د. وليد التنيب / قبل الجراحة / من هو عماد؟!
1 يناير 1970
04:43 م
| بقلم الدكتور وليد التنيب |
كان عماد موظفاً عادياً أو بسيطاً، ولكن لديه صوتاً مسموعاً عند الإدارة التي يعمل بها... صوت مسموع وليس صوتاً عالياً!
المدير ومساعد المدير يستمعان لعماد وينصتان لانتقاداته ونصائحه لتطوير العمل وللنهوض بالمكان الذي يعمل به...
المدير يسمع لعماد لعلمه وقناعته بأن عماد ليس لديه أي طموح بكرسي الإدارة أبداً... وأنه غير ساعٍ لمنافسته على الإدارة... إذاً لماذا لا يسمع له؟... والأهم من ذلك، أن عماد له كل الفضل بوصول هذا المدير إلى منصبه الحالي بعدما كان موظفاً بسيطاً.
ولا ينسى هذا المدير كيف ساعده عماد في المقابلات والتوسط لدى... للحصول على منصب المدير الذي كان لا يحلم به «ولا حتى يشم ريحته».
مساعد المدير كذلك... ولكن مساعد المدير الذي شغل هذا المنصب لآخر ثماني عشرة سنة فقط لا غير... يعلم أشد العلم من هو عماد. لذلك، فأبوابه دائماً مفتوحة له... ومشورة عماد له مثل الأوامر.
وعماد هو الآمر الناهي في اختيار المناقصات والعقود الفائزة.
وبالمناسبة، فسالم هو مساعد المدير ويعلم أو أسرّ له عماد بأن سبب بقائه في هذا المنصب هو افتقاده لصفات القائد.
وأن طاعته للأوامر تجعل عزله مغامرة غير مأمونة العواقب!
وعماد يعلم أيضاً أن المدير الحالي ليس لديه الصفات التي تؤهله لهذا المنصب الحساس في البلد... خصوصاً في هذا الوقت الذي يحتاج فيه البلد كل الطاقات لتنهض وننافس الآخرين الذين سبقونا...
عماد كان يقول لا نرغب في أن ننافس فقط، نرغب في أن ينهض البلد... والمنافسة تأتي بعد ذلك... المهم النهوض.
هذا ما كان يقوله عماد للجميع... جمل جميلة عن الإخلاص والاجتهاد ومحاسبة النفس.
جمل عن حب الوطن والمواطنة.
سأل سلطان (وسلطان هذا هو المدير)... سأل نفسه يوماً لماذا يقوم عماد بجميع هذه الأفعال لتثبيت المدير ومساعد المدير في مركزيهما والعمل على حفاظهما على منصبيهما وهو القادر بكل سهولة - بما لديه من صفات قيادية يعلم بها الجميع وعلاقات داخل العمل وخارجه تؤهله - على أن يكون المدير لهذا المكان وأكثر من ذلك إن أراد!
سؤال حيّر سلطان كثيراً.
سلطان ليس بالشخص الذكي أو حتى المثقف... ومع هذا قرّر أن يشغّل بعض خلايا مخه ويبحث في هذا الموضوع المحيّر.
بعد سبعة أشهر من البحث بسرية تامة خوفاً على منصبه... وكان واثقاً من أن عماد لم يكتشف أمره ولم يصله أي خبر عما يقوم به سالم... لأن عماد طيلة الأشهر السبعة هذه كان يتردد على سلطان ليعطيه النصائح أولاً بأول ويرشده كيف يدير العمل، والأهم من ذلك يبيّن له أفضل الطرق لاختيار أفضل العروض في المناقصات.
بعد سبعة أشهر جاءه كتاب عزله من منصبه، والأوامر بعودته إلى موظف عادي... أي وظيفته الأولى قبل أن يصبح مديراً.
بكى سلطان بحرارة عندما قرأ كتاب عزله... اتصل بعماد، ولكن عماد ردّ عليه بكل تعاطف واضح بأن الأمر ليس في يده الآن وهو سيحاول إنقاذ الموقف... وأنهى المكالمة قائلاً «يصير خير إن شاء الله».
وما زال سالم مساعداً للمدير وعماد موظفاً عندهما!
قامت اللجان بعد ذلك بعمل العديد من المقابلات واستقر الرأي على اختيار زياد لمنصب المدير...
في الأشهر الأولى كان زياد مطيعاً طاعة عمياء لعماد ولا يعمل أي شيء إلا بعد استشارته.
بعد ذلك حاول بسرية أيضاً أن يتقصى عن وضع عماد، وزاد على ذلك أنه قال لمساعده سالم إنه يودّ ان يتخلص من عماد.
بعد أقل من أربع وعشرين ساعة تمّ عزل زياد وعودته إلى وظيفته مع أوامر بعدم الحضور إلى العمل حتى الانتهاء من التحقيق بتهمة الاختلاس... وأن النيابة العامة قد تطلبه في أي لحظة!
لم يصدق زياد ما حصل... حاول الاتصال بمن هو أعلى منصباً ولكن لا أحد يرد عليه... قرر أن يتصل بعماد... تعاطف معه عماد ووعده خيراً... وختم المكالمة بعبارة «يصير خير إن شاء الله».
قامت اللجان مرة أخرى بإجراء المقابلات بعدما تفحصت السير الذاتية للمرشحين لمنصب المدير وتم اختيار محمد...
جاء بعد ذلك محمد ليشغل منصب المدير...
كان محمد شاباً ولديه طاقة جبارة للعمل دعمها بالشهادات والخبرات التي يشهد لها الجميع...
تخرّج محمد في أشهر جامعة في أميركا... ودعم هذه الشهادة بالعمل في بريطانيا مع الالتزام بالدورات و«الكورسات» المتتالية لتطوير شخصيته وصفاته القيادية...
منذ اليوم الأول في العمل طلب محمد أن يلتقي بجميع الموظفين...
ألقى على الجميع خطبة عصماء عن العمل والإخلاص في العمل... لخّص في هذه الخطبة خلاصة دراسته ودوراته و خبرته التي اكتسبها...
للحق، خاف البعض واستبشر البعض بقدوم محمد مديراً لهذا المكان لكي يحافظ على المال العام و يعطي كل ذي حق حقه.
بعد الاجتماع بالموظفين أمرهم بالانصراف لأعمالهم وأوصاهم بالعمل الجاد والإنتاجية في العمل وآخر جملة لهم كانت أن القانون سيطبّق على الجميع في هذا المكان... وكان معظم الموظفين الذين قابلهم يوصونه بتطبيق القانون على الجميع...
بعد ذلك طلب الاجتماع بعماد...
طلب محمد من عماد... أن يعتبره خادمه المطيع، لافتاً إلى أن عماد هو الآمر الناهي وما يطلبه عماد أوامر...
ما زال سلطان موظفاً بسيطاً وزياد في النيابة إلى يومنا هذا...
ومحمد ما زال المدير يتمتع بكل مميزات المدير...
وما زال سالم، وسيظل إلى الأبد نائباً للمدير!
و لكن الأهم من هو عماد؟!
سؤال أنصحك من كل قلبي بألا تبحث عن إجابته حفاظاً على وضعك ولقمة عيشك...
وعاش تطبيق القانون على الجميع...