مليون ونصف المليون إنسان مهددون بالموت سنوياً بسبب الوقت الذي يقضونه جلوساً

... عندما يصبح الجلوس قاتلاً

1 يناير 1970 10:04 م
| إعداد عماد المرزوقي |

الجلوس أمام جهاز الكمبيوتر أو أمام التلفزيون جزء من روتين يومي قد يكون في العمل أو في البيت أو في غير مكان. هذا الروتين اليومي أصبح خطرا على حياة الانسان المعاصر **حسبما أكدته دراسات أميركية جديدة أظهرت أن المزيد من الناس يموتون بسبب الجلوس أكثر من التدخين.

«لا وجود لدراسة عن خمول العرب، لكن في أميركا تشير التقديرات إلى أن 43 في المئة من السكان تحولوا الى نمط الحياة الخاملة مقارنة بـ 17 في المئة في جنوب شرق آسيا. عدد الناس الذين يعيشون أنماط حياة غير نشطة في أوروبا يختلف من بلد إلى آخر، وتتراوح نسب الأوروبيين الخاملين من 70 في المئة حيث أعلى كثافة لهم في صربيا ومالطا وأدنى كثافة الى 18 في المئة في هولندا. الأمراض والوفيات المرتبطة بالخمول تختلف أيضا من منطقة إلى أخرى، فالباحثون في أوروبا ربطوا 121 ألف حالة وفاة بسبب الخمول في عام 2008 مقابل 44 الف حالة في بلدان شرق البحر الأبيض المتوسطو60 الفا في أميركا الشمالية للعام نفسه»، يكشف دليل الصحة العالمي على موقعه «هيلث غيدانس».

وينصح الباحثون القائمون على دراسة أميركية حول تأثيرات الخمول عند الجلوس على الصحة والتي قامت بها جامعة هارفارد ونشرتها أخيرا المجلة الطبية «لانسيت» بـ «التخلص حالا من نمط الحياة الذي يقتضي الجلوس الطويل وضرورة خفض الخمول بنسبة 10 في المئة وذلك بتقليص عدد ساعات الجلوس اليومي، واكدت أن مثل هذا الاجراء من شأنه ان ينقذ حياة أكثر من نصف مليون انسان على الكوكب كل سنة، واذا كان الشخص قادرا على خفض جلوسه بالتخلص من ربع وقت جلوسه اليومي يمكن لذلك ان يسهم في مساعدة مليون و300 الف شخص في النجاة من الموت سنويا».

واشار موقع «اتلانتيكو» الفرنسي الذي نشر أخيرا تحديثا للدراسة التي أجريت سابقا في أواخر 2012 عن تداعيات الجلوس على الكرسي على صحة الانسان إلى ان «القتل الكامل موجود. ومن يقول القتل الكامل يعني وجود قاتل غير مرئي. في الواقع من الذي يمكن ان يشك في مجرد «كرسي»، وحتى الآن هذا الكرسي يمكن أن يقتلك دون أن تلاحظ ذلك. الأصدقاء والزملاء عادة ما ينفكون في تحذيرك باستمرار للإقلاع عن تدخين السجائر مخافة الاضرار بصحتك. ولكن ما لا نعرفه هو أنه إذا كان التبغ يقتل ببطء، فإنه في الواقع، كرسي عملك أو اجتماعاتك أو الأريكة الخاصة بك يمكن أن تلحق الأذى بك قبل سيجارتك».

وذكرت مختلف الدراسات الاستقصائية سابقا حسب «اتلانتيكو» أن «جزءا كبيرا من البشر تخلوا عن الحركة مقابل المزيد من الجلوس لوقت طويل في نهارهم. في حين منذ مئات السنين، وعشرات العقود، كان الرجال يقضون معظم وقتهم واقفين وكانت معظم اعمالهم عبارة عن (الاصطياد، أوالعمل في الحقول)، لكن أحدث الأجيال يقضون معظم وقتهم جالسين أمام شاشات أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم الى حد ان الوقت الذي يقضيه جزء كبير من الناس جالسين يصل إلى معدل 9.3 ساعة في اليوم، أكثر من الوقت الذي يقضونه في النوم، أي ما يعادل 7.7 ساعة».

«البقاء لمدة طويلة والأرداف مستريحة على الكرسي أو على أريكة يبدو انه أمر لا ينصح به الأطباء حقا بل العكس في واقع الأمر. الجلوس ست ساعات أو أكثر يزيد من خطر الموت بنسبة 40 في المئة في غضون الخمسة العشر سنة المقبلة من حياة أي شخص، وذلك بالمقارنة مع عمر شخص يقضي ثلاث ساعات أو أقل على كرسيه»، يشير التقرير على الموقع نفسه.

لكن كيف يمكن أن يكون الجلوس خطرا جدا على الصحة؟

ذكر تقرير مجلة «لانسيت» أن مثل «هذا النشاط، الذي يسبب الخمول، يبطىء من التمثيل الغذائي للإنسان بما في ذلك الحد من مستويات الكوليسترول الجيدة، ولكن يزيد خمول الجسم عند الجلوس يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب، وأيضا مرض السكري من الدرجة الثانية، كما يزيد من خطر الإصابة من سرطان الثدي أو سرطان القولون. ومن الواضح أيضا أن الخمول يرتبط بالسمنة. ومع ذلك، فإن التداعيات التي يسببها الجلوس الطويل أكثر فتكا من سوء التغذية كما كشفت في دراسة حديثة نشرت في مجلة «لانسيت الطبية»، تشير الى مقتل 35 مليون شخص في الولايات المتحدة على امتداد سنوات بسبب تداعيات الجلوس الطويل بينما كانت السجائر مسؤولة «فقط» عن وفاة 3.5 مليون».

وقد أظهرت الدراسة أن الباحثين الاستراليين توصلوا الى معرفة ان «كل ساعة وقت إضافي لشخص يجلس لمشاهدة التلفزيون، تزيد خطر موته بنسبة 11 في المئة. وهذه الدراسة أخذت بعين الاعتبار مجموعة واسعة من الناس حيث اهتم العلماء بدراسة ما يقرب من 9000 حالة. وشرح الأطباء ان الجلوس تسع ساعات يوميا يعتبر «نشاطا قاتلا».

 

ممارسة الرياضة لن تنقذك!



فسر الأطباء حسب الدراسة التي نشرها «اتلانتيكو» أن «الجلوس المتواصل على كرسي لمدة تسع ساعات في المكتب سيئ لصحتك أكثر من مشاهدة التلفزيون في المنزل ولا يمكن ان يعالج هذه التداعيات ما نقوم به في وقت لاحق من ممارسة الرياضة في صالة الألعاب. في النهاية فان الجلوس حسب الدراسة «سيئ سواء كان الشخص بدينا او رياضيا».

لكن لا داعي للخوف!! فهناك حلول لهذه المشكلة. تنصح الدراسة الناس الذين يعملون في المكاتب لساعات طويلة او رجال الأعمال الذين يقبعون في صالات الاجتماعات لساعات ممتدة بتغيير مكان الاجتماعات على سبيل المثال في الهواء الطلق حيث يكون المشي متاحا بدلا من الاجتماع في صالات او في مقهى.

ونصح الباحثون بمحاولة تعديل بيئة العمل لتشجيع المزيد من الحركة. تم العثور على حل معجزة حسب الدراسة وذلك بنصح «المكتبيين» الذي يفترض عملهم الجلوس الطويل بألا يترددوا في أخذ وقت للمشي في الهواء الطلق خلال استراحة الغداء وجعل الساقين تمشيان على مدار اليوم. وقد أكد العلماء أن المشي من شأنه أن يقدم ضمانة تمنع فقدان الذاكرة، وقد يكون سببا في انقاذ حياتك».

وفي مقابلة أجراها موقع «اتلانتيكو» مع طبيب فرنسي يدعى برنارد اوفينات دكتور في الطب الرياضي وباحث مشارك في مختبر الميكانيكا الحيوية وعلم وظائف الأعضاء والتمرين العضلي جامعة رين الفرنسية، اوضح اوفينات ان «الدراسة الأميركية ترسل تحذيرا مثيرا. في الواقع، يعني وجود الانسان هو للتحرك والحركة وعدم البقاء في سكون»، وذكر أن «توصيات الجمعية الأميركية لأنشطة القلب والأوعية الدموية تكشف ان ممارسة الرياضة اسبوعيا لا يكفي من الآن وصاعدا معدل 3 ساعات، وتوصي حاليا باتباع 5 ساعات وممارسة انشطة في الهواء الطلق كالمشي لما فيه من فوائد كثيرة خصوصا انه يعتبر نشاطا فعالا ضد ارتفاع ضغط الدم».

وقد أجريت الدراسة الأميركية على الآلاف من العمال الذين يتعالجون ويستفيدون من الرعاية الصحية في اميركا وارتبطت المشكلة الأولى للموظفين او الأشخاص الجالسين بالساعات في العامل او امام التلفزيون بزيادة الوزن. ولذلك بينت الدراسة «خطر قلة النشاط البدني على احتمالات الاصابة بالأمراض».

كما بينت الدراسة التي نشرت على موقع «اتلانتيكو» ان «هناك اعراضا مباشرة للجلوس الطويل اصبح من الامكان رصدها على مستوى العمود الفقري، فالحفاظ على وضع ثابت للجسم لفترات طويلة يضر العضلات خصوصا على مستوى العمود الفقري. لذلك فإنه من المستحسن للجميع المشي، حتى بالنسبة للأشخاص الذين لديهم هشاشة العظام. وقد أظهر الباحثون أن النشاط البدني يحسن وظيفة الادراك».



مد الأرجل كل 10 دقائق يحد من مخاطر القلب والأوعية الدموية



شاركت جامعة «جمعية السرطان الأميركية» في هذه الدراسة، واشارت حسب تقرير نشر على موقع «ماشير اتيديونت» الفرنسي الى ان «الجلوس أكثر من ست ساعات في اليوم الواحد يؤدي إلى ارتفاع خطر الوفاة بنسبة 20 في المئة بين الرجال و 40 في المئة بين النساء، مقارنة بموظف يعمل أقل من 3 ساعات جالسا. ووصفت الدراسة «ان جلوس الشخص على الكرسي بمثابة تشغيل قنبلة في الوقت نفسه».

وحسب دراسة جمعية السرطان الأميركية «عند الجلوس، تستقر آلية حركة الجسم ويتوقف نشاط العضلات. بعد ساعة واحدة 90 في المئة من الإنزيمات المستخدمة لحرق الدهون تتخزن في الأوعية، وبعد ساعتين تتباطأ عملية التمثيل الغذائي للجلوكوز ما يقلل بنسبة 20 في المئة مستوى الكولسترول الجيد».

وتضيف الدراسة «بعض الحلول لاتزال مغرية. أولا، يجدر بأي شخص الحد من الوقت الذي يقضيه جالسا الى ثلاث ساعات متتالية في اليوم الواحد ويمكن بذلك أن يكسب سنتين من عمره المتوقع. اما العاملين في مكاتبهم طوال اليوم ينصح أن يمدوا أرجلهم كل 10 دقائق فذلك يحد بنسبة 20 في المئة من مخاطر القلب والأوعية الدموية».