| فهد حمود الحيص |
وكنا كندماني جذيمةَ حقبةً
من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
هذا البيت لمتمم ابن نويرة في رثاء أخيه مالك وهو يعني نديمي جذيمة الأبرش الملك، وكان أول من ملك قضاعة بالحيرة، قال يوماً لجلسائه: قد ذكر لي عن غلام من لخم، مقيم في أخواله من إياد، له ظرف ولب، فلو بعثت إليه يكون في ندماني ففعل فلما قدم فعل به ما أراد له، فمكث كذلك مدة طويلةً ثم أشرفت عليه يوماً رقاش أخت الملك، أخت جذيمة، فلم تزل تراسله حتى اتصل بينهما، ثم قالت له: يا عدي، إذا سقيت القوم فامزج لهم واسق الملك صرفاً، فإذا أخذت منه الخمر فاخطبني إليه فإنه يزوجك، وأشهد القوم عليه إن هو فعل.
ففعل الغلام ذلك فخطبها فزوجه، فلما أصبح غدا مضرجاً بالخلوق، فقال له جذيمة: ما هذه الآثار يا عدي؟ قال آثار العرس. قال: أي عرس؟ قال: عرس رقاش. قال: فنخر وأكب على الأرض، فأسرع جذيمة في طلبه فلم يحسسه، وقيل إنه قتله.
فنقل جذيمة رقاش وحصنها في قصره، واشتملت على حمل فولدت منه غلاماً وسمته عمراً وربته، فلما ترعرع حلته وعطرته وألبسته كسوة مثله، ثم أرته خاله فأعجب به، وألفيت عليه منه محبة ومودة، ثم إن الجن استطارته، فلم يزل جذيمة يرسل في الآفاق في طلبه فلم يسمع له بخبر، فكف عنه. ثم أقيل رجلان يقال لأحدهما عقيل والآخر مالك، يريدان الملك بهدية، فنزلا على ماء، فبينما هما يأكلان إذا أقبل رجل أشعث أغبر، فقال: الرجلان: ومن أنت؟ فقال: إن تنكراني فإنني عمرو وعدي أبي،فقاما إليه فلثماه، وغسلا رأسه وقلما أظفاره، وقالا: ما كنا لنهدي إلى الملك هدية أنفس عنده ولا هو عليها أحسن صفدا من ابن أخته، فقد رده الله عز وجل إليه. فقال الملك للرجلين اللذين قدما به: احكما فلكما حكمكما. قالا: منادمتك ما بقيت وبقينا. قال: ذلك لكما. فهما نديما جذيمة اللذان ذكرهما متمم بن نويرة.
وانّي متى ما أدعُ باسمكَ لا تُجِب
وكنتَ جديراً ان تجيبَ وتُسمِعا
وكان جناحي ان نَهضتُ أقلّني
ويحوي الجناحُ الريشَ ان يتنَزعا
وعشنا بخيرٍ في الحياة وقبلنا
أصابَ المنايا رهطَ كسرى وتبّعا
وكنا كندماني جذيمةَ حقبةً
من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تَفَرّقنا كأني ومالكاً
لطول اجتماعِ لم نَبت ليلةٌ معا
فان تكن الايامُ فَرَّقنَ بيننا
فقد بان محموداً أخي حين ودَعا
إلى أن يقول:
فلا تَفرحَن يوماً بنفسك انني
ارى الموتَ وقّاعاً على من تَشَجّعا
لعلَّكَ يوماً ان تُلِمَّ مُلّمَةٌ
عليك من اللآئي يدعنك أجدَعا
نعيتَ امرءً لو كان لحمُك عندَه
لآواه مجموعاً له أو مُمَزَّعا
فلا يُهنيء الواشين مقتلُ مالكٍ
فقد آبَ شانيه إياباً فوَدّعا
* كاتب ومهندس
[email protected]