الأجوبة المفيدة / عن أسئلة العقيدة

1 يناير 1970 12:29 م
من كان بالله تعالى أعرف

كان من الله تعالى أخوف (3)



إنه لا سبيل إلى انشراح الصدر وقرة العين وطمأنينة القلب وراحة البال: إلا بمعرفة الله تعالى بأسمائه الحسنى الدالة على الجلال والجمال والكمال.

لذا فإن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم: وافت أهل الأرض أحوج ما كانوا إليها، فإنهم كانوا بين عباد أوثان، وعباد صلبان، وعباد نيران، وعباد الكواكب، ومن هم مغضوب عليهم قد باؤوا بغضب من الله، ومن هو حيران لا يعرف ربا يعبده ولا بماذا يعبده، والناس يأكل بعضهم بعضا، من استحسن شيئا دعا إليه، وقاتل من خالفه، وليس في الأرض موضع قدم مشرق بنور الرسالة، وقد نظر الله سبحانه حينئذ إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا على آثار من دين صحيح، فأغاث الله بنبيه صلى الله عليه وسلم البلاد والعباد، وكشف به تلك الظلم، وأحيا به الخليقة بعد الموت، فهدى به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وكثر به بعد القلة، وأعز به بعد الذلة، وأغنى به بعد العيلة، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، فعرف الناس ربهم ومعبودهم غاية ما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة، وأبدأ النبي صلى الله عليه وسلم وأعاد في ذكر أسماء الله الحسنى، حتى تجلت معرفة الله سبحانه في قلوب عباده المؤمنين، وانجابت سحائب الشك والريب عنها كما ينجاب السحاب عن القمر ليلة إبداره، ولم يدع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته حاجة في التعريف بأسماء الله الحسنى: لا إلى من قبله ولا إلى من بعده، بل كفاهم وشفاهم وأغناهم عن كل من تكلم في هذا الباب، قال الله تعالى: {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون}.

وإذا تأملنا معشر المشاهدين الكرام، دعوة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام: لوجدنا دعوته قد قامت على ثلاثة أصول تتضمن كمال التعريف: الأصل الأول: التعريف بالله تعالى، وذلك بواسطة أسمائه الحسنى وصفاته العلى وأفعاله المحكمة. الأصل الثاني: التعريف بالطريق الموصل إلى الله تعالى، وهو ذكره وشكره وحسن عبادته، وهي الأمور التي تجمع للعباد: كمال الحب لله، وكمال الذل لله. الأصل الثالث: التعريف للعباد بما لهم بعد الوصول إلى الله تعالى في دار كرامته من النعيم، الذي أدناه دخول الجنة، وأوسطه رضا الله تعالى الذي لا سخط بعده، وأعلاه: تجلي الرب تعالى لأهل الجنة ورؤيتهم وجهه الأعلى وسلامه عليهم وتكليمه إياهم.

لذا فإن من كمال حكمة الرب تبارك وتعالى، وتمام نعمته علينا، وكمال إحسانه إلينا: أنه كلما كانت حاجة العباد إلى الشيء أقوى وأتم، كان فضل الله عليهم أكثر وطرق وصولهم إلى إحسانه أيسر وأسهل، ولنتأمل حاجتنا إلى الهواء، لما كانت أكثر من حاجتنا إلى الماء والغذاء: كان الهواء موجودا معنا في كل مكان وزمان، وهو أكثر من غيره، وكذلك لما كانت حاجتنا بعده إلى الماء شديدة إذ هو مادة غذائنا: كان مبذولا لنا أكثر من غيره، وكذلك حاجتنا إلى الغذاء لما كانت أشد من حاجتنا إلى المسكن: كان وجود الغذاء أكثر، وهكذا، ومعلوم أن حاجتنا إلى معرفة ربنا وفاطرنا ومعبودنا جل جلاله فوق مراتب هذه الحاجات كلها، فإنه لا سعادة لنا ولا فلاح ولا صلاح ولا نعيم إلا بأن نعرف الله ونعبده، حتى يكون هو وحده غاية مطلوبنا، ونهاية مرادنا، وذكره والتقرب إليه قرة عيوننا وحياة قلوبنا.

فإذا علمنا أن ضرورتنا إلى معرفة ربنا ومحبته وعبادته والتقرب إليه فوق كل ضرورة من ضروريات الحياة من الهواء والماء والغذاء: كانت الطرق المعرفة لنا بربنا أيسر طرق العلم على الإطلاق وأسهلها وأهداها وأقربها، وبيان الرب تعالى لها فوق كل بيان، وكانت عناية العباد بهذا الباب فوق كل عناية، واهتمامهم به فوق كل اهتمام، وذلك بحسب حياة قلوبهم ومحبتهم لمعبودهم ومنافستهم في القرب منه، فمن في قلبه أدنى حياة أو محبة لربه وإرادة لوجهه وشوق إلى لقائه فطلبه لأسماء الله الحسنى وحرصه على معرفتها وازدياده من التبصر فيها وسؤاله واستكشافه عنها هو أكبر مقاصده وأعظم مطالبه وأجل غاياته، وليست القلوب الصحيحة والنفوس المطمئنة إلى شيء من الأشياء أشوق منها إلى معرفة أسماء الله الحسنى، ولا فرحها بشيء أعظم من فرحها بالظفر بمعرفة آثارها.

اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماض فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك: نسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك: أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا.