العرب قديما قالوا «إذا ظهر الدبا كب الدواء»
الغنيم : أسراب الجراد التهمت الأخضر واليابس في الكويت عام 1929
1 يناير 1970
03:35 م
كونا -أكد الباحث في التراث الكويتي الدكتور يعقوب الغنيم أن للجراد تاريخا حافلا عند أهل الكويت قديما إذ كان يغزو البلاد قديما في فترات متقاربة مشيرا إلى أن الجراد الصغير (الدبا) قلب نهار الكويت ليلا في شهر مايو من العام 1890.
وقال الغنيم أمس انه في خريف 1929 غزت أسراب الجراد الكويت على شكل أعمدة كثيفة طويلة تضرب من الأرض لتصل إلى عنان السماء فحجبت ضوء الشمس وحولت النهار الى ظلام.
ولفت حسب ما ورد في الروايات إلى أن أمطارا غزيرة هطلت على الكويت في خريف ذلك العام واستمرت حتى فصل الشتاء أعقبها غزو أسراب ضخمة من الجراد قيل أنها كانت تلتهم كل ما في طريقها من نباتات خضراء وملابس قطنية وجلود بلا تمييز وقضت على المزارع.
وأضاف أن أسراب الجراد كانت تأتي من جهة شرق الخليج العربي لتهاجم المحاصيل والأهالي نهارا وبعد غروب الشمس تسكن عن الحركة وتلجأ إلى الأشجار مبينا أن الأمور ازدادت سوءا حينما وصلت مجاميع صغار الجراد (كانت تسمى باللهجة المحلية الدبا) الزاحفة إلى البيوت واتلفت الملابس والطعام وقرب الماء والجلود وسقطت في الآبار وجعلت رائحتها نتنة.
وذكر أن من المراجع المهمة في تاريخ الكويت التي وثقت هذه الحادثة كتاب (أربعون عاما في الكويت) لفيوليت ديكسون زوجة المعتمد البريطاني في الكويت التي ذكرت فيه أنه «في العام 1929 كانت تلك أول تجربة لي مع هذه الكائنات وهي تجربة لن أنساها ولقد رأيت السماء تحجبها أسراب الجراد الطائر وقد اختفت الشمس وكأنها قد كسفت تقريبا وكانت أسراب الجراد تتساقط في شوارع الكويت وفي كل مكان وشارك طفلاي سعود وزهرة بقية اطفال الكويت في التقاط بعض منه لأكله وقد استمتعا بمذاق الجراد». وأشار الغنيم إلى أن المعتمد البريطاني في الكويت هارولد ريتشارد باتريك ديكسون ذكر أيضا الجراد والدبا في مذكراته حيث قال «تميز ربيع وخريف 1929 بفخامة وكثرة أسراب الجراد التي اكتسحت الساحل الشمالي الشرقي للجزيرة العربية وسببت هذه الأسراب أضرارا كبيرة للرعي خاصة في الجزء الجنوبي الغربي من الكويت..
وزاد «تميز ربيع 1930 بظهور (الدبا) واضطر سكان مدينة الكويت للدخول في حرب حقيقية معه لإنقاذ ما يمكن انقاذه من ممتلكاتهم».
وأضاف أن ذكر الجراد ورد في مذكرات الرحالة السويسري جون لويس بوركهارت العام 1811 حينما غزا الجراد مناطق في شبه الجزيرة العربية والتهم المزروعات ووصلت أسراب الجراد إلى المساكن الخاصة وخربت حتى جلود قرب الماء مبينا أن بوركهارت قال ان اسراب الجراد تأتي آنذاك من جهة الشرق كل خمس إلى سبع سنوات وأن أهل الجزيرة اعتادوا أكله وهناك حوانيت لبيعه.
وقال الغنيم أن الأميركان العاملين في المستشفى الأميركاني سنة 1944 صوروا الجراد قرب المستشفى بالأبيض والأسود وكان منتشرا في كل مكان حيث كسا الأرض كلها ومازالت الصور موثقة في الكتب. وعن صيرورة الحياة اليومية للجراد قال الغنيم أن الجرادة الأنثى تحفر حفرة في الأرض الرطبة لتبيض فيها حيث يخرج من بطنها جراب البيض الذي يندفن داخل هذه الحفرة الضيقة ثم تترك الجرادة بيضها وتطير وبعد حوالي ثلاثة أسابيع يفقس البيض داخل الحفرة وتخرج منه الحوريات.
وأوضح أن هذه الحوريات حسب تسلسل أطوارها تسمى بالعربية الفصحى حين الفقس سروة ثم دبى أو دبا ثم غوغاء ثم خيفان ثم كتفان ثم جراد وصغار الجراد مبينا أن الذي يؤكل منها فقط هو الجراد وليس صغاره.
وذكر أن أهل الكويت كانوا يكافحون الدبا الزاحف على مزارعهم بطرق بدائية مثل حفر الخنادق حول المزارع التي تمتلئ فيما بعد بأعداد هائلة من الدبا أو بضرب الصفائح المعدنية لتخرج أصواتا تطرد الدبا عن مزارعهم وبعضهم غطى مزرعته بألواح الصفيح الأملس أو بأوراق القصدير الملساء حتى ينزلق عندما يصعد عليها بحيث يسقط داخل الخندق المحفور حول المزرعة فيسهل القضاء عليه.
وأشار إلى أن أهل الكويت كانوا يخرجون في آخر الليل قرابة الفجر لصيد الجراد حيث يكون ساكنا ونائما على الأشجار والشجيرات والحشائش فيجمعونه وكان بعضهم يقلع الشجيرة من منبتها ويفرغ الجراد في أكياس من الخيش منسوجة من الوبر أو الصوف ثم يحملونه إلى البيوت للسلق ثم وضعه فوق الأسطح ليخزن في صناديق خشب أو أكياس والبعض يذهبون به إلى السوق ويبيعونه مسلوقا.
وبين الغنيم أن اهل البادية وغيرهم كانوا يجلبون أعدادا كبيرة من الأكياس الخيش المملوءة بالجراد لبيعها في سوق الصفاة حيا فيشتريه أهل الكويت ويطبخونه داخل قدور كبيرة من الماء المغلي مع قليل من الملح حيث تفرغ فيها أكياس الجراد الحي والميت معا وعندما ينضج يؤكل بعضه ويجفف المتبقي ويحفظ في أكياس خاصة كغذاء متوافر طوال السنة أو يبيعونه في سوق الصفاة بـ (الأوقية) وتقدر بكيلو غرامين وربع.
وعن أفضل أنواع الجراد أشار الغنيم إلى (المكن) وهي الأنثى الممتلئة من العشب ويكون (المحاح الأصفر) في ذيلها وهي المادة المغذية والمفيدة مبينا أن أنثى الجراد تسمى عند أهل البادية (دمونة) وجمعها (دمون) وعند أهل الحاضرة (مكنة) وجمعها (مكن) ولونها بني فاتح وهي سمينة وفي بطنها البيض الذي يجعل مذاقها لذيذا وشهيا أما الذكر فيميل لونه إلى الأصفر ويسمى عند أهل البادية (زعيري) وعند أهل الحاضرة (عصفور) حيث يشبه لون طير العصفور.
وذكر الغنيم أن عرب الجزيرة قالوا في كلماتهم المأثورة عن الجراد «إذا جاء (ظهر) الجراد كب (اسكب) الدواء وإذا جاء الفقع (الكمأ) صر (احفظ) الدواء» موضحا أن الجراد عند أهل الجزيزه طعام جيد وصحي ولا يسبب أي مرض للجسم وبالتالي فإن الإنسان لا يحتاج إلى حفظ الدواء.
وأشار إلى أن كتاب (تاريخ الكويت) للشيخ المرحوم عبدالعزيز الرشيد أورد أبياتا من قصيدة الشيخ خالد العدساني عن الجراد تصف أسرابه الآتية بأنها كالسيل الذي يملأ كل مكان.
< p>