رسائل المشاهير 9 / رسائل أشهر رئيس مخابرات عربي من المعتقل (1 من 2)
صلاح نصر لأسرته: عبد الناصر لن يمنع لقائي بكم... وسعاد حسني عميلة مخابرات «خايبة»!
1 يناير 1970
06:07 م
| اعداد - طارق ضاهر ومفرح حجاب |
نعرفهم عبر صفحات وشاشات ومواقف... دخلوا التاريخ فسجّل لهم وشهد عليهم. هم مشاهير كل في مجاله، السياسي، الفني، الأدبي وحتى الديني، قلّب الكاتب** سامي كمال الدين في أوراقهم «الخاصة» جداً، ليعرّفنا الى الوجوه الأخرى «الحقيقية» لكل منهم... فكانت «رسائل المشاهير» الباب لنكتشف ما لم يكن يخطر في البال يوماً.
أسماء كثيرة تحملها صفحات كتاب كمال الدين... وان كانت «الأوراق» - كما أحبّ أن يصنّف أبوابه - مختصرة في 8 شخصيات، الا أنها تحمل أسماء الكثيرين ممن لعبوا دوراً في حياتهم.
في حلقات متتالية، سنكتشف معاً رسائل بعضها بخط اليد، والبعض الآخر مطبوع، لكل من الرئيسين المصريين الراحلين جمال عبدالناصر وأنور السادات، رئيس المخابرات المصرية السابق صلاح نصر، سعاد حسني، احسان عبدالقدوس، ماجدة، الشيخ محمد رفعت، الشاعر أمل دنقل، روز اليوسف، يوسف صديق، يوسف وهبي ومحمد كريم وغيرهم.
رسائل قد تغيّر في مفاهيم كانت راسخة في ذاكرة الكثيرين، كاشفة عن طفل ربما داخل أقسى الشخصيات، وعن مرارات وعذابات رغم الابتسامات الدائمة... فبين اليد والقلم والورقة، تنشأ علاقة لاارادية من الواقعية.
نتناول، في حلقتين، رسائل رئيس المخابرات المصرية المثير للجدل صلاح نصر الذي كُتِب عنه الكثير ونشرت عن سلوكياته وتاريخه مؤلفات تتحدث عن علاقته مع النساء والجنس والمشاهير والتعذيب. في هذا الكتاب قد نشاهد شيئاً مختلفاً أو جانباً آخر لم نره في حياة صلاح نصر، روى جزءا كبيرا منه ابنه الطبيب هاني. في حلقة اليوم نتحدث عن نشأته ومراحل تعليمه وانضمامه إلى الضباط الأحرار وقيادته للكتيبة 13 ليلة قيام الثورة وحتى اعتقاله ورسائله إلى أولاده، محاولاً تكذيب كل ما يكتب عنه أمام عائلته.
يقول المؤلف:
التقيت بطبيب العيون الشهير هاني ابن صلاح نصر فاشتعلت الحرائق وفتحت أبواب من الجحيم على تاريخ مطوي ومختبئ ومغلف، كلما جاءت مناسبة اشتعلت ناره، ثم خفتت لكنها أبداً لا تغيب، فقد كتب عن صلاح نصر أطنان من الأوراق وحكايات عن النساء والجنس والفساد والمال، ولم يقترب الكثيرون من عائلة صلاح نصر للاطلاع على مسيرة أحد الضباط الأحرار أركان حرب الكتيبة 13 ليلة ثورة 23 يوليو 1952 ورئيس واحد من أقوى أجهزة المخابرات في العالم..
وحين سألت هاني عن والده وعما قرأه وسمعه عنه قال: «أحسست بتناقض غريب ووقعت في حيرة فصلاح نصر الذي رباني وعلمني كان رجلاً طيباً، حنوناً، وورعاً يتقي الله، تمتلئ عيناه بالدموع إذا شاهد طفلاً وحيداً يبكي في الشارع، وكان طوال وقته مشغولاً عنا ومهموماً بعمله، وفي المرات التي كنا نراه فيها كان يصطحبني للفسحة ويحضر لنا هدايا، لكن الذي قرأته كان عن رجل لا أعرفه اسمه صلاح نصر، كتبوا عنه كذباً وتدليساً وإشاعات مغرضة لا علاقة لها بهذا الرجل الطيب الذكي القوي الذي استطاع أن يدير جهاز مخابرات شهد له العالم كله بتفوقه.. لقد علمني والدي أن أقول الحق وأني أتمسك بمبادئي مهما حدث.
وحين تصفحت وهاني الأسرار الخاصة بوالده ورسائله كان هناك سؤال يطن على أذني.. وأريد أن أسأله عن فنانة أعشقها وهي النجمة الراحلة سعاد حسني حيث سألته عن علاقتها بالمخابرات.. وهل كانت مجندة حقاً في المخابرات المصرية؟
قال هاني إنها كانت مجندة بالفعل في المخابرات المصرية، ولكنها «كانت عميلة مخابرات خايبة حسبما يرى أبي وكان يرى أيضاً أنها لم تكن تؤدي المهام التي أوكلت إليها بكفاءة لأنها كانت تهتم بحياتها الشخصية، ورغباتها أكثر من المهام الموكلة إليها.
ورغم سعادتي بأن هذه الرسائل تنشر للمرة الأولى لصلاح نصر إلا أني عشت أياماً في حزن وحيرة من أمري لا أدري الحقيقة، فما قرأته كله «كوم» وهذه الرسائل «كوم» آخر.. فهذا صلاح نصر... وهذا صلاح نصر آخر كما سوف يتضح من رسائله الخاصة والتي كان يرسلها لأهله من المعتقل.
وصلاح نصر نشأ في أسرة ريفية هي أسرة «النجومي».. وقضى أغلب حياته في المدينة، لكنه كان كل صيف في قريتهم وقد حكى والده عن أصول أسرة النجومي بأنها نزحت من الجزيرة العربية بعد الفتح الإسلامي، واستقر ببعضها المقام في حي شبرا البلد، ونزل آخرون ببلدة «أوليلة» مركز ميت غمر.. وأسرة النجومي تنتمي لقبيلة عربية تدعى «خزامة»، وحين جاءت إلى مصر عرفت باسم أسرة الشويخ نسبة إلى ولي الله الشيخ محمد الخزامي المدفون في ضريحه ببلدة أوليلة وملحق بالضريح مسجده الذي أقيم مكان منزل الأسرة بعد انتقالها للإقامة بقرية «سنتماي» حسب رواية صلاح نصر في الجزء الأول من مذكراته «الصعود» الصادر عن دار الخيال.. ويكمل «وحدث أن أحد الأجداد نقل إقامته إلى قرية «سنتماي» لأن الاتصال بالأرض الزراعية المملوكة له في «سنتماي» أسهل اتصالاً بها من «أوليلة» ولا يزال فرع من الأسرة يقيم بقرية «أوليلة» باسم أسرة زايد، أما الذين نزحوا إلى «سنتماي» فظلوا يحملون لقب الشويخ.
وفي عهد محمد علي ظهرت حركة مقاومة له في المنطقة لتمنعه من إرسال جنود مصريين لمحاربة إخوانهم المسلمين في الغزوات التي شنها محمد علي في بلاد العرب وسورية والسودان، وكان أحد زعماء حركة المقاومة جدنا سيدنا أحمد هلال الشويخ، وتحصنت حركة المقاومة في بلدة كفر نجم من أعمال مديرية الشرقية.. واستمرت الحركة حتى انتهاء حروب محمد علي عام 1840، فعاد الجد سيد أحمد إلى «سنتماي» وعرف منذ ذلك التاريخ باسم سيد أحمد النجومي».
إذا فإن لعائلة صلاح نصر دوراً وطنياً ضارباً في أعماق التاريخ المصري ومنذ عهد محمد علي.. فهل صعود صلاح نصر لهذه المكانة له علاقة بالجينات الخاصة به؟!
لقد ولد في 8 أكتوبر 1920 في قرية سنتماي، وكان والده أول من حصل من قريتهم على تعليم عال، وعمل مدرساً حتى أحيل إلى المعاش عام 1951.. أي قبل ثورة يوليو بعام.. وصلاح كان أكبر إخوته لذا كان مميزاً كابن بكر بالنسبة لأبيه وأمه.. وتلقى صلاح تعليمه الابتدائي في مدرسة طنطا الابتدائية، وتلقى تعليمه الثانوي في عدة مدارس نظراً لتنقل أبيه من بلدة لأخرى، فقد درس في مدارس طنطا الثانوية، وقنا الثانوية، وبنباقادن الثانوية بالقاهرة.. ونشأ في طبقة وسطى، وأمضى طفولته وصباه في مدينة طنطا.. وكان يرى حرص أبيه وأمه على الصلاة والصوم فحرص عليهما.. وكان أول هدية حصل عليها من أبيه كاميرا تصوير نوعها «نورتون» ثمنها اثنا عشر قرشاً عام 1927..!!
وهناك حادثتان أثرتا في مسار حياته وبقيتا راسيتين حتى رحيله في بداية الثمانينات حيث يذكر «في مرحلة دراستي الابتدائية أذكر حادثاً كان له تأثير مباشر على مسلكي فيما بعد إذ حضر إلينا في مدينة طنطا من القرية بعض أبناء عمومتي الذين كانوا في سن الشباب، ليشاهدوا مولد السيد أحمد البدوي على عادة أهل الريف... وتعلقت بهم وكنت في العاشرة من عمري لأصحبهم إلى ساحة المولد.. ووافق أبي ومنحني خمسة قروش وبالطبع شاهدنا الألعاب المعروفة في الموالد.. وعند لعبة «الأطواق» وقفت أتأمل الناس وهي تقذف أطواقاً صغيرة على هدايا رصت على منضدة أمامهم.. ومن كان يستطيع أن يحيط الطوق بإحدى الهدايا يفوز بها.. وقررت أن أجرب حظي فربحت هديتين، وفرحت بهما.. ولما عدت إلى المنزل رآهما أبي في صباح اليوم التالي، وسألني كيف أمضيت الليلة السابقة.. فما أن ذكرت له لعبة «الطوق»، حتى نهرني وأخذ يشرح لي أن هذا هو الميسر بعينه الذي حرّمه الله.. وبأسلوب تربوي لا يزال عالقاً في ذهني حتى اليوم، أخذ يشرح لي في بساطة مضار هذا السبيل.
وكان لهذا «الدرس» أثر كبير في حياتي فلم أقرب هذا الأمر طوال حياتي.
ثمة حادث آخر انطبع في ذهني طوال سنى عمري.. ففي السابعة من عمري رأيت أبي وأمي تذرف عيونهما الدمع.. فاستبد بي شيء من خوف وقلق، ووقفت أمامهما واجماً.. وسألت أمي عن سبب بكائهما فردت في أسى: سعد باشا مات.. عدت فسألتها في سذاجة: أهو قريب لنا؟
وتدخل أبي في الحديث فقال إنه قريب كل مصري وكل مصرية.. سألته ببراءة الأطفال: وكيف كان ذلك؟.. قال أبي محاولاً أن يشرح لي بأسلوب بسيط: سعد باشا زغلول رئيس المصريين، وهو المسؤول عنهم جميعاً، وعن حمايتهم من الإنجليز المحتلين بلادنا، والذين يسلبون خيراتنا، ويجعلوننا نسير في حياتنا وفقاً لمشيئتهم.
وبالطبع لم أفهم أبعاد ما يريد أن يقوله أبي فعدت أسأله:
أليس لدى هؤلاء الإنجليز خيرات ليسرقوا خيراتنا؟
أجاب والدي: لو قابلك صبي أكبر منك سناً وأقوى منك بنية واغتصب مصروفك اليومي عنوة ماذا تفعل؟
قلت سأحاول أن أسترد منه نقودي.
قال والدي: قد لا تستطيع استرداد نقودك منه لأنه أقوى منك، وهؤلاء الإنجليز مثل هذا الصبي الذي سلبك مصروفك عنوة.. قاموا بالهجوم على مصر غدراً، وأقاموا على أرضها رغم أنف المصريين، وبدأوا ينهبون خيراتنا من حبوب وقطن وكل ما تنتجه أرضنا ليستمتعوا بها.
قلت: إذاً فهم لصوص.
أجاب والدي: لا يختلفون عن اللصوص في شيء».
وتأثر صلاح نصر كثيراً بأمه التي ماتت وهو في السابعة عشرة من عمره، وكانت قد تجاوزت الثلاثين بقليل، وصدم صدمة كبيرة برحيلها.. كان ينتظر نتيجة دراسته الثانوية، وكانت أمه على فراش المرض جاءها سعيداً وقال لها إنه نجح فقالت له: الحمد لله.. الله معك. وبعد عدة دقائق فارقت الحياة.. وفي عام 35 و1936 كان يدرس صلاح في محافظة قنا جنوب مصر وتعرف كثيراً على الصعيد وبهرته أسوان والأقصر ودندره وأدفو وكوم أمبو، وبعد عام في قنا عاد مع والده إلى القاهرة لينهي دراسته الثانوية ويلتحق بالكلية الحربية دفعة أكتوبر 1936 ولم يكن والده مرحباً بدخوله الكلية الحربية ومرت في هذا الوقت أحداث عديدة عاصرها صلاح نصر وتأثر بها ومنها نشوب الحرب العالمية الثانية والوزارة الائتلافية ووزارة حسين سري وحادث 4 فبراير 1942 والأحكام العرفية وانقسام الوفد وكتابة مكرم عبيد للكتاب الأسود ضد النحاس وإقالة وزارة النحاس واغتيال أحمد ماهر ثم قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين حرب 1948 وعودة الوفد للحكم.. كانت الحياة السياسية في مصر مضطربة في ذلك الوقت، والشباب ثائر يبحث عن دور، وكان صلاح نصر صديقاً لعبد الحكيم عامر منذ عام 1938 أثناء دراستهما في الكلية الحربية، وفي أحد لقاءات عامر ونصر، فاتحه عامر بالانضمام إلى تنظيم الضباط الأحرار فتحمس صلاح نصر للفكرة وانضم إلى التنظيم، وكان جمال عبد الناصر يدرس لهم مادة الشؤون الإدارية في الكلية الحربية.. وليلة ثورة 23 يوليو 1952 قاد صلاح نصر الكتيبة 13 التي كان فيها أغلب الضباط الأحرار.. وعينه عبد الناصر في 23 أكتوبر 1956 نائباً لرئيس المخابرات.. وكان علي صبري مديراً للمخابرات، وكان زكريا محيي الدين مشرفاً على المخابرات والمحرك الفعلي لها لانشغال علي صبري بإدارة أعمال مكتب عبدالناصر ثم عينه رئيساً للمخابرات في 13 مايو 1957 وعين علي صبري وزيراً للدولة وزكريا محيي الدين وزيراً للداخلية.. وهكذا بدأ صعود صلاح نصر فتم اعتقاله وقدم استقالته ثلاث مرات.. وكانت الاستقالة الأولى نتيجة استقالة المشير عام 1962 لأن صلاح نصر انحاز للمشير على الرغم من أن صلاح نصر كان وسيطاً نزيهاً في التعامل بين الصديقين ناصر وعامر وهو الذي أقنع عامر بالعودة حسب رواية هاني ابن صلاح نصر.
والاستقالة الثانية كانت بسبب قضية الإخوان المسلمين حيث كان عبد الناصر يريد أن يوكلها للمخابرات العامة، وبعد 1967 أصيب صلاح نصر بجلطة وبعد شفائه كان عبد الناصر يريد أن يوكل إليه مسئولية وزارة الحربية ورفض لأن صلاح نصر كان قد قرر ألا يضع نفسه في أي مكان كان يشغله عبد الحكيم عامر، فطلب عبد الناصر من صلاح أن يقترح عليه اسماً، فاقترح عليه الفريق عبد المحسن مرتجى.
وفي رسالة كتبها صلاح نصر إلى زوجته يوم السبت 20 /1 /1968 وتنشر للمرة الأولى.. وقد كتبها في الساعة الثانية عشرة ظهراً يقول فيها:
زوجتي الغالية
فلذات كبدي
أهلي وأحبائي
حبي الكبير ينبعث بكل إيمان وصدق لكم جميعاً. وروحي ترفرف عليكم جميعاً. وبعد فقد حدث ما كنت أتوقعه منذ قررت الاعتزال عن العمل. وكأن الله سبحانه وتعالى قد كشف عني الحجاب فعرفت الصديق من العدو والوفي من الانتهازي. إنه مهما حاول البشر أن يؤذي المؤمن فالله يعلم ما في النفوس ولكل امرئ ما نوى. لست أول من افترى عليه في الأرض، ولكن إيماني بالله سبحانه وتعالى ورضائي بحكمه هو عقيدتي التي لا يمكن أن يزحزحها إنسان على البسيطة.
لقد أخطأت خطأ جسيماً في حقكم فاغفروا لي.. لقد ضحيت بإسعادكم وراحتكم طوال العشرين سنة الماضية في سبيل محاولاتي للعمل لأبناء هذا الوطن. لقد كانت العبارة التي قلتها أثناء العملية وأنا بالبنج منذ 3 سنوات والتي عرفتموها من الأطباء وأظنكم تتذكرونها: «أنني أعيش لأسعد الثلاثين مليوناً.. ومستعد أضحي بحياتي لهم».
إن تاريخ أبيكم مهما حاول أحد النيل منه فلن يستطيع، ومهما نبحت الكلاب المسعورة، فالتاريخ لا يمكن أن يزيف وهناك من المؤمنين الذين سيكتبون الحقيقة. أما المنافقون الذين يعيشون على السحت والذين يأكلون على كل مائدة مبررين تصرفاتهم فلهم يوم الحساب حيث لا يشفع فيه جاه ولا مال ولا بنون. غفر الله لهم أجمعين.
الحمد لله.. لا بد أن أكفّر عن إخلاصي.. لم أكن أسمع نصائحكم من أن أرحم نفسي من العمل.. ولكي لا يضيع ذلك.. أنا لست مهتماً بأي شيء لأنني أعرف موقفي تماماً.. ولكن كان يؤذيني أن يقابل إخلاصي وتفاني بنكران وعدم اكتراث ثم ما لبثت ونظرت بعمق فتذكرت من قراءاتي أن ذلك ليس بغريب أو جديد وهكذا سنة الحياة. هناك من تغريهم الحياة، فالوسادة الناعمة تغري الكثيرين على أن يفقدوا مبادئهم لينعموا ويتمرغوا. ولكن حينما تبلى الوسادة يصبحوا لا شيء. ما أجمل أن تعرف النفس حقيقتها قبل أن تحاسب الآخرين.
لم يصلني المحامي حتى ساعة تاريخه.. أرجو محاولة الاتصال بي كما أرج أن تأخذوا إذناً للأولاد لأراهم قبل الجلسة. وأعتقد أن جمال عبد الناصر لن يمانع في ذلك.
أرجو إرسال بدلتين آخريين ومعهما كرافتات تناسبهما. كذلك الأشياء التي طلبتها من قبل. وعدد اثنين علبة بخور وبن وقميصين بأساور وزراير، طقم لهما.. وشاي وسكر..
وختاماً لكم جميعاً حبي واخلاصي.
صلاح نصر
يبدو أن جدران المعتقل ولياليه القاسية قد أنسته فأكمل:
لقد تصدق للأولاد بالزيارة وكذا المحامي فيمكنكم الاتصال بالسيد علي نورالدين لأخذ التصريح وأرجو أن يكون ذلك قبل الجلسة».
كان صلاح نصر يفيد أسى بعدما كانت له شخصيته ومكانته وقيمته وإذا به يجد نفسه خلف أسوار السجن والأسى واضح من رسائله إلى أسرته فقبل هذه الرسالة بعشرة أيام كتب يوم الأربعاء 10 / 1 /1968 في الساعة الثانية عشرة ظهراً أيضاً إلى:
«زوجتي العزيزة
فلذات أكبادي
أهلي وأحبائي
الحمد لله الذي لا يطير مع اسمه داء، ولا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء.. أما بعد فقد وصلني خطابكم الأخير والذي أحسست أنكم كنتم قلقين حتى وصلت الخطابات السابقة. ولكنها لم تكن غلطتي.
وما دامت وصلت الخطابات لكم فنشكر الذين أرسلوها. طبعاً كان تهمني أن تصلكم معايدتي في موعدها ولكن هناك شيء أقوى من الورقة ومن هذه السطور وهو أن روحي وقلبي معكم دائماً.
أنا بخير والحمد لله ولا ينقصني شيء سوى أن أطمأن عليكم دائماً. رعاكم الله وحفظكم من تقلبات الزمان وبطش شرور الدنيا الزائلة.
تأكدي يا ابنتي سلوى العزيزة من أن اباك المجاهد صلاح نصر موقفه في أي شيء واضح وضوح الشمس في كبد السماء.. وأنا المؤمن المستعد أن أواجه أي كيد وأن أردّ على كل حاقد وحاسد.
أما أنت يا محمد فأرجو أن تجتهد في دروسك وتبذل أقصى جهدك وأن تعدني في خطابك المقبل بذلك، ولعلني أسمع ما يسرني عن تقدمك في الدراسة.
سلامي لك يا ناجح وأرجو أن تكون رجل العائلة في هذه الظروف، وأنت نعم من يعتمد عليه، أما أنت يا هاني فقد سرني إيمانك الراسخ ورجولتك المبكرة. وشد حيلك يا حمادة.. وقبلاتي لك يا سهير.. سلامي وقبلات لكم جميعاً فرداً فرداً. كل الأشياء التي جاءت في الخطاب الأخير والخطابات السابقة وصلتني ما عدا التلفزيون.
أرجو أن ترسلوا لي أجندة كبيرة وواحدة صغيرة لعام 1968 (وبخور وبن) على أن يكون ناعماً وكرافتيين كحليتين.
ختاماً لكم تمنياتي وقبلاتي وإلى اللقاء».
وكتب في جانب الخطاب: «إذا كان لديكم أو لدى الوالد عصا وجيهة أتوكأ بها كما كان موسى عليه السلام يتوكأ على عصاه فأرجوا إرسالها والطاقية الاستراكان السوداء».
صلاح نصر
في الحلقة المقبلة
- ورع وتقوى وأدعية وآيات قرآنية في رسائله... عكست شخصية غير المتعارف عليها
- «أرجو أن تخرجوا الزكاة عني لأن الأطباء منعوني من الصيام... ولا تنسوا الزكاة التي ترسل في هذه المناسبة لبعض الناس»
- كتب لابنته سلوى: ما أصابني يشبه قتل الخليفة هارون الرشيد لوزيره... والفتنة الكبرى بين معاوية وعلي بن أبي طالب