| فهد حمود الحيص |
مَن راقَبَ الناسَ ماتَ غَمّاً
وَفازَ بِاللّذَّةِ الجَسورُ
قائله سالم الخاسر ذُكِر في وفيات الأعيان سالم الخاسر أبو عمر سالم الشاعر عرف بالخاسر؛ يقال إنه مولى أبي بكر الصديق، وقيل بل مولى المهدي، وسمي الخاسر لكونه باع مصحفاً واشترى بثمنه طنبوراً.
قدم بغداد ومدح المهدي بقصيدة منها
حَضَرَ الرَحيلُ وَشُدَّتِ الأَحداجُ
وَغَدا بِهِنَّ مُشَمِّرٌ مِزعاجُ
لِلشَّوقِ نيرانٌ قَدَحنَ بِقَلبِهِ
حَتّى اِستَمَرَّ بِهِ الهَوى المِلجاجُ
أَزعِج هَواكَ إِلى الَّذينَ تُحِبُّهُم
إِنَّ المُحِبَّ يَسوقُهُ الإِزعاجُ
وكان المهدي أعطى مروان بن أبي حفصة مئة ألف درهم بقصيدته التي أولها:
طرقتك زائرة فحي خيالها
فأراد أن ينقص سالماً من هذه الجائزة فحلف سالم ألا يأخذ إلا مائة ألف وقال تطرح القصيدتان إلى أهل العلم حتى يخبروا بتقدم قصيدتي؛ فأنفذ له المهدي مئة ألف درهم وألف درهم، وكان هذا ماله.
وكان ينتمي إلى ولاء تيم بن مرة من قريش، فلما بلغ زمن الرشيد، وكان الرشيد قد بايع لمحمد بن زبيدة، يعني ولده الأمين، قال قصيدته التي أولها:
قُل لِلمَنازِلِ بِالكَثيبِ الأَعفَرِ
أُسقيتِ غادِيَةَ السَحابِ المُمطِرِ
قَد وَفَّقَ اللَهُ الخَليفَةَ إِذ بَنى
بَيتَ الخَليفَةِ لِلهِجانِ الأَزهَرِ
فَهُوَ الخَليفَةُ عَن أَبيهِ وَجَدِّهِ
شَهِدا عَلَيهِ بِمَنظَرٍ وَبِمَخبَرِ
قَد بايَعَ الثَقلانِ في مَهدي الهُدى
لِمُحَمَّدِ بنِ زُبَيدَةَ اِبنَةِ جَعفَرِ
وَلَّيتَهُ عَهدَ الأَنامِ وَأَمرَهُم
فَدَمَغَتَ بِالمَعروفِ رَأسَ المُنكَرِ
ومات سالم في أيام الرشيد... وكان سالم من الشعراء المجيدين من تلامذة بشار، وصار يقول أرق من شعر بشار. وكان بشار قد قال:
مَن راقَبَ الناسَ لَم يَظفَر بِحاجَتِهِ
وَفازَ بِالطَيِّباتِ الفاتِكُ اللَهِجُ
وقال سالم:
مَن راقَبَ الناسَ ماتَ غَمّاً
وَفازَ بِاللّذَّةِ الجَسورُ
غضب بشار وقال: ذهب والله بيتي؛ يأخذ المعاني التي تعبت فيها فيكسوها ألفاظاً
أخف من ألفاظي، لا أرضى عنه، فما زالوا يسألونه حتى رضي عنه.
وقال أبو معاذ النميري: رأيت بشاراً لما قال هذا البيت وهو يلهج به كثيراً.
من راقب الناس لم يظفر بحاجته... البيت
قلت: يا أبا معاذ، قد قال سالم الخاسر بيتاً في هذا المعنى هو أخف من هذا، وأنشدته:
من راقب الناس مات غماً فقال: ذهب والله بيتي.
الأبيات:
مَن راقَبَ الناسَ ماتَ غَمّاً
وَفازَ بِاللّذَّةِ الجَسورُ
لَولا مُنى العاشِقينَ ماتوا
غَمّاً وَبَعضُ المُنى غُرورُ
* كاتب ومهندس
[email protected]