ظنّوا أن حرب 2003 لن «تكون الرقم الأخير في قائمة حروبه الكارثية»

العراقيون لم يتوقعوا «الاندحار المفاجئ» لنظام صدام حسين

1 يناير 1970 01:10 ص
| بغداد - من حيدر الحاج |
لم يكن أكثر المتفائلين من العراقيين الساخطين على حكم صدام حسين، يتوقع أن تُسفر الحملة العسكرية التي شنتها قبل 10 سنوات الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا بمفردهما من دون المجتمع الدولي، عن اسقاط الديكتاتور السابق وازاحته عن صدورهم التي جثم عليها هو وأعوانه، لأكثر من 3 عقود.
هذه النظرة التشاؤمية التي سادت آنذاك آراء غالبية الناقمين على حكم حزب «البعث» الفاشي، كانت نابعة من خشية تكرار ما حصل في «خيمة صفوان» عقب الهزيمة التي ألحقتها قوات التحالف الدولي بقوات صدام العسكرية في حرب الخليج الثانية العام 1991 عندما أبرمت اتفاقية - خسارة حرب - بين حاكم العراق السابق ومُهاجميه الغربيين، تم بموجبها حفظ رأسه من المقصلة وأبقته على سدة الحكم، مقابل تنازلات كبيرة قدمها «المهيب الركن» من بينها تفتيش غرف نومه في قصوره الرئاسية من قبل فرق دولية كانت مهمتها البحث عن أسلحة الدمار الشامل وهي الحجة التي قامت عليها بعد ذلك الحرب الأخيرة.
أصحاب هذه الرؤية عزوا تشاؤمهم هذا، إلى أن «الحملة العسكرية الأميركية - البريطانية لم تحظ بدعم وموافقة دولية، كما أنها لم تستند إلى مسوغ قانوني، مثلما كان عليه الحال في حرب «تحرير الكويت» التي أُجبر فيها صدام على الإذعان لمطالب المجتمع الدولي عقب هزيمة قواته وانسحابها المذل بعد بضعة أشهر قليلة من غزوه للكويت.
وبعد مرور عقد كامل على الغزو الأجنبي ضد بلادهم، يستذكر مجموعة من العراقيين جزءا مما عايشوه في تلك الأيام التي شهدت آخر حروب الطاغية الراحل، وأدخلتهم وبلادهم في دوامة العنف والفوضى وشبح «الحرب الطائفية» التي عاشوا مرارتها بين عامي (2006 - 2008).
ويروي محمد النداوي الباحث والمؤرخ التاريخي، جزءا من تفاصيل الفترة العصيبة التي سبقت تلك الحرب، قائلا: «بعدما تيقن أعوان النظام السابق أن الحرب آتية لا محالة، دأبوا كعادتهم على تحشيد الجماهير وموظفي الدولة في تظاهرات منددة بما كان يوصف في حينها أنه عدوان أجنبي محتمل».
ويضيف: «كما تم إلزام الفنانين والمثقفين المشاركة في فعاليات غنائية ومهرجانات شعرية تتغنى بالقائد الضرورة، في محاولة تطبيل لتلك الحرب وإضفاء نوع من الحماس على الشارع العراقي الذي كان يرزح تحت سطوة نظام حكم جائر».
هذا التحشيد الجماهيري والمؤسساتي الإجباري، كان يُعتبر من الأمور التي اعتاد عليها العراقيون منذ مطلع تسعينات القرن الماضي على أقله، خصوصا عندما كان رئيس سلطة «البعث» يواجه أثناء فترة حكمه الاستبدادي، ضغوطا وقرارات دولية تُزيد من عزلته الإقليمية والعالمية وتُجبره في نهاية المطاف على تقديم تنازلات جّمة مقابل احتفاظه بالحكم.
ومثلما جرت العادة، قام العراقيون بتخزين الطعام والأغذية والدواء، وبعضهم حفر آبار ارتوازية لاستخراج المياه من حدائق منازلهم تحسبا لما هو قادم. وهنا يتحدث سعد الصبيحاوي الباحث الاجتماعي، عن طبيعة الظروف المعيشية لأبناء جلدته في تلك الأيام، قائلا: «لم يكن أحد يتوقع أن تكون أيام الحرب قصيرة لهذه الدرجة، لذا سارع الكثيرون إلى تأمين احتياجاتهم».
وقبل بدء أولى العمليات العسكرية التي شنتها القوات الأميركية ونظيرتها البريطانية ليلة 19 - 20 مارس العام 2003، فرّ العديد من سكان العاصمة وغيرهم من أبناء مراكز المحافظات الأخرى، في اتجاه مناطق وقرى ريفية ونائية هربا من جحيم القصف الجوي والمعارك المقبلة عليهم والتي رجحوا استمرارها لأشهر طويلة لا بل حتى لسنوات.
لكن توقعاتهم كانت في غير محلها، حيث لم تستمر تلك الحملة العسكرية سوى 18 يوما حتى دخلت القوات الغازية بغداد لتسقط تمثال صدام في ساحة الفردوس، وتعلن إنهاء حقبة حكم حزب «البعث» بنسخته العراقية.
وعن ذلك «الاندحار المفاجئ»، يقول العميد في الجيش السابق الخبير الاستراتيجي في الشؤون العسكرية ثائر السوداني: «لم يكن العراقيون بمن فيهم أفراد القوات المسلحة يتوقعون أن تكون هذه الحرب الرقم الأخير في قائمة حروب صدام الكارثية».
وأكد أن «القادة العسكريين كانوا يعبئون مقاتليهم لخوض حرب استنزاف طويلة، وهو ما كان يردده الرئيس السابق وأركان نظامه الذين ما انفكوا بالترويج لاشاعات من هذا النوع، في محاولة كان الهدف منها على ما يبدو «تخويف الغرب، وإرغام واشنطن ولندن على العدول عن فكرة الإطاحة بنظام حكمه».
ومع ذلك لم تُغير التعبئة الداخلية والتظاهرات الاستباقية المنددة بالحرب والتي خرجت في عواصم غربية عدة بينها واشنطن ولندن، ولا حتى التنازلات غير المسبوقة التي قدمها «أخو هدّلة» خلال أيامه الأخيرة، في شيء، إذ وقعت الحرب التي أطلق عليها صدام تسمية «الحواسم» التي كانت بالفعل حاسمة لمصيره المشؤوم.