مها بدر الدين / تداعيات الاختلاف حول مبادرة الائتلاف

1 يناير 1970 06:50 ص
| مها بدر الدين |

أعلن السيد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري وبشكل مفاجئ عدم ممانعته الخوض في معركة سياسية مع النظام السوري بدأها بالحوار مع أطراف إيرانية وروسيا تناول فيه مستقبل السلطة في سورية وكيفية انتقالها السلمي إلى أطراف نظامية لم تتلوث أيديها بالدماء حسب وصف الخطيب لها.

هذا التطور المفاجئ في أداء الأئتلاف أثار زوبعة من النقاشات والاختلافات في الشارع السوري، وانقسم السوريون على أنفسهم بين من يجد أن الخطيب قد تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعت أساساً للتعامل مع النظام الأسدي، ومنهم من يجد أن الرجل لم يخطئ في رؤيته السياسية التي رغم عدم نضوجها تماما إلا أنها تعتبر مبادرة إحراج للنظام أولاً، ومحاولة لتوفير المزيد من إراقة الدماء ثانياً، بعد أن اتضح المدى البعيد الذي سيأخذه الحسم العسكري للمعارك الشرسة بين النظام والمعارضة.

وفي محاولة متواضعة لفهم وجهات نظر مختلف الأطراف المتنازعة والشريكة والداعمة العاملة على الأزمة السورية، لا بد من إلقاء الضوء على دوافع وتبريرات كل الأطراف منعاً لانزلاق جديد في العلاقة بين معارضة الداخل والخارج من جهة، وبين أطياف معارضة الداخل من جهة أخرى.

فبحسب ما جاء على لسان الخطيب فإنه يرى بأن الأزمة تتفاقم، وأن الحسم العسكري صعب التحقق على يد أحد الفرق سواء النظام بقواته وشبيحته، أو الجيش الحر بعقيدته الراسخة وإصراره على المضي قدما في طريق التحرير، وأن التفاوض على ايقاف نزيف الدماء الغزير على الأراضي السورية هو هدف إنساني يستحق المغامرة السياسية مع نظام فاشي يتلقى الدعم المادي واللوجستي من مصادر وأطراف مختلفة بشكل مباشر وغير مباشر، في الوقت الذي تعاني فيه المعارضة المسلحة ضد النظام إلى نقص هذا الدعم ما يخل بميزان القوى على الأرض وما ينتج عن ذلك من تزايد للضحايا البشرية والأضرار المادية في البنية التحتية للبلاد.

فمن أحسن النية في مبادرة الخطيب وهو الرجل التوافقي الذي نال ثقة السوريين بلا منازع لما عرف عنه من نظافة اليد والعقل واللسان، ووطنيته التي دفع ضريبتها مراراً في معتقلات الأسد، يرى بأن هذه المبادرة ستكون نقطة تحول في الموقف الدولي تجاه النظام السوري الذي تعود على المماطلة في التفاعل مع أي مبادرة طرحت منذ بدء الثورة السورية، وأن الاحراج الذي سيتعرض النظام السوري له سيكشف للجميع النوايا الحقيقة له خاصة وأن هذه المبادرة قد طرحت من القمة السياسية للمعارضة السورية التي دعاها للحوار مراراً وتكراراَ في الآونة الأخيرة لذر الرماد في العيون كما اتضح من استخفافه بهذه المبادرة وجدية صاحبها.

أما من استاء من تحرك الخطيب الانفرادي على الساحة السياسية وسرعة الاجتماعات اللافتة مع جميع الأطراف ذات الصلة بالشأن السوري، فإنه يرى بأن هذا العزف المنفرد هو نشاز واضح عن عزف المعارضة السورية التي تجمعت بمعظم تكتلاتها الداخلية والخارجية تحت مظلة الائتلاف السوري حيث انفرد رئيسه بالقرار السياسي الخطير الذي لا ينسجم مع مبدأ الائتلاف الأساسي في التخلص من النظام الأسدي لبناء سورية الحرة الديموقراطية، وهو ما من شأنه إضعاف الثورة سياسيا وعسكريا والإيحاء للنظام السوري وداعميه بأنه أصبح الطرف الأقوى في المعادلة السورية ما يزيد من طغيانه وجبروته ويعطيه المزيد من الوقت كمعظم المبادرات السابقة.

وبغض النظر عن حسن النوايا وسوئها، فإن المبادرة بلا شك أحدثت شرخاً جديداً بين السوريين وبعد أن كانوا مقسمين إلى مؤيدين ومعارضين للنظام، أصبح التقسيم الجديد بين مؤيدين ومعارضين للخطيب، ورغم نبل الفكرة وضرورتها مع ازدياد المعانة الإنسانية للشعب السوري داخلياً وخارجياً، إلا أنه كان ينقصها الخبرة التفاوضية والنضوج السياسي، والقدرة على تهيئة المناخ السياسي المناسب للضغط على جميع الاطراف للقبول بها، أما أن يعلن الخطيب بعد تعرضه لموجة حادة من انتقادات الشارع السوري بأن هذا رأيه الشخصي ويسعى بالوقت نفسه إلى ميونخ للتفاوض بشأنه، فقد جانبه الصواب والحنكة في هذا التصريح الذي يدل على أنه لا يفرق بين معاذ الخطيب كمواطن سوري عادي وبين معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري المعارض.

كما لا شك فيه بأن هذه المبادرة لم تعطِ النظام السوري حق قدره، لأنها تغاضت عن هدفه الأساسي الذي لن يتخلى عنه بالطرق السلمية وهو إحكام السيطرة على كرسي الحكم وإبقاء سورية ضمن المحور الطائفي المخطط له منذ عقود خلت، والذي لأجله يتلقى كل هذا الدعم المطلق من أطراف دولية وإقليمية.

وفي كل الأحوال سواء كانت المبادرة ضرورة أو حتمية في ظل الظروف الراهنة وفي ظل الترحيب الدولي والعربي والأممي لها، إلا أن تأثيرها على مجريات الأمور لم يكن مثمراً، فالمعارضة المسلحة في الداخل لم تتأثر بها ولم تعرها أي اهتمام، والعمل المسلح ما زال قائماً ويحرز تقدما ملموساً في دمشق العاصمة معقل الأسد الأخير، في الوقت الذي لا تزال قوات النظام ترتكب المجازر في مختلف المدن السورية إجهاضاً منها لأي انتقال سلمي للسلطة، وأي تسويات يكون الأسد خارجها.