د. وليد التنيب / قبل الجراحة / الكابوس
1 يناير 1970
02:48 م
قيادة السيارة فن وأخلاق وذوق وطاعة للوالدين وطاعة لولي الأمر وحب للوطن وحب للأهل والأولاد والأصدقاء
وهي دليل على حبك لزوجتك وإخلاصك لها ومدى تعلق قلبك بها...
قيادة السيارة هي دليل على رقيك وارتفاع أخلاقك ونبلك.
قيادة السيارة أو المركبة كما يدعي مدرّسو اللغة العربية...
أو قيادة «العربية» كما يقول إخواننا المصريون.
إن كانت قيادة المركبة أو السيارة أو «العربية» هي كل ما ذكرت سابقاً وأكثر، فإذاً تعال معي واستمع أو استمتع...
أقصد اتعظ، أو «تدري شلون كيفك»... المهم حاول أن تفهم.
كان يوماً كئيباً منذ البداية... أحلام مزعجة أو كوابيس استيقظت عليها ولا أدري ماذا أفعل.
استعذت من الشيطان الرجيم وذكرت الله.
حاولت أن أنسى الكوابيس، لكنني لم أستطع.
قررت قراءة الجريدة، وما بها من أخبار أنساني كل الكوابيس، وأصبحت كوابيسي مقارنة بما قرأت ألعاب أطفال كما يقولون...
لم أكن معتاداً على الكوابيس، فهذه المرة الأولى التي أحلم بكوابيس في حياتي.
بعد قراءة جزء من الجريدة، عرفت واكتشفت لماذا يتهافت أبناء أوطاننا على قراءة الجريدة.
إنهم يقرأون الجرائد لينسوا كوابيسهم وأحلامهم المزعجة...
أخيراً اكتشفت أهم فائدة للجريدة.
أثناء قراءتي للجريدة التي تجعل كوابيسك وأحلامك المزعجة لا شيء إذا قارنتها بما تقرأ... اتصل بي صديقي جاسم.
يا لها من صدفة! فجاسم من أشد الناس تعلقاً بتفسير الأحلام وتصديقاً لما يقرأ أو يسمع عن تفسير أحلامه...
فهو مواظب على زيارة معارض الكتب لشراء كتب تفسير الأحلام فقط...
في السنة الماضية دعاني للذهاب معه إلى معرض الكتاب، والحقيقة أنني لم أصدق ما شاهدت!
فقد كان التدافع على شراء كتب تفسير الأحلام شديداً بين الناس من كل الفئات بلا استثناء.
يبدو أننا نحلم كثيراً، وهذا يفسّر قلة إنتاجنا أثناء العمل... هذا إن ذهبنا إلى العمل!
هل أسأل جاسم عن حلمي هذا؟ قررت أن أكتفي بقراءة الجريدة علاجاً لكابوسي وحلمي المزعج، فهي أكثر من اللازم كما أعتقد...
دعاني جاسم لزيارته في منزله الجديد...
فجاسم قد صبر وصبر حتى حصل على بيت حكومي.
بالحقيقة، كان جاسم محظوظاً، أو قل لديه واسطة قوية، فلم ينتظر إلا عشرين سنة لكي يحصل على البيت الحكومي... حظه «يكسر الصخر» كما يقولون!
لا أريد أن أحسده، فقد حصل على بيت قريب من الحدود الشرقية للبلد لا يبعد إلا ساعة وخمس وأربعين دقيقة فقط عن بيت أهله، أي عن المدينة.
أصرّ جاسم على الدعوة، وأصررت على الاعتذار، ولكنه كعادته انتصر عليّ وقبلت الدعوة.
كانت دعوة على العشاء...
أنا من سكان المدينة... العشاء عند جاسم يعني الخروج من منزلي بعد صلاة المغرب لكي أصل في الوقت شبه المناسب.
أما العودة من عند جاسم، والذهاب إلى العمل في اليوم التالي، فلن أفكر بهكذا موضوع الآن...
بعد صلاة المغرب صعدت سيارتي واتجهت إلى بيت جاسم...
بعد القيادة لمدة ساعة تقريباً، بدأت الأمور تزداد تعقيداً...
الشارع جديد ولكن ليس به خطوط تنظم حارات السيارات...
كانت فعلاً تجربة أسوأ من كوابيسي وأحلامي المزعجة.
لا احترام أبداً بين الناس...
إذا كنا مع وجود الخطوط لا نحترم الطريق، فكيف مع عدم وجود خطوط تفصل الحارات عن بعضها البعض؟
الكل يظن أنه في الحارة الصحيحة، والكل ينظر إليه على أنه ليس كذلك...
إنه القانون المفقود الآن، لقد فقد الدستور الذي ينظم الطريق كما فقد الدستور الذي ينظم حياتنا...
الحياة المدنية من دون دستور وقانون ينظمها تصبح كالطريق المعبّد بشكل صحيح، ولكن من دون خطوط تمنع تداخل السيارات وتنظم السير...
خطوط تحفظ للكل حقه بحارته التي اختارها...
خطوط تنظم عملية الانتقال من حارته التي اختارها إلى الحارة الأخرى إذا رغب في ذلك...
إن الطريق إلى بيت جاسم كابوس لي ولكل مرتادي الطريق. كما أن عدم وجود خطوط تنظم حياتنا أصبح كابوساً للجميع...
أصبحت حياتنا أشد حاجة إلى خطوط تنظمها وتحفظ حقوق الجميع.
لم يحترم أحد الطريق إلى بيت جاسم، لأن واضع الطريق لم يحترم الجميع ولم يبذل الجهد ليوضح للجميع حقوقهم وواجباتهم.
تصورت أنني لن أصل إلى جاسم، فالطريق كابوس مخيف...
قررت الوقوف في حارة الأمان والاتصال بجاسم!
للأسف، لا توجد خطوط لتوضح لي وللجميع أين حارة الأمان... أرجوك حاول أن تفهم!
الكل يقود سيارته أينما يشاء، فلا أمان لهذا الطريق.
حاولت أن أبحث عن سيارات للأمن التي تنظم المرور، ولكن لا وجود لها في هذا الطريق...
وصلت إلى منطقة بيت جاسم بعد صعوبات نفسية بسبب عدد الحوادث الكبير الذي شاهدته أثناء سيري في هذا الطريق...
تمنيت لو أني رفضت الدعوة، ولكنها أصبحت أمنية...
دخلت منطقة صديقي جاسم وعندي العنوان المحتوي على رقم القطعة ورقم الشارع والبيت...
لم أجد أي علامة للتعريف بأرقام القطع أو الشوارع أو البيوت، فهي منطقة جديدة!
اتصلت بجاسم ليأتيني عند مدخل المنطقة ويأخذني إلى بيته، ولكن جهازه النقال كان مقفلاً...
يبدو أنه حلمي المزعج أو كابوسي بدأ يتحقق!
لا مفر لي عزيزي القارئ إلا أن أذكر لك حلمي لعلي أجد تفسيراً له عندك... أو أن تساعدني أو تخفف عني معاناتي...
كان حلمي أنني كنت وزيراً جديداً لم تمض على تعييني إلا أيام قليلة، كنت جالساً في الوزارة داخل مكتبي، وفجأة قررت أن أقوم بجولة داخل الوزارة...
اكتشفت أن أكثر من نصف الموظفين غير متواجدين بالرغم من أن الكشوفات وأجهزة البصمة تثبت تواجدهم على رأس عملهم....
قررت أن أعاقب الجميع...
نعم، كل من كان غير متواجد من غير عذر... أي الكل.
بعد قراري هذا، جاءني معظم أعضاء مجلس الأمة يطلبون مني بكل لطف وغير لطف أن ألغي قراري هذا...
كان مدير مكتبي قد أدخل عليّ أعضاء مجلس الأمة واحداً تلو الآخر، وكل واحد منهم يطلب مني أن ألغي قراري وأن أتجاوز القانون...
لكنني رفضت طلبهم كلهم متسلحاً بالقانون...
قرروا جميعاً استجوابي...
وتسابقوا على استجوابي إرضاء لناخبيهم...
فعلاً بدأ الاستجواب، وقالوا فيّ كل جمل وصفات التسيّب والإهمال، وأنني لا أطبق القانون...
عندما بدأت بالرد، كل ما فعلته هو وضع تسجيل بالصوت والصورة لما دار داخل مكتبي مع كل واحد من الأعضاء وكلي ثقة بأني سأنال ثقة الحكومة والشعب، فقد طبقت القانون وكشفت الفساد و المفسدين...
التفتّ خلفي وكلي فخر بما فعلت لأرى زملائي الوزراء، فإذا بي لا أجد أياً منهم...
حتى رئيس مجلس الوزراء الذي طالبنا من الاجتماع الأول معه بتطبيق القانون ومحاسبة المقصرين ومواجهة النواب بالقانون، تركني وحيداً بين الذئاب!
وقال لي مستشاري الذي كان جالساً بجانبي إن رئيس الوزراء هو من أشار للوزراء بالانسحاب...
وبدأ الأعضاء ينهشون بي وأنا أحاول أن أرد عليهم كوني متسلحاً بالقانون وتسجيل بالصوت والصورة يوضح من المفسد...
بدأ الأعضاء يضربونني بالأحذية والنعال، وكل ما تصل إليه أيديهم، فقد فضحتهم أمام الشعب وأنا وحيداً أمام الكل أتلقى الضرب والسب وحركات غريبة باليد لم أستوعبها...
هنا أفقت من النوم وكان أسوأ كابوس حصل لي في حياتي...