د. وليد التنيب / قبل الجراحة / منقذ الأمة

1 يناير 1970 02:50 م
| بقلم الدكتور وليد التنيب |

الاقتراحات في الغالب يجب أن تخدم المصلحة العامة وتكون اقتراحات بنّاءة وذات نظرة تطورية أو لكي تُصلح خللاً...

ولكن هل يمكن أن تكون الاقتراحات ذات نظرة ضيّقة أو تخدم مصلحة شخصية؟!

هل يمكن ألا تقدّم الاقتراحات أو تؤخّر وألا تخدم أي شيء وتكون بالنسبة إلى صاحبها مجرد اقتراح لإثبات الوجود لا أكثر ولا أقل؟!

هناك بعض الاقتراحات ذات ضرر على المجتمع وتدمّر قاعدة من قواعد المجتمع...

وهناك اقتراحات ذات ضرر على فئة معيّنة من المجتمع، ويسعى مقدم هذا الاقتراح إلى تفكيك المجتمع وتعريضه للخطر أو تعريض هذه الفئة إلى التعسّف.

هناك اقتراحات تحرّض على منع الخير عن فئة من المجتمع وتدعو إلى تهييج المجتمع ضد هذه الفئة...

وهناك اقتراحات حُبِست في قلوب أصحابها الذين خافوا ردود الفعل من المجتمع... نعم، خافوا من تقديم اقتراحات أو إبداء آرائهم وهم يعلمون مدى الظلم الواقع على فئة في المجتمع بسبب خوفهم.

إذاً، لنستمع إلى قصة سلطان، أو الدكتور سلطان ونحكم بعدها...

كان سلطان ابناً لرجل من عائلة متوسطة الحال... استطاعت هذه الأسرة أن توفّر كل الأجواء المناسبة لابنها سلطان لكي يدخل كلية الطب...

بالفعل، أصبح سلطان طبيباً، ومن ثم وبسبب تشجيع أبيه كافح للحصول على الشهادة العليا بتخصص جراحة المخ والأعصاب.

منذ بداية عمله في قسم المخ والأعصاب وهو طبيب مميّز للغاية،

وما هي إلا سنوات قليلة حتى أصبح سلطان شخصية مميزة في المجتمع ويرأس قسم جراحة المخ والأعصاب في البلد.

لاحظ سلطان أنه - وبسبب الأوضاع السياسية في البلد، وبسبب التخبط في اتخاذ القرارات والاقتراحات القاتلة لحب العمل والطموح - اتجه السياسيون في البلد اتجاهاً غريباً...

نعم، لقد زادت نسبة الانتحار بين السياسيين الفاشلين، ولكنهم كانوا يتبعون في انتحارهم طريقة واحدة، ألا وهي استخدام مسدس صغير من عيار خمسة ملليمترات...

والمشكلة التي واجهها الدكتور سلطان كانت تتمثل في أن هذا العيار من الرصاص لا يقتل، بل يؤدي إلى إعاقة... فالسياسي بعد محاولة الانتحار لا يموت، بل يؤتى به إلى المستشفى ومن ثم يؤخذ إلى غرفة العمليات، وبعد العمل لعشر ساعات، وأحياناً أكثر، يتم إنقاذ هذا السياسي ويبقى في المستشفى نحو شهرين للعلاج، وبعدها يُبعث للخارج للتأكد من أن ما أجري له في البلد كان صحيحاً (تخيّل مقدار الثقة بمستشفياتنا) ويكمل علاجه هناك في المصح الطبي لإعادة التأهيل ويعود إلى البلد سياسياً معوّقاً ومعه شهادة إعاقة للتمتع بمزايا المعوّق... أي سياسي ومعوّق.

بالفعل قام سلطان بجميع الدراسات التي تثبت زيادة عدد من يحاولون الانتحار من السياسيين... نشر الدراسات وطلب مساعدة قسم علم النفس معه، ولكن الأعداد بازدياد... نعم، ازدياد يستهلك طاقات المستشفى ويؤدي إلى تأخير تقديم العلاج لمستحقيه... حتى أن النقص بالأسرّة الطبية أصبح ظاهرة.

سأل المساعدة من الهيئات واللجان، ولكن النسبة بازدياد.

قرّر أن يحلّ المشكلة بطريقة من ابتكاره واختراعه...

بدأ الحل بأن قرر خوض انتخابات مجلس البرلمان... بذل كل الجهد وأخلص في العمل كعادته واستطاع النجاح بثقة الشعب والوصول إلى البرلمان... ساعده في ذلك كثرة حلّ البرلمان.... ما سرّع له الحصول على فرصة سريعة لخوض الانتخابات البرلمانية.

نجح الدكتور سلطان في الانتخابات وكان أول اقتراحاته منع المسدس عيار خمسة ملليمترات من البلد والسماح بدخول عيار تسعة ملليمترات وما فوق إلى البلد. وعلّل اقتراحه بأن السلاح تسعة مليميتر قاتل، وبالتالي لا يمكن إنقاذ المنتحرين مهما فعل الطبيب... وأكمل اقتراحه بالقيام بحملة مكثفة لجمع كل الأسلحة عيار خمسة ملليمترات.

فعلاً نجح الاقتراح بفضل الدعم الحكومي الذي حصل عليه... فعلت الحكومة المستحيل لإنجاح هذا المقترح ونجحت بمسعاها... تصوّر يا قارئي العزيز، الحكومة نجحت!

سارعت الحكومة بتطبيق هذا القانون وأيضاً نجحت في التطبيق... تصوّر، الحكومة نجحت في التطبيق! يبدو أنها سنة المعجزات.

بعد تطبيق القانون...

أصبح هناك أسرّة في المستشفيات للمستحقين الحقيقيين من المرضى...

قلّ عدد المعوّقين في البلد...

قلّ عدد المرضى المرسلين إلى الخارج للعلاج...

قلّ عدد السياسيين الفاشلين في البلد...

والمستغرب، أن الميزانية العامة للبلد تعافت وزاد الفائض في الميزانية.

ولم يتمّ حل البرلمان وأكمل كل برلمان مدته كاملة!

اقتراح واحد قدمه سلطان وبذل كل الجهد كعادته لإقناع الناس به ولإنجاحه وتطبيقه... وإنقذ البلد. ولكثرة حب المواطنين لسلطان، أطلقوا عليه لقب «منقذ الأمة».

والذين جاؤوا قبل سلطان، قدّموا العديد من الاقتراحات والقوانين التي أثبتت... (أخجل من كتابة ماذا أثبتت).

أين أنت يا منقذ الأمة؟... قدّم لنا اقتراحات جديدة لحل بقية مشاكل البلد الجميل.