رولا فاضل / النازحون السوريون ... من غضب النظام إلى غضب الطبيعة

1 يناير 1970 07:28 ص
| رولا فاضل |

عندما شاهدتُ بعض الصور والأفلام التي التُقطت لبعض النازحين السوريين في بعض دول الجوار خلال اليومين الماضيين بعد العاصفة الثلجية التي ضربت المنطقة، فهمت جيداً لماذا بكى أحد أصدقائي السوريين بكاء ً مرّاً في ذلك اليوم.

فهمت أن سبب بكائه الشديد هو حرقة ٌ نابعة ٌ من احساس بالألم بعد أن كان يتابع أخبار أبناء بلده في الداخل وفي ملاجئهم في الخارج. فهمت أن أطفال سورية يختبئون بين أكوام النفايات خوفا ً من قصف الطائرات وينامون في المقابر هربا ً من شبح الموت. فهمت أن آلاف السوريين مهددون بالجوع بسبب نقص الطعام، مهددون بالمرض بسبب نقص الاحتياجات الأساسية ومتطلبات الحياة ومهددون بالموت بسبب الصقيع ونقص مستلزمات التدفئة. فهمت أن السوريين الذين نزحوا من بيوتهم هربا ً من القتال و الدمار، ينزحون من خيامهم مرة جديدة بعد أن تسببت الرياح العاتية وغزارة الأمطار بدمار خيامهم واقتلاعها من أسسها وغرقها في مستنقعات وبحيرات من مياه الأمطار. فهمت أن خطر الموت الذي كان يهددهم في سورية كان أهون عليهم بكثير من ذلّ البرد والجوع والتشرّد.

ولكن ما لم أفهمه هو وقوف المجتمع الدولي بمن فيه الدول العربية، مكتوف الأيدي دون تحمّل أي مسؤولية جدية ودون قيامه بأي من الواجبات الانسانية الموكلة اليه؛ فاطلاق التصريحات والشعارات في الوقوف الى جانب الشعب السوري غير مجدية، ان لم تترافق أقلُه مع تقديم الدعم الحقيقي والصادق كالخدمات الأساسية للاجئين السوريين المقيمين في مخيماتٍ تفتقر إلى متطلبات الحياة الأساسية. ما لم أفهمه هو الخطاب الاعلامي الأميركي والأوروبي الجديد الذي يدعو الى حلول سياسية يتم التوافق عليها من قبل جميع مكونات الشعب السوري، بعد أن كان التهديد والوعيد من قبل هذه الأطراف بالتدخل العسكري ضدّ النظام في سورية سيّد الموقف. ما لم أفهمه هو استمرار التعزيزات العسكرية الروسية المتمركزة في طرطوس بعد أن كنا بدأنا نلمس تغيرا ً ملحوظا ً في موقف روسيا ازاء النظام السوري أخيرا ً. ما لم أفهمه هو استمرار تشبّث نظام الأسد بالسلطة برغم التضحيات والدماء التي يقدمها أبناء هذا الشعب الذي يثبت يوما ً بعد يوم أنه لن يستسلم قبل أن يستعيد كرامته، لأنها أعز ما يملك. ما لم أفهمه هو قيام المعارضة المسلحة بمثل ما يقوم به النظام وربما أسوأ، من تنكيلٍ و بطشٍ في حق شعب السوري وتصفية دمائه، واباحتها كل الوسائل من أجل الوصول الى السلطة. ما لم أفهمه هو تجرّؤ وزير الطاقة والمياه اللبناني جبران باسيل على استخدام تعابير لم ولن تقلل من شأن الشعب السوري الأعزل الذي يمرّ بمحنة يبكي عليها الحجر قبل البشر، والذي نزح الى لبنان فقط بسبب هربه من الحرب الدائرة في بلاده والذي من باب التذكير، لم يألُ هذا الشعب جهدا ً في استقبال النازحين اللبنانيين خلال الحروب التي مرّت على لبنان.

لم أعد أفهم ربما لتعدد أسباب تغيّر قواعد اللعبة الدولية؛ فربما بدأ اللاعبون الدوليون يحرصون أكثر على مصالحهم الاقتصادية والاستراتيجية أو ربما غيروا قواعد اللعبة خوفا ً من جدية انقسام المعارضة السورية واختلاف أهداف المعارضة المسلحة عن المعارضة «المنظّرة» من المنابر الخارجية.

ان تغيرت قواعد اللعبة أو لم تتغير، فثقافة القمع والدمار والموت ولغة الاذلال والاهانة هي السائدة في صفوف الشعب السوري الذي ان لم نستطع مساعدته بأيدينا فلنساعده بقلوبنا وأرواحنا وصلواتنا.