منى فهد العبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي / صيْد الأفكار... (1/2)

1 يناير 1970 12:17 ص
نستكمل ما بدأنا به من صيد الأفكار في فلسفة توزيع الإرث، عندما نجمع خريطة الميراث كلها عند علماء الميراث، نجد أن خريطة الإرث مقسمة بتضاريس ربانية منصفة عادلة لا تخرج عن أربع حالات يجهلها الكثير منا، وخصوصا الذين ينطلقون بأفكارهم من التجربة والخبرة ويعتقدون أن الواقع هو الميزان الذي ينبغي أن يخضع الدين له، وإن دخلنا في تفاصيل قسمة الميراث الدقيقة نحتاج إلى مجلدات، سنكتفي بعرض العموم من تلك الحالات...

في علم الميراث الواسع هناك أربع حالات ترث فيها المرأة نصف ما يرث الرجل، وهناك أضعاف هذه الحالات الأربع ترث فيها المرأة مثل ميراث الرجل تماما، يعني للذكر والأنثى نفس الحظ من قسمة الإرث، كما أن هناك حالات عشر أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، أي حظها من الإرث يفوق حظ الرجل، وقد تكون صدمة الكثير ممن لا يفقهون علم الميراث، ويطالبون بما ليس من حقهم هو أن هناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها الرجل فيها شيئاً، أي هناك أكثر من ثلاثين حالة حظ المرأة من الإرث مثل حظ الرجل أو أكثر أو ترث هي وهو لا يرث، «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»، أفضل بكثير من مطالبات ما أنزل الله بها من سلطان.

إن الذين ينطلقون من منطلقات لا دينية سواء في علم الاجتماع أو علم النفس أو علم الاقتصاد، يحتجون على النص الشرعي والرأي الفقهي، لأن كثيرا منهم يرون النص الشرعي منتجا ثقافيا من الواقع، أي أنه نتيجة لتفاعلات اجتماعية، لذا هم لا يرون القرآن وحياً أنزل من السماء، بل يرونه تراثا، وهذه هي الحلقة المفقودة بيننا وبينهم، إن الاجتهاد في الفقه الإسلامي هو الذي يجعل الدين الإسلامي صالحا لكل زمان ومكان، ويعطينا الحيوية والتجديد ولها آلية لا يفقهها الكثيرون، من الضروري ألا يدخل في علم الاجتهاد من ليس من أهله، لأن هناك قضايا قطعية لا يصح فيها الاجتهاد، وتخضع لها الأمة كلها، مثل.. «قل هو الله أحد» و«للذكر مثل حظ الأنثيين»، أي الأحكام القطعية التي جاءت بنصوص قرآنية لا يجوز الاجتهاد فيها، وهناك قضايا فرعية فيها خلاف والشريعة أرادت أن يكون فيها خلاف لكي تكون هناك مرونة في قضية الأخذ والعطاء ومراعاة البيئات والظروف، كما في القضايا المادية نجد الخلاف، مثلا الأطباء عندما يختلفون على تشخيص حالة، والقانونيون في تفسير نص قانوني أو دستوري، كذلك أهل العلم الشرعي عندما يختلفون على رأي فقهي، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن ديننا دين يسر وليس بدين عسر.

لو كان النص القرآني يخضع للواقع، لأنفقت «السيدة خديجة رضي الله عنها» على رسولنا عليه الصلاة والسلام ودعمت دعوته الدعم المادي، فقد كان فقيرا معدما، واشتغل موظفا عندها في حملتها إلى الشام صلّى الله عليه وعلى آله وسلم، ولو انطلقنا من واقع اجتماعي لشرّع غير التشريع هذا، ولكن التشريع منزل من السماء تجاوز الواقع وحكم عليه، وهو من الثوابت التي لا تتغير، ولكن عندما جاء الإسلام وأراد أن يؤّمن المرأة اجتماعيا وماليا شرع هذا التشريع، الذي لن نقبل بغيره، حتى لا يصبح مجتمعنا مجتمعا آليا ماديا جافا يبنى على التعاقدية والتفاوضية، لا على التراحمية والحميمية، كما هي الحال في المجتمعات الغربية.



منى فهد عبدالرزاق الوهيب

[email protected]

twitter: @mona_alwohaib