لكل مهنة مجالها وطريقها مطحنة سمراء عدن اسم مر عليه عقود من زمن وهو يتردد على ألسنة الناس، فيحدثنا عن هذا داود الخليل كيف بدأت تأسيسها؟ ومن أين اشتق تسميتها؟ كل هذا يحدثنا عنه داود الخليل فيسهب معنا بالقول فيذكر جودة المواد التي يستخدمونها والبلاد التي يستوردون منها تلك المواد والاطوار التي مرت بها مطحنة سمراء عدن كما يتخلل الحديث ذكر مؤسسها الأول أحمد الخليل أحاديث شيقة ومتنوعة نقضيها معه فلنترك له الحديث.
سمراء عدن هذا الاسم الذي ارتضيناه لمطحنتنا ومعملنا الذي كان للحبوب والبهارات حين افتتحناه في فلسطين في مدينة طولكرم وهي مدينة مشتهرة بالفواكه والحمضيات والبطيخ ونعتمد بشكل رئيسي على مياه الأمطار والينابيع وتبعد عن البحر المتوسط ما يقارب 30 كيلومتراً أما مناخها في كونها ساحلية نوعاً ما بها رطوبة صيفاً وباردة في الشتاء وعمي - رحمه الله - أحمد الخليل مؤسس هذه المطحنة بدأ هاوياً في بلده ثم تطور الأمر معه شيئاً فشيئاً وأصبحت هذه التجارة والمهنة في عمله وله بها ريادة منذ 1920 ونحن في هذه المهنة ولاتزال محلاتنا في فلسطين الى يومنا هذا ثلاثة محلات بها من ابناء الاسرة يعملون بها ويحافظون على هذا الاسم الذي اصبح ماركة للحبوب والبهارات فنجد هناك يوسف الخليل ومعتصم الخليل في الضفة الغربية يباشرون العمل وادارته هناك.
سمراء
اسم سمراء عدن اسم مميز وسرى بذكره الحديث بين الناس وقد يتساءل كثير من زبائننا الكرام لما هذا الاسم وحقيقة أن الحاج عمي أحمد الخليل مؤسس هذه المطحنة اختار هذا الاسم تيمناً باليمن هذه هي موطن القهوة فالقهوة كما هو معروف حين أول معرفتها كان اليمن هو موطنها الأول ومن هذا الأمر اختار الحاج أحمد الخليل هذا الاسم ويعرفنا به.
البداية
عندما بدأ مؤسس هذه المطحنة عمله واصبحت هي مهنته يوم كان في فلسطين سنة 1920 أخذ يطور نفسه ويتعرف أكثر فأكثر على مصادر الحبوب والبهارات فالاردن كان طريقها نشطا للمتاجرة وكذلك افريقيا من ناحية جلب واستيراد مواد الحبوب والبهارات وأخذ ايضاً يعمل علب افراح يوضع فيها حلوى وتشكيلته أو ما يرغب الزبون وهذه العلب كانت ظريفة اشتهرت وخصوصاً عند حفلات الزواج والعمل في حين بداياته كان من الصباح الباكر في بزوغ الشمس وينتهي عند غروبها لأن مدينتنا هي المدينة التي تنام عند غروب الشمس وتستيقظ عند بزوغها.
التطور
اصبح المحل والمطحنة لها وضعها وزبائنها وبها مكائن يصل عددها الى خمس مكائن اثنتان للقهوة وثلاث للبهارات والحبوب وقد جلبته هذه المكائن من الدانمارك وبعضها من القدس حيث انها فيها جانب الطحن والتحميص للقهوة وما يشبهها أما الطحن فللبهارات والحبوب أما العملة في ذلك الوقت فكان الدينار الاردني.
الفطرة
عندما يحدث عطل يوقف العمل في آلات المستخدم كان الحاج أحمد خليل هو الذي يباشر تصليحه لأنه ميكانيكي بالفطرة يرى كيف يعمل المتخصص والمصلح فيحفظ ويدرك ويستوعب حيث انه واعٍ وبه شطارة وذكاء فهو بالفطرة عنده قابلية للعلم وتعلم والاتقان فهو ايضاً رياضي مارس العديد من الأنشطة منها الملاكمة.
الكويت
سنة 1958 كانت هناك تطلعات نحو التوسع الخارجي فعزم أمره وقصد الكويت لأجل العمل بها بنفس النشاط فقام فشحن المكائن بعدما قام بتفكيكها ورصها في صناديق خشبية وهي مكائن التحميص والطحن بالطبع الطحن للقهوة والتحميص للبهارات بعد تجهيزها في تلك الصناديق أرسلها عن طريق البر وهو سافر معها بنفسه وحين وصوله للكويت كانت النهضة العمرانية لم تدب فيها والكهرباء لم تكن متوافرة ذلك جعل المكائن التي جلبها معه في احدى الخيم أمانة عند احد الاشخاص ثم أخذ يبحث عن محل مناسب من أجل اقامة المطحنة فيه بعد عدة أيام وجد محلاً مناسباً في شارع دسمان الذي هو اليوم شارع أحمد الجابر كان المحل عبارة عن دور ارضي وحوش خلفه له بابان على الفور استأجره ونقل المكائن التي جلبها معه وقام باستخراج الرخصة التجارية الخاصة لمزاولة هذه المهنة وكانت الرخصة التجارية تحمل اسم.
الخلطات
البهار الكويتي الدارج فيها معروف وله طريقته بالخلط وهو سر من اسرار اصحاب المطابخ وكانت النساء منذ سنين مضت تطحنها بالرحى الحجر الاسطواني لجرش الحبوب باليد ثم طحنته بالهون الخشبي ثم جاء الهون النحاسي الاصفر المكون من قطعتين.
السيارات
بالأول لم تكن الجمعيات متوافرة في المناطق في هذه الصورة لذلك كنا نعمل من الصباح الباكر حتى منتصف الليل وكله عمل دؤوب وذو نشاط وهمة فكانت هناك سيارات لمطحنة سمراء عدن توزع القهوة والبهارات والمكسرات للبقالات والمحلات التجارية الموزعة في أنحاء الكويت تنطلق السيارات من الصباح الباكر وكل منطقة لها مندوب خاص يتولى هو شؤونها ويعرف مكان تواجد البقالات في هذه المنطقة ويزودها بما تحتاجه من بضاعة المرقاب هذه المنطقة كانت السيارة تأخذ بها اربعة ايام وهي لم تغط احتياجات البقالات التي فيها من كثرتها وكذلك المناطق الأخرى منطقة الخفجي عندما كانت ضمن المنطقة المحايدة والمقسومة كنا نأخذ تصريحاً يسمح لسياراتنا بالدخول فيها من محافظة الأحمدي ذلك التصريح مازلت أذكره متضمناً صورة شخصية فيها مكتوب لا مانع من دخول المنطقة المحايدة الخفجي وميناء سعود والوفرة .
كنتاكي
هناك خلطات مستحدثة فيها البهارات وفاهيتا وتندوري وتشكن ديفيد لم نكن بالسابق نعرفها لكن اليوم لابد أن ننزل على رغبة الزبون ماذا يريد.
التجارة
هناك بعض الزبائن من نساء كبار السن يأتوننا لكي نطحن لهن الحنة والمردود بكميات كبيرة لانهن هن يتاجرن بها في البيع والشراء.
العمالة
العمالة التي كانت تعمل عندنا يوم كنا نعمل بنشاط واسع كانت جنسياتها مختلفة ما بين الجنسية الاردنية والفلسطينية والعمانية والهندية.
الذهاب
سافر الحاج أحمد الخليل مؤسس هذه المطحنة الشهيرة الى ايران بناء على دعوة وجهها له بعض التجار الايرانيين في مدينة أصفهان وله ايضاً علاقات تجارية مع تجار هنود ومراسلات متبادلة معهم.
تونس
محلنا الذي كان في شارع أحمد الجابر هو اول محل لنا وقد مكثنا به الى غاية عام 1985 وهو عندما استأجرناه كان الدفع بالروبية الهندية لانها هي العملة المتداولة عندنا في الكويت قبل الدينار الكويتي لم نترك هذا المحل حتى جاء عام 1985 وهو موعد الهدام الذي لحق البناية التي نحن بها انتقلنا الى عمارة الصايغ وهي قريبة منه حتى العام 1997 حيث الهدام لحق بالبناية التي نحن فيها فانتقلنا الى محلنا الحالي اما بالنسبة للفروع الأخرى فلقد افتتحنا فرعاً آخر في شارع تونس وكان ذلك في منتصف الستينات واستمر ثماني سنوات ثم اقتصرنا على محلنا الأول.
المعرض
كانت لنا مشاركة في معرض الصناعات الوطنية الأول الذي اقيم في منطقة الشويخ حيث انها كانت أرض معارض في السابق وحضر أمير الكويت السابق المرحوم جابر الأحمد في افتتاح ذلك المعرض حيث انه كان اول المعارض لصناعات الوطنية والمرحوم الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح طيب الله ثراه كان حاضراً نيابة عن أمير البلاد في ذلك الوقت الشيخ صباح السالم الصباح رحمه الله وكان ذلك سنة 1965.
الرؤية
مازلنا نرى بعض زبائننا الذين عهدناهم منذ عملنا في المحل حين افتتاحه فالذي لايزال على قيد الحياة يأتينا ونفرح برؤيته واليوم الناس تغيروا وشباب اليوم في عصر السرعة.
أنواع
عندنا منذ أن مارسنا العمل انواع كثيرة للبضائع منها ما هو جديد ومنها ما هو تقليدي معروف فالقرنفل نبات ذو الرائحة العطرة، وجوز الهند شجرة معروفة كبيرة، والينسون نبات في مصر واليونان وقصب الزبرة والفلفل نبات هندي مشهور، والكمون، والقرفة، والكزبرة، والزنجبيل والقهوة بأنواعها والمكسرات بأنواعها والبهارات كذلك له انواع كثيرة وخلطات وأصناف.
الصنف
هناك خلطات تقوم بها المرأة الكويتية بنفسها وهي تختارها اي الاصناف المكونة منها هي تنظفها وتخلطها ثم تأتي بها الينا ونحن دورنا يقتصر على الطحن تأخذه وقد تضيف اليه شيئاً على حسب رغبتها فكل طعام له بهاراته بعض النساء يضفن البصل الناشف وبعضهن غيره من المواد وهذا الأمر هو به النساء أعرف وهن زبائننا أما اذا جاء لنا رجل فتكون معه ورقة بها الطلب أو له ملف عندنا نحن طلبهم ونقدر خلطاتهم.
الشعبية
نحن تميزنا بالخلطات الشعبية الكويتية الأصيلة البهارات للمكبوس حشو البرياني ومن اسباب نجاحنا اننا نشتري الخام ونقوم بطحنه.
النجاح
نجاحنا في عملنا كان الاخلاص هو أساسه ثم جودة الاصناف التي كنا نستخدمها ثم عمل خلطات للزبون نعملها فوراً أمامه وعلى حسب طلبه ثم اننا عندما نستورد البهارات نستوردها حبوباً ونرى العينات بنفسنا ونعرف جودتها ونقوم بتنظيفها بأنفسنا.
الكل
لكل صنف من الأكل بهاراته الخاصة به فالدجاج بهارته تختلف عن اللحم وعن المرق والبرياني بهارته ايضاً خاصة به.
الزبون
احترام الزبون شيء أساسي عندنا فهو عندما يأتينا فهو ضيف عندنا نحن العرب معروفون بإكرام الضيف فنحن نرحب به نعمل الذي يريد ورغبته التي يريدها أهم شيء عندنا انه يأتينا مبسوطاً ويخرج مبسوطاً حتى يرجع لنا مرة أخرى.
المواد
مواد الخام او البهارات والقهوة وما يقوم عليه مطحنتنا من مبيع كنا نستورده من الخارج والبعض قد يكون له وكيل بالكويت فنكتفي فيه وجهة الاستيراد هي ايران وهند وباكستان والصين وكله عن طريق البحر، الهند بصفة دائمة كنا نستورد منها ثمانين في المئة من التوابل والبهارات والفلفل الاسود وكركم وعرجاء الهيل والكمون ومسمار وهو كله عرض وطلب وعمان كنا نستورد منه لومي اصحاري وكان وكيله حسين مكي جمعة أما ايران فالمكسرات فسدق وبيزان والحب وكشمش.
الحب
هناك ميزة نحن تميزنا بها اننا عندما نستورد بضاعتنا نستوردها حباً ونحن نقوم بطحنه بأنفسنا لا نستورد مطحوناً وهذا الذي جعل لنا ميزة وجودة في بضاعتنا... كذلك تميزنا باللهوم أو الحسو وهو ما تحتاجه المرأة النفساء ومازلنا مشهورين بتوافره لدنيا وهو مطلوب ونقوم بتجهيزه دائماً.
السعر
الاسعار قابلة للارتفاع والصعود والانخفاض هي مثل اسعار النفط والذهب والفضة، التغيرات طبيعة تؤثر عليها وكذلك العلاقات الدولية من حروب ونحوها.
المزاولة
لقد بدأنا في الكويت تمشياً مع رغبة المجتمع فكل مجتمع له خاصيته وطرق معيشته فالقهوة عند تحميصها نراعي درجات الخشونة بها فجعلها درجات من حيث الخشونة والنعومة هذا عند الطحن أما في حال التحميص فهناك درجات للألوان التي يحدثها الحمص والتحميص فهناك من يريد القهوة غامجة ومنهم من يريدها فاتحة ومنهم من يرغب بالوسط على حسب رغبة الزبون والعميل.
وكانت منطقة الشرق التي محلنا فيها تعج بالسكان ففيها كثافة عالية وكذلك المرقاب وجبلة والبحر كان قريباً منا حتى اننا عندما زاولنا النشاط وعرف محلنا نرى النساء من كبار السن تأتيننا من المرقاب مشياً وهي واضعة البقشه على رأسها بقشه الغسيل والقدر «وعاء» الذي فيه البهارات أو الهريس ثم تعطينا ذلك «القدر» لكي نقوم بطحنه وتكمل مشوارها الى البحر لكي تغسل ما تحمله من ملابس وعند الانتهاء تعود الينا ثم تأخذ ما وضعتها عندنا بعدما قمنا نحن بتلبية رغبتها وهكذا كنا مع زبائننا حين عملنا.
الملفات
كانت للعوائل خلطة من البهارات نعملها على حسب رغبتهم فهم يتصلون بنا ونحن عندنا ملفات بأسمائهم وبها خلطة البهارات المعينة الخاصة بهم مجرد ما يقولون نحن عائلة فلان نخرج اسمهم من الملف ونعرف قدر خلطة بهاراتهم ونعمل ما يرغبون.
أحمد
الحاج أحمد الخليل كان يتكلم اللغة الانكليزية بطلاقة وكل ذلك يعود للممارسة عنده طموح وهو صاحب كلمة صدق وأمانة كان ذا نظرة ثاقبة والكل يحترمه ويستشيره حتى في الأمور الشخصية كالزواج وغيره، أبناؤه أربعة رجال وخمس بنات ابنه عمر لايزال يواصل مهنة ابيه ومشواره.
الزواج
تزوجت سنة 1973 من فلسطين وعندي ثلاثة أولاد وبنت واحدة ولم يعمل أحد من ابنائه معي في المطحنة حيث انهم رأوا أنفسهم في مجالات أخرى فالخيار لهم حتى ابن عمي أبوفراس عمر لم يعمل ابناؤه في مهنتنا هذه فهم مثل أبناء عمومته.