حوار / الفنان المصري قال إنه عندما يحزن أو يفرح... يرسم

جورج البهجوري لـ «الراي»: تشققات الوجوه في أعمالي سرد لـ قسوة ما نعيشه

1 يناير 1970 10:28 م
| القاهرة من خالد حماد |

قال الفنان المصري جورج البهجوري، إنه يأسف لما يحدث في بلاده الآن على الساحة السياسية، لكنه لم يفقد الأمل، ويرى أننا نحتاج إلى طاقة نور تضيء لنا الظلمة وتبعدنا عن الفرقة التي يعيشها الشارع، وأعلن أنه مازال رافضا للدستور الذي صدر ويعتبره لا يمثل كل المصريين ورافضا لأي انتخابات تجرى تحت مظلته.

صاحب «من بهجورة إلى باريس»، الذي أخذته اللوحة من فن الكاريكاتير لوقت ليس بقصير، أكد، في حوار مع «الراي» أن وظيفة فنان الكاريكاتير أكبر من أن يضحك الناس فقط، بل إنه يوظف طاقاته الإبداعية والفكرية ويحولها إلى رسومات تدهش المتلقي وتجعله يفكر، وهو يعيش هذه الحالة طوال الوقت.

وكان هذا ما دار معه من حوار:

• بعد كل هذه السنوات من الفن... هل مازلت تتذكر بدايتك مع الرسم في الطفولة؟

- كنت منذ صغري شغوفا بالرسم أحدق في وجوه البشر والناس، منشغلا دوما بالتفاصيل البسيطة والدقيقة ليس للوجوه.

ولكن لما تحمله في تلك اللحظات التي أحدق فيها إليهم، وأجد نفسي أرسم صورا لبشر، وأفرح كثيرا للتشابه بين الصورة وأصحابها، وكان هذا العمل يزعج أسرتي فكراسات المدرسة كانت مليئة بالصور.

فقد كنت أجد في الرسم ضالتي، أحزن أرسم، أضحك أرسم، كنت في البدء أعبث وأسخر من وجوه أقربائي عمتي، جدتي- وأداعبهم برسوماتي لهم، وعندما أرى ابتساماتهم مرسومة على وجوههم كانت هي حافزي لأن أمضي في طريقي ومشواري، كنت أتكسب من رسوماتي الضحك المرسوم على شفاة أصحاب اللوحة الحقيقيين، وكل هذا لم يكن إلا بداية لدخولي كلية الفنون الجميلة.

• وماذا عن كلية الفنون الجميلة... ورحلتك الدراسية؟

- أخذني أخي الأكبر للفنان كمال أمين الذي بدوره ساعدني في دخول كلية الفنون الجميلة التي سرعان ما اجتزت اختباراتها بنجاح، وكانت ظروفي المادية غير جيدة، فاضطررت للعمل في مكتبة لبيع الجرائد بأحد الفنادق.

كنت أعمل لمدة ثماني ساعات طوال عامين، بعدهما أصبحت قادرا على الاعتماد على موهبتي في تدبير نفقاتي، ولم يسلم زملاء الكلية أو الأساتذة من ريشتي.

وكانت كلية الفنون الجميلة في هذا التوقيت عامرة بالأسماء الكبيرة مثل عبدالهادي الجزار وصلاح طاهر وبيكار وغيرهم، وهي كلية الفنون أكثر تحررا ووعيا ما هي عليه الآن، وكنت متمردا على الأشكال التقليدية للرسم، ووقعت وقتها في غرام التكعيبية التي كان يدرسها لنا الفنان بيكار، وأصبحت في سنواتي الأولى أشهر تلميذ «فنان» داخل كلية الفنون الجميلة.

• ذكرت أكثر من مرة أنك من علمت صلاح جاهين فن الكاريكاتير؟

- هذا حقيقي، ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك، ولكن شهرة صلاح جاهين وعبقريته جعلت الكثيرين ينكرون هذا ويرفضونه.

• هل أخذ الفنان حجازي بعضا من شهرة بهجوري في مجلة صباح الخير؟

- حجازي فنان كبير بالفطرة، وعندما جاء إلى «صباح الخير» كانت له خطوطه المميزة، وكان أكثر حدة وسخرية، والتف حوله صحافيو وكتاب المجلة، ونجح في أن يصل للناس برسوماته، وجدت نفسي بعيدا عن الضوء بعض الوقت، لكن هذا لم يزعجني لان كلا منا له طريقته في الرسم.

• تميل في لوحاتك إلى مخاطبة العيون مباشرة لماذا؟

- أنا لا أعرف كيف أكتب، ولغتي الوحيدة هي الفن، لذلك عيناي تتدرب كثيرا على القراءة البصرية، فالمشهد أكثر حضورا عندي، وهذا ما جعل الكاتب إدوارد الخراط يقول إن جورج البهجوري روائي مشهدي، وأنا أقول عن نفسي أنني دخلت الأدب من باب المشهدية.

• تملأ الوجوه التي ترسمها التشققات والتمزقات، لماذا؟

- التشققات والتمزقات التي تصاحب الوجوه هي حالة صفاء نفسي لسرد قسوة ما نعيشه، ويظهر ذلك واضحا في معظم لوحاتي، لأني أعبر عن ما تحمله أعماق تلك الوجوه.

• هل أخذتك اللوحة من فن الكاريكاتير؟

- يمكن أن تقول بعض الوقت، ولكن أنا لست بعيدا عن الكاريكاتير، فالكاريكاتير بالنسبة لي حياة أعيشها بكل صورها، ولايمكنني أن أبتعد عنه، فوظيفة فنان الكاريكاتير أكبر من أن يضحك الناس فقط، بل إنه يوظف طاقاته الإبداعية والفكرية ويحولها إلى رسومات تدهشك وتضحكك وتجعلك تفكر، وأنا أعيش هذه الحالة طوال الوقت، ولكن في تعلىقاتي لا أميل إلى الحدة، أميل إلى اللامباشرة وتهذيب النكتة لتصل بما تحمله من مضمون لعقل المتلقي.

• انشغلت فترة ما بإعادة لوحات لفنانين كبار مثل رامبرانت، دافنشي، بيكاسو، حجازي، لماذا؟

- أعدت رسم هذه اللوحات لأنها استوقفتني كثيرا، فمثلا في لوحة «الجوكندا» وجدت أن ثمة جمودا فيها، فرسمتها على طريقتي لتمتلئ بالحركة، وأعدت رسومات لفنانين كبار مثل بيكار وغيرهم من المصريين، وكنت سعيدا بأن أضع بصمتي وخطوطي على تلك اللوحات، وأصحح ما أراه خطأ.

• ثمة حضور قوي لمعبد الكرنك والوجوه الأفريقية في أعمالك، لماذا؟

- يرجع ظهور الكرنك كثيرا في أعمالي نتيجة لاسترجاع ذكرياتي من زمن الطفولة، فقد ولدت بمدينة الأقصر، وكان بيتنا بشارع المحطة، وكنت شغوفا بمولدي وإحساسي أنني قطعة من هذا المكان باق معي أينما ذهبت، لذلك حين أرسم يتكرر مشهد الكرنك في لوحاتي.

أما الوجوه الأفريقية، فبدءا من بيكاسو إلى كل الاتجاهات والتي جاءت بعد ولادة للتكعيبية هي في الأساس جاءت من الفن الأفريقي، حيث وجدوا فيه من البساطة والجمال ما يساعدهم على غزو العالم بالفن، لذا انتشر هذا الفن وخرجت منه العديد من المدارس.

• بعد هذه الرحلة الطويلة مع الفن هل ترى أن جورج البهجوري صنع عالميته؟

- تنبأ لي نجيب محفوظ بالعالمية، وذلك بعد انضمامي لشلة الحرافيش، وكنت عند ظن محفوظ، فقد كانت لوحاتي تسافر كل محافل وبيناليات العالم، وكان يحتفي بها أكبر وأكثر متاحف العالم شهرة، ولكن اسم البهجوري لاينفصل عن اسم مصر، وعالميتي لم تفصلني ولم تأخذني من مصر.

• هل ترى أن ثمة حركة نقدية بالوطن العربي مواكبة لحركة الفن التشكيلي؟

- قليل ونادر ما تجد نقادا يسايرون الحركة الإبداعية للفن التشكيلي، ولكن ثمة شيئا ما يجب عمله والبدء به فورا، وهو زرع ثقافة الرؤية البصرية لدى الأجيال الشابة حتى نترقى بالذائقة الفنية، ونجد من يتذوق هذه الأنواع من الفنون، وهذا مفقود لدينا، وأنا لا أستغرب أن يقف الفنان العربي ليشرح لوحته ومضمونها وما تحمله، لكن هذا المشهد يصبح في منتهى الغرابة إذا حدث بمعارض أي من الدول الأوروبية، فالفنان له رؤيته، وأنت كمشاهد لك رؤيتك النابعة من ذائقتك الفنية.

• كيف يرى جورج البهجوري بعين الفنان ما يحدث في الشارع المصري الآن؟

- حقيقة أنا مندهش مثل كثيرين يتابعون بدأب ما يحدث، لدرجة أنني أرفض مشاهدة التلفزيون، وأبحث عن نقاط الضوء الكثيرة التي يمكن أن تخرجنا من العتمة التي نحن بصددها، نحتاج إلى طاقة نور تضيء لنا الظلمة وتبعدنا عن الفرقة التي يعيشها الشارع الآن، وأستغرب كثيرا من مقارنات قد تكون غاية في السخرية إن وضعت منحى الجد بين عصر عبدالناصر أيقونة ثورة يوليو والحلم الكبير الذي آمنا به والتففنا حوله، وبين ما يحدث الآن من أوضاع مؤسفة لا تليق بنا كشعب صنع ثورة، وأريد أن أسجل أنني كنت ومازلت رافضا للدستور الذي صدر وأعتبره لا يمثل كل المصريين ورافضا لأي انتخابات تجري تحت مظلته.

• هل ترى أن الفن يقوم بدوره تجاه مايحدث الآن؟

- الفن يقوم بدوره رغم كل القيود، ورغم الحملة الشرسة التي تدار ضده، كنوع من أنواع التعبير الرافض لسياسات غير عابئة لمكانة الفن والفنانين المصريين في كل العالم، فالفن يحمل رايات الرفض ويغير العالم إذا التففنا حوله.