنية المسرحية في ترد مستمر في بلادنا... طبعا الكويت مستثنية من الخليج مسرحا وفنا الماضي... اما الدول العربية ففيها من مازال يقدم المسرح على انه فن مسرحي باق!
ونحن في الألفية الجديدة في اوج عصر الابتكار والعولمة والاكتشافات، من خلال الفضائيات المتلفزة، والسينما الحديثة والانترنت، يذهب لدينا البعض من القيادات المسؤولة في البلد والمهتمة بالحقل الثقافي والمسرحي وايضا من بعض الادباء والمثقفين- مع كل اسف- إلى ان المسرح قد انتهى دوره فمن هذا الذي سيضيع وقته الثمين للذهاب إلى صالة للتفرج على عرض مسرحي جاد؟! وهو الكلام ذاته الذي نسمعه من قبل مسؤولين من دول خليجية مجاورة عن المسرح الجاد! ولو بحثت مجرد البحث عن دور الثقافة في هذه البلاد وتأثيرها على شعوبها وطلاب مدارسها ومتعلميها لرأيتها صفرا في المئة! فكل شيء قائم بالمقلوب لدينا ولديهم... لان مفهوم الفن المسرحي والفنون بشكل عام مفهوم وغير مستوعب من الاشقاء الخليجيين والعرب، وهو بالنسبة لديهم مسألة معقدة يصعب حلها، وحينما ترجع إلى خمسينات القرن العشرين والى العقود الثلاثة التي تلتها لرأيت على الاقل في دولة الكويت مسرحا وثقافة بحق تشكل مرتكزا اساسيا للنهضة الحضارية في اسيا على الاقل! اما اليوم فمواطننا صار اتكاليا، ومثقفنا هو الاخر اتجه إلى الاتكالية من نواح مختلفة، وهو الامر ذاته الذي صار منطبقا على الفنان والممثل من خلال المسرح الذي لا يملئ جيوبه بالمال! وهو «مليونير» وصار لبعض المسؤولين والقيادات الثقافية والاعلامية اتجاها اخر ينصب في الاساس على الكسب المادي وفي ما بعد التقاعد من العمل والتفرغ للمشاريع التجارية!
والمخرجات التعليمية تخرج في كل سنة مئات الطلاب ومع كل اسف لا يعرفون شيئا عن المسرح والثقافة العربية والعالمية بشكل عام الا في ما ندر! فمن المسؤول عن هذا التردي؟ وان كانت توجد لدينا ديموقراطية او ما اصطلح على تسميتها بالديموقراطية فليس الاولى بالسلطات المسؤولة محاكمة المقصرين في هذا المجال؟
وأرجع إلى المثل العربي الذي كان دارجا في حقب وزمانات مختلفة والذي يقول: «اذا كان خصمك القاضي فمن تقاضي»!