القراءة تصنع الرجل الكامل
والنقاش يصنع الرجل المستعد
والكتابة تصنع الرجل الدقيق... فرانسيس بيكون.
إن همزة الوصل والتواصل تكمن في النقاش، فدائما النقاش نقطة الانطلاق للفعل، لأننا نكون دخلنا في حيز العصف الذهني، فتتلاقى الأفكار وأحيانا تتصادم، لكن المهم النتائج التي تفرزها نقاشاتنا.
فاللقاءات الإيجابية الفعالة بين المثقفين وأعلام الفكر والأدب والصحافة، الذين يملكون من الزاد المعرفي والأفكار والرؤى، ما يثري اللقاء ويرتقي بالحوارإلى مستوى أعلى لمعالجة ومناقشة مواضيع ثقافية أو أدبية، تخرج منه نتائج مهمة.
لذلك فالصالونات الأدبية من أهم مجالات الازدهار الأدبي، لأن فيها تتولد الأشكال الأدبية، وتتفتح الأفكار الجديدة التي سريعاً ما تنمو وتصبح حقيقة معتمدة، فتلعب دورا كبيرا في تشكيل ثقافة المجتمع.
كانت الصالونات تقام في بيوت الأدباء والوجهاء، حيث تدور المناقشات وتُتَبادل الآراء والأفكار الثقافية والسياسية والاجتماعية، ففي فرنسا ظهر العديد من الصالونات الأدبية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، مثل صالون مدام دي ستال وصالون جوفون في باريس، أما في وطننا العربي فظهرت أيضا الصالونات الأدبية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وكان من أشهرها صالون الأميرة الكسندرا في الإسكندرية، والأميرة نازلي فاضل في القاهرة، أما الصالون الذي كان اكثر تميزا وثراء والذي استمرإلى ما يقرب ربع قرن فهو صالون الأديبة الشاعرة مي زيادة،الذي جمع نخبة من العقول وكوكبة من الأسماء اللامعة في عالم الأدب والسياسة والمثقفين، فكان من رواده عباس العقاد، طه حسين، المنفلوطي وغيرهم من الذين تركوا بصمات واضحة في ثقافتنا.
إن فكرة الصالونات الأدبية، فكرة تستمر عبر الزمن وتزدهر كلما كان المجتمع يتمتع بمساحة من الحرية والديموقراطية، وهي ظاهرة صحية في مجتمع متحضر، ونحن في الكويت لدينا العديد من الصالونات الأدبية المتميزة، التي تدفع المثقفين والمحبين لهذا الوطن إلى الحرص على حضورها والتفاعل والتجاوب معها، من اجل أن يكون لهم دور فعال في المجتمع.
«صالون اليقظة» واحد من صالونات زمننا، تقيمه الزميلة مجلة «اليقظة» العريقة. ومن أسبوعين تلقيت دعوة لطيفة من الزميلة العزيزة منار صبري إلى حضور إحدى جلساته. في الحقيقة كان اللقاء ثرياً بالعقول والطاقات التي شاركت فيه، فالجميل كان التنوع في الاختصاصات وزخم المعرفة والأفكار، في مجالات شتى، من الاقتصاد إلى القضاء والإعلام، والمشاركون كانوا مثقفين وأكاديميين وناشطين في خدمة المجتمع المدني. والجميع لديه هدف واحد يسموإليه، وهو تقديم خبراته وإمكانياته لخدمة المجتمع. وما شعرت به أن النقاش كان غنياً بالأفكار القيمة التي كان يتبادلها الجميع، والتي تحمل طموحات لغد أفضل، وهذا ما جعل اللقاء يمتد لساعات طويلة من دون أن نشعر بثقل الوقت... ألا يبدأ حب الوطن الحقيقي بالأفكار والأمنيات قبل أن يترجم أفعالاً.
تحية عطرة برائحة الياسمين إلى عشاق هذا الوطن، الحريصين على أن يكون لهم دور إيجابي في تطويره، وإلى القيمين على «صالون اليقظة» الذي نتمنى أن يستمر قرناً من العطاء، ويفوح عطره على الجميع، كما فاح عطر مي زيادة... ولا يزال.
* كاتبة كويتية
[email protected]