مها بدر الدين / خطاب الأسد... يحرق «الأخضر» واليابس
1 يناير 1970
07:42 ص
كعادته دائماً، يصوم دهراً وينطق كفراً، هذا هو حال بشار الأسد منذ 22 شهراً من عمر الثورة السورية العظيمة، ينكفئ على نفسه أياماً وشهوراً خلف أسوار قصره، ثم يخرج علينا (بنصيحة ناصح) بصورة أسد هائج يرعد ويزبد ليدب الرهبة في قلوبنا التي سقطت منذ وقت طويل.
ومرة أخرى، يؤكد للسوريين أنهم لم يخطئوا أبداً عندما اختاروا الثورة عليه للتخلص من فلسفته الجدالية وحكمه الاستبدادي لشعب عريق صنع حضارة وعلماً وفلسفة، فقد بدا في خطابه الرتيب والمكرر، نموذجاً مثالياً للمريض النفسي الذي يعاني انفصالاً تاماً عن الواقع، لا تتوافر الرغبة لديه بالتخلي عن برجه العاجي المشيد على آلاف الجماجم السورية، مع إصرار غير منطقي على قلب الحقائق، وتقديس الذات، كما أظهرت خلفية المسرح الذي وقف عليه والتي تشكلت من صور ضحاياه، سلوكاً سادياً جامحاً لم يرتوِ بعد من عذابات ودماء السوريين.
كما أكد للمجتمع الدولي عامة وللغرب خاصة من خلال أطروحاته المكرسة لحكمه، بأن لغة الحوار مستحيلة مع هذا الكائن النرجسي الذي لم يعد يمثل سوى نفسه، وأن محاولته المكشوفة بالتذاكي السياسي كشفت أن ما تعول عليه الدول العظمى لفرض مصالحة سياسية يكون هو طرفاً فيها قد انتهى بانتهاء خطابه السقيم، وأن التفاوضات التي تجري بين الرأسين الروسي والأميركي لإيجاد حل سياسي يكون فيه النظام السوري شريكاً فيه قد فشلت أمام إصراره على التمسك بجلوسه هو شخصياً على كرسي الحكم في سورية.
هذا الإصرار والتعنت والاستفزاز السياسي ومحاولة فرض شروطه على معركة هو أضعف الأطراف حالياً بها، يجب أن يحرج أصدقاءه الذين يتشدقون بأنه لا بديل عن الحل السياسي للأزمة السورية، وأخص بالذكر هنا روسيا التي غامرت بموقعها السياسي ودورها الدولي في سبيل الوصول إلى تسوية سياسية تضم بقايا النظام لضمان مصالحها في هذه المنطقة الجغرافية المهمة، فقد أغلق عليها الأسد برفضه لفكرة الانتقالية، ووضعه حلاً سياسياً هو محوره وهدفه ونتيجته، منافذ الوصول إلى حل يرضيها ويضمن مصالحها بعد أن أعلنت أخيرا أنها غير متمسكة بشخص الأسد بقدر تمسكها بالنظام القائم خوفاً من انهيار الدولة.
ولعل الحرج الأكبر الذي من المفترض أن يسببه الهذيان السياسي في خطاب الأسد هو للأخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي المكوكي، الذي استمات هو أيضاً بجميع خططه التي قدمها منذ بدأ مهمته المشكوك فيها، بالإبقاء على قواعد النظام السوري في بناء أي تسوية سياسية للأزمة، وضمان دور قيادي لأحد أركان النظام على الأقل في تشيكلة أي حكومة سورية مستقبلية، لكن إصرار الأسد بأنه العمود الأساسي في هذا البناء، وتوجيهه رسالة واضحة بأنه يكون أو لا نكون، قد أذهب جهوده أدراج الرياح بعد قضاء خمسة أيام في دمشق المشتعلة للتشاور والتفاوض، وقوض مساعيه الأممية التي كانت أصلاً مجحفة بحق الشعب السوري وتصب في مصلحته ومصلحة نظامه العائلي والطائفي، وكأنه كان متعمدا أن يحرق زرع الإبراهيمي الأخضر منه واليابس، لتكون كلمته هي العليا بعد أن استشعر ميلاً روسياً وأميركياً نحو خطة المبعوث الأممي المكلوم بموت خطته مع خطاب الأسد.
الآن، وقد خطب بشار الأسد وأدلى بدلوه الفاسد في ما يجري على الساحة السورية، وتأكد القاصي والداني بعدم إمكانية التحاور مع هذه الشخصية، وعدم أهليته وشرعيته السياسية لقيادة شعب عظيم كالشعب السوري، هل ستتغير محاور التفاوض والتشاور وتختلف الرؤيا والمناظير، وهل سيدرك المجتمع الدولي عدم جدوى الرهان على فرس أعرج في سباق دموي، ويقرر بأن الآوان قد حان لرفع سقف مستوى الحوار السياسي حول الأزمة السورية وإسقاط كل المتطفلين من هذا الحوار وأولهم بشار الأسد.
وهل سيعيد المبعوث الأممي حساباته من جديد وهو الذي تتكلف رحلاته إلى دمشق إزهاق المئات من أرواح السوريين، فينظر إلى ما يجري على أرض الواقع بنظرة أكثر واقعية وإنسانية وبمهنية سياسية رفيعة تجد حلاً ناجعاً لأزمة تحتاج إلى نهاية سريعة، أو يستقيل من مهمته ويعلن فشلها بعد أن حشره الأسد في زاوية ضيقة يصعب معها الرؤية والتحرك.
وهل ستبقى الفئة الصامتة من الشعب السوري والتي تشكل نقطة توازن بين النظام والثورة، متعلقة بآمال واهية بعودة الرئيس الضال عن ضلاله، بعد أن أكد في خطابه نيته باستمراره في غيه وبالمضي قدماً على الطريق الدموي الذي اختاره حلاً لأزمة يمر بها الوطن، أم آن الأوان أن تأخذ هذه الفئة موقفاً يحدث فرقاً على كفتي الميزان فإما كفة سورية المستقبل والحرية والكرامة والتغيير، وإما كفة سورية بشار وماهر وأنيسة وبشرى وشبيحة الأسد، كما هتفوا عالياً في أوبرا الشام الحزينة.
مها بدر الدين < p>