على مدى يومين حشدت وزارة الاوقاف عددا كبيرا من المشايخ والعلماء والدعاة للمشاركة في مؤتمرها «المناهج الشرعية للاصلاح» برعاية امير البلاد، ودارت محاور المؤتمر حول المنهج الصحيح للاصلاح وبيان الاخطاء التي وقعت بها المناهج والدعوات غير الشرعية.
لقد اوصاني اكثر من اخ من المهتمين بذلك بتوصيل رسالة الى منظمي المؤتمر بأنه كان من الافضل لو اشركت الاوقاف اصحاب الآراء المعارضة حول مناهج الاصلاح لكي يتم اثراء الموضوع وتجنب الحديث من طرف واحد فقط، وها انذا انقل وجهة النظر هذه الى الاوقاف بالرغم من معرفتي بأن هدف الوزارة هو تأكيد الحاجة الى منهج واضح للاصلاح مع ذكر ادلته العلمية واثباتاته عن طريق حشد آراء عشرات المشايخ من شتى بلدان العالم الاسلامي ليتكلموا عن هذا الموضوع دون ان يشذ احدهم عن هذا الرأي، وهذه الطريقة وان كانت نوعا من التوجيه المباشر إلا انها تفيد في توجيه الناس الى امر مهم لاسيما في مثل هذه المواضيع المهمة حتى لا يتشتت الناس في الخلاف.
وقد ذكرت في بحثي عن المناهج غير الشرعية واثرها السييء ما يلي:
تشويه قضية العلاقة بين الحاكم والمحكوم:
اما في قضية العلاقة بين الحاكم والمحكوم فإن تلك المناهج المنحرفة قد شنت حملة ظالمة على الدعوات الاسلامية التي تحدثت عن وجوب طاعة ولي الامر واعتبرتها ردة عن الحداثة والتقدم وحقوق الانسان، بل وبالغ الكثير منهم في اتهام العلماء الربانيين بأنهم علماء السلاطين وبأنهم متخاذلون وجبناء لعدم تشنيعهم على الحكام الذين تصدر منهم بعض المخالفات الشرعية، بل وفي كثير من الاحيان وقوفهم ضد الحكام المسلمين وتحريض الناس عليهم بسبب مواقف دستورية وقانونية لم يتقيدوا بها.
ولاشك ان الموقف من الحكام والامراء المسلمين يعتبر من القضايا المهمة التي عالجها الاسلام في كثير من الايات والاحاديث وفي سيرة السلف الصالح رضوان الله عليهم ووضع لها الضوابط التي فصلها علماء الدين وحذروا الناس من تخطيها وذلك لاهميتها البالغة وخطورة مخالفتها، لكن الامر لا يتعلق بأمر غيبي بحت لا يمكننا فهم الحكمة من ورائه بل ان مقاصده واضحة وضوح الشمس وتدل حوادث التاريخ الاسلامي الكثيرة على اهميته، وكم من فتن حدثت في السابق وفي العصر الحالي بسبب تجاهل تلك القواعد المهمة والاصرار على تغيير منكر الحكام من دون مراعاة للضوابط الشرعية.
يذكر الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق - حفظه الله - في كتابه (فصول من السياسة الشرعية في الدعوة الى الله) ص 141 - (نشرته جمعية احياء التراث الاسلامي - الكويت).
(لم يكتف اهل السنة والسلف بالاستدلال بالنصوص فقط لتأييد وجهتهم في عدم جواز انكار منكر الامام المسلم بالسيف والاكتفاء فقط باللسان والقلب، بل ابدوا آراءهم بالادلة العقلية ايضا، واما اهل السنة فإنهم قالوا: بل الضرر الواقع على جمهور المسلمين من ذلك اشد من انحراف الحاكم وظلمه، فإن السيف اذا وقع بين الامة وقعت بسببه مفاسد كثيرة، فالامام لابد وان ينحاز له كثيرون معه، لاسيما اذا كانت الشوكة بيده كالسلاح والجيوش وهؤلاء حتما سيتعصبون له، ومن ذا يستطيع ان يصل الى الامام دون ان يقع القتل في مسلمين كثيرين يتترس بهم الامام؟! وهذه الاحداث شواهد على ما نقول، والادهى من ذلك ان المنافقين من الحكام الذين يظهرون الاسلام وقد يبطنون غيره سيتخذون من خروج بعض المسلمين عليهم ذريعة الى التكتل بالمسلمين عامة، واستئصال جذوره من المجتمع والتضييق على دعاته، وقد فعلوا ومازالوا يفعلون ذلك عند كل بادرة يقام فيها في وجههم باليد والقوة.
وهنا يقول الجاهلون الاغرار واذا كان الامر كما نقول فمعنى هذا ألا ينشر الدين ولا ينشر الاسلام بل ما يبنيه الدعاة في عام قد يهدمه السلطان المنافق في يوم، وهذا القول فيه من الجهل بأمور كثيرة وذلك ان كلمة الحق اقوى من جبروت السلطان مهما كان، وصبر اهل الحق على حقهم وتعرضهم للاذى في سبيله وانتظارهم لفرج الله ورحمته كل ذلك من عوامل انكسار الباطل واندحاره مهما كان هذا الباطل، واذا فرضنا في السلطان النفاق وادعاء الاسلام زورا وبهتانا فكيف اذا كان محبا للاسلام محبا للخير قد يحجم عن بعض تشريعاته لرغبة او رهبة دنيوية؟! وقد يحب ان يسود الدين والفضيلة ولا يجد اعوانا للخير يعينونه في ذلك، وافتراض الشر دائما بالسلاطين من اتباع الظن ومن الحكم على القلوب التي لا يطلع عليها إلا الله ونحن نعلم ان القلوب بيد الله يصرفها كيف يشاء.
شهادة التاريخ
والان ماذا صنع الذين ارادوا تقويم عثمان رضى الله عنه بالسيف؟ وماذا صنع الذين خرجوا على علي؟ والعباسيون هل كانوا خيرا من الامويين؟ وهل كان الشريف حسين الذي خرج على خلافة العثمانيين على ما فيها خيرا منهم؟ وماذا صنع الذين لا يفتأون يلوحون بقبضاتهم في الهواء ويزمجرون بها في السراديب؟!) انتهي.
قد يقول قائل: ولكننا لم نتكلم عن قتال الحكام ولكن عن وجوب احترامهم وطاعتهم بينما هم مقصرون في واجباتهم ظالمون لرعيتهم وللرد على ذلك قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، (كما ان ولاة الامر من الامراء والسلاطين يجب احترامهم وتوقيرهم وتعظيمهم وطاعتهم حسب ما جاءت به الشريعة لانهم اذا احتقروا امام الناس واذلوا وهون امرهم ضاع الامن وصارت البلاد في فوضى ولم يكن للسلطان نفوذ ولا قوة).
فهذان الصنفان من الناس: العلماء والامراء اذا احتقروا امام اعين الناس فسدت الشريعة وفسد الامن وضاعت البلاد، ولهذا امر الله تعالى بطاعة ولاة الامر من العلماء والامراء فقال (يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
اتمنى ان يطلع الجميع على محاضرات وندوات المؤتمر ليعم النفع على الجميع.
د. وائل الحساوي
[email protected]