هو محمد بن أحمد بن محمد بن تركي بن سليمان السديري - رحمه الله تعالى - ولد العام 1340 هـ تقريبا في مدينة ليلى بالافلاج ، حيث كان والده اميرا عليها، ثم انتقل مع والده إلى الغاط ونشأ وترعرع هناك في كنف والده ودرس الابتدائية على يد الشيخ عبدالمحسن المنيع ، شغف في بداية حياته بركوب الخيل وكان معروفا بسرعة العدو الجري حتى قيل: انه كان يلحق الصعاب من الابل ويمسك بها مارس هوايته المحببة ركوب الخيل والهجن ، كما انه كان مولعا بالقنص واقتناء الطيور النادرة، في السابعة عشرة من عمره اختاره الملك عبدالعزيز - رحمه الله - اميرا على الجوف سنة 1357 هـ واثبت وجوده ودرايته ، وكان مما قام به تصفية قطاع الطرق والخارجين على الدولة على الحدود الشمالية والشمالية الشرقية، ثم انتقل إلى منطقة جيزان العام 1363 هـ وتولى امارتها ومكث هناك وعندما ثارت المشاكل على الحدود السعودية اليمنية بعد الاطاحة بالامام يحيى بن احمد سيطر معاليه على الحدود بحنكة ودهاء ، وعين العام 568 قائدا للفدائيين السعوديين في فلسطين ، ثم اختاره الملك عبدالعزيز محافظا لخطوط الانابيب وقرر رحمه الله ان يتخذ مدينة عرعر مركزا للمحافظة ، وكانت حينذاك صحراء قاحلة وخوله الملك عبدالعزيز للتصرف بالاراضي فأسس ثلاث مدن رئيسية هي عرعر والقيصومة وطريف ، وساعد ذلك على توطين القبائل حتى اصبحت مدنا مليئة بالحركة والنشاط والتقدم.
بعد وفاة الملك عبدالعزيز ، نقل إلى جيزان مرة ثانية ثم اعتزل المناصب إلا انه عاد وتولى قيادة الجيش بالمنطقة الجنوبية ، ومكث ثماني سنوات حتى انتهت حرب اليمن وعاد وقضى بقية حياته متنقلا بين الطائف ومزرعته الخفيات شمال بريدة على طريق حائل ، حتى دهمته ازمة قلبية حادة لازم الفراش لمدة شهر حتى توفي العام 1398 هـ في الرياض ودفن بالخفيات في شمال القصيم - رحمه الله - واسكنه فسيح جناته ، وقد رثاه عدد كبير من الشعراء بقصائد تدمي القلوب.
اما شعره فهو يعد من ابرز الشعراء وارفعهم منزلة ، وله مكانة في قلوب عشاق الشعر ومحبيه.
وكان رحمه الله من المشهود لهم بمكارم الاخلاق فهو كريم ، سخي اليد يعطي ويساعد المحتاجين بلا حدود ، وكانت مجالسه دائما عامرة بالضيوف من جميع انحاء المملكة والخليج بل والدول العربية من ادباء وشعراء ، كما انه كان يتمتع بسعة الصدر وحب الناس ولا يمل من يجالسه من احاديثه الشيقة والممتعة ، وقد عرف عنه شجاعة نادرة واقدام على الصعاب والحروب ، وكان ذكيا حاضر البديهة ملما بأحوال العرب واشعارهم وادبهم وحروبهم ومواقفهم ، عالما بالانساب قوي الفراسة ومهما تحدثنا عنه ، فلن نوفيه حقه ولكن دعونا نبحر مع قصائده الرائعة وشعره القوي العذب:
الله من هم بروحي سهجها
بخافي ضميري في كنين الحشا لاج
احر من نار قوقد وهجها
منها خطر روحي على سلك ديباج
وعين عسى المولى يعجل فرجها
يفوح ناظرها كما عين هداج
استرسلت للدمع مسمار هجها
غيظ يكظ عبارها مثل الامواج
كم واحد له غاية ماهرجها
يكنها لو هو للادنين محتاج
يخاف من عوجا طوال عوجها
هرجت قفا يركض بها كل هراج
يقضب عليك المخطية من حججها
حلو نباه وقلبه ابيض من الصاج
الله خلق دنيا وساع فججها
عن ما يريب القلب لك كم منهاج
والرجل وان شطت لياليك سجها
عسى تواليها بتشر بالافراج
وله ايضا في الغزل:
هذي منازل من تمنيت قربه
يا ما مشى فيها ويا ما نزلها
دارن خلت معاد نلقى الاثر به
مدري محت ولا هبوب دفنها
قعدت في منزال مي افتكر به
وانشد رسوم عقب اهل مي عنها
وهذه احدى قصائده التي خلدت في ذاكرة محبي الشعر، والتي احتوت على كثير من الحكم ، التي صيغت باسلوب محكم قل من يجيده:
يقول من عدا على راس عالي
رجم طويل يدهله كل قرناس
في راس مرجوم عسير المنالي
تلعب به الارياح مع كل نسناس
في مهمة قفر من الناس خالي
يشتاق له من حس بالقلب هوجاس
قعدت في راسه وحيد لحالي
براس الطويل ملابقه تقل حراس
متذكر في مرقبي وش غدالي
وضعقت بالكفين ياس على ياس
اخذت اعد ايامها والليالي
دنيا تقلب ما عرفنا لها قياس
كم فرقت ماب ين غالي وغالي
لو شفت منها ربح ترجع للافلاس
يقطعك دنيا ما لها اول وتالي
لو اضحكت للغبن تقرع بالاجراس
المستريح اللي من العقل خالي
ما هو بلجات الهواجيس عطاس
ما هو بمثلي مشكلاته جلالي
ازريت اسجلهن بحبر وقرطاس
حملي ثقيل وشايله باحتمالي
واصبر على مر الليالي والليالي والاتعاس
وارسي كما ترسي رواس الجبالي
ولا يشتكي ضلع عليه القدم داس
يا بجاد شب النار وادن الدلالي
واحمس لنا يا بجاد ما يقعد الراس
ودقه بنجر يا ظريف العيالي
يجذب لنا ربع على اكوار جلاس
وزله إلى منه رقد كل سالي
وخله يفوح وقنن الهيل بقياس
وصبه ومده يا كريم السبالي
يبعد همومي يوم اشمه بالانفاس
فنجال يغدي ما تصور ببالي
وروابع تضرب بها اخماس واسداس
لا خاب ظني بالرفيق الموالي
مالي مشاريه علي نايد الناس
لعل قصر ما يجيله ظلالي
ينهد من عال مبانيه للساس
لا صار ما هو مدهل للرجالي
وملجا لمن هو يشكي الضيم والباس
بحسناك يا منشي حقوق الخيالي
يا خالق اجناس ويا مغني اجناس
تجعل مقره دارس العهد بالي
صحصاح دو دارس ما به اوناس
اليوم في تالي هدامه يلالي
جزاك يا قصر الخنا وكر الادناس
متى تربع دارنا والمغالي
وتخضر فياض عقب ما هيب يباس
نشوف فيها الديدحان متوالي
مثل الرعاف بخصر مدقوق الالعاس
ونثير على البيدا سوات الزوالي
يشرق حماره شرقة الصبغ بالكاس
وتكبر دفوف معبسات الشمارلي
ويبني عليهن الشحم مثل الاطعاس
وله كثير من القصائد المتبادلة بينه وبين كثير من الشعراء البارزين ، منهم سمو الامير سعود بن محمد وسمو الامير عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن واصحاب السمو الملكي عبدالله الفيصل وخالد الفيصل والامير عدالرحمن السديري والشعراء زبن بن عمير وناصر الفايز وعبدالله السلوم وعمير بن زبن وراشد بن جعيثن ومرشد البذال وسلطان بن بدر وفيحان بن عقيل وناصر بن بليهيد ورشيد الزلامي وقد اخترنا لكم هذه الابيات مع الامير خالد الفيصل اذ يقول سموه:
يا قلبي اللي من هوى البيض معتاذ
واليوم اشوف الوجد والشوق بذه
حسبي على اللي للمواصيل جذاذ
حبل الوصل من بيننا البعد جذه
يسقي منازل لين العود رذاذ
يلقى بها ظبي الطعاميس لذه
الصاحب اللي عن هوى القلب ما لاذ
لا قلت دوك القلب يا زين غده
ولا نيب من هرجه كثير وهذاذ
ما شاف في ليله نهاره يهذه
عساك تأتي لي يا بو زيد نفاذ
قلب تحذى الشور يا خوك حذه
وقد اجابه شاعرنا الامير محمد السديري - رحمه الله-:
اسهر طوال الليل واغضي على الحاذ
وعن الصديق القلب ما فيه شذه
شكواك خلت بسرة القلب تخاذ
ولا عاد في قلبي من الصبر فذه
اللي يا بو بندر جعل قلبك افلاذ
شربك يا ممدوح الافعال عذه
طفل سهم عينه بالاعماق نفاذ
والحق عليك بقذة عقب قذه
ان كان مالك فيه مدخل ومنفاذ
له الشبك في مدهل الصيد بذه
واليا دخل وسط الشبك يا بن الافذاذ
غوجك لساعات المهمات حذه
ومن مساجلاته مساجلة مع صديقه الخاص الشاعر زبن بن عمير العتيبي - رحمهما الله - اذ قال شاعرنا محمد السديري:
يا زين ودعناك في يوم الاثنين
لعلها لك يا خو صنعا مسافير
بجيرة الله يا عشير الغلامين
يا مقفي عنا ذكرناك بالخير
نغليك يوم انك بعيد عن الشين
وريف لضيفك في ليال المعاسير
يوم تغيبه عندنا قدر عامين
ويوم نشوفك فيه عز وتباشير
هذا الفراق اللي نظرناه بالعين
وعز الله انك ناوي بالمحادير
يا زبن يالبراق بالله إلى وين
واسلم ورد العلم يا زبن العمير
فاجابه زبن بن عمير على الابيات الماضية قائلا:
وانا بعد ودعتك الله بتسعين
وداعة من حفظ وإلى المقادير
يا باذل الحسنى على المستحقين
ونطاح بالضيقات وجه المناعير
يا للي بدرب الطيب جالك براهين
ولبست بالبيضا ثياب مشاهير
يبون دربك ناس واجد وعجزين
يجي لهم من دون دربك عواثير
ولا يختفي فعل به الناس دارين
لين انها تمحى الجبال المزابير
من يوم عنك اقفيت والقلب والعين
عندك وفي جسمي تشب السواعير
وهذه ابيات تظهر لنا حكمته وعقله وسعة علمه ، واطلاعه وايمانه بالله عز وجل فيقول عن المعجزات الثلاث:
لولا الهرم والفقر والثالث الموت
يا لا دمي بالكون يا عظم شانك
سخرت ذرات الهوى تنقل الصوت
وخليتها اطوع من تحرك بنانك
جماد تكلمها وهي وسط تابوت
تاخذ وتعطي ما صدر من بيانك
وعزمت من فوق القمر تبني بيوت
من يقهرك لو هو طويل زمانك
لولا الثلاث وشان من قدر القوت
نفذت كل اللي يقوله لسانك
عزيز القارئ
رحم الله الامير محمد السديري واسكنه فسيح جناته ، ومهما كتبنا عن مسيرة هذا العلم لا نوفيه حقه وانما نحاول ان نوصل للقارئ مادة فيها التراث والنص الجيد والمعلومة عن مسيرة الاوائل في مجال الادب الشعبي من خلال صفحتكم (مواسم).