خواطر تقرع الأجراس / العَرَبوفونية!
1 يناير 1970
06:00 ص
| مصطفى سليمان* |
في 18 ديسمبر الجاري كان اليوم العالمي للغة العربية الذي اعتمدته الأمم المتحدة عام 1973/ وفي 20 مارس يوم اللغة الفرنسية، وهو اليوم الدولي** للفرنكوفونية و21 ابريل للغة الصينية ذكرى مؤسس الأبجدية الصينية سانغ جيه، وفي 23 إبريل للغة الإنكليزية ذكرى وفاة شكسبير، و6 يونيو للغة الروسية، يلاد بوشكين.
أليس هناك اسم عظيم من عظماء فرنسا لتسمية يومها اللغوي باسمه؟ أليس للعرب أيضًا عظيم لتسمية هذا اليوم باسمه؟ ربما الفرنكوفونية تسمية تحمل في طياتها الحنين الاستعماري للدول الناطقة بالفرنسية؟! لكن ماذا عن العرب؟ مارأيكم بالعربوفونية!
المهم أن للغتنا يوماً عالميًّا ترعاه الأمم المتحدة. ربما اختلف العرب والعرب كالعادة على التسمية لأسباب قطرية أو قومية شوفينية! وربما اختلف العرب والفرس وغيرهم في اليونسكو على التسمية لأسباب عرقية حضارية! فكثير من اللغويين والنحويين والعلماء والفلاسفة من أصول فارسية وغيرها، رغم أن البيروني كان يقول إنه يُفضّل أن يُشتَم بالعربية من أن يُمْدَح بالفارسية، وأن ابن سينا لم يكتب المئات من مؤلفاته إلا بالعربية وكتب رسالة واحدة فقط بالفارسية هي رسالة في النبض.
اليوم لدينا 50 مليون أُميّ في عالمنا العربي وهؤلاء أُمّيُّون بالمطلق لا يقرؤون ولا يكتبون. ترى كم أُمّيًّا باللغة العربية ذاتها؟ وكم من الندوات، والمؤتمرات واجتماعات المجامع، وإصدارات المعاجم تمّت منذ الإمام علي عليه السلام، وأبو الأسود الدّؤلي، وعنبسة الفيل، وأبو اسحق الحضرمي لتدارك اللحْن في نطق العربية وتنقيطها وتشكيلها ووضع نحوها وصرفها!. وكم من الشعراء والمفكرين اشتكَوا من تقعُّر النحاة واللغويين! وكم منهم من اتّهم الناطقين بها لتقصيرهم في درسها وتدريسها، ومن اتّهم اللغة ذاتها في نحوها وصرفها، وجموع قلّتها وكثرتها، وعين الفعل فيها ماضياً ومضارعاً!
وكم من المسلسلات التلفزيونية والأشرطة السِّينمائية استهزأت و«مسحت الأرض» بمدرس اللغة العربية، الأبله والمعتوه، تُظهره بزيٍّ رثٍّ مهلهل! أو ذلك المأذون المأفون الذي يتشدّق بالفصحى بطريقة ساخرة صارخاً: أيوجد كَتْبُ كتابٍ أم لم فيه؟!
وكم من الأغاني سخرت من قواعدها! ألا تذكرون شادية: وهي تشدو (سين سؤال هل تعرفي كان وأخواتها؟ جيم جواب وَعْرَف عمّاتْها آ وخالاتها. لها أختِ تْجَوّزت والتانية تْعَجِّزِت والأختِ التالتة طلبوها تْعزِّزِت)! لذلك كنت عندما أعطي درس الأفعال الناقصة والحروف الناسخة لطلابي أكتب العنوان (كان وملحقاتها- إنّ وملحقاتها)، درءًا للتعليق والسخرية. كذلك الأمر مع (لا) النافية للجنس، أكتب (لا، النافية للنوع)، فكثيرًا ما كان الجنس بمفهومه الجنسي الجسدي يقفز كالعفريت إلى أذهان الطلاب وترتسم الابتسامات الخبيثة على الوجوه المنهومة، طلابًا وطالباتٍ!
وليلى مراد استهزأت بنجيب الريحاني مدرّس العربية: (أبجد هّوَّزْ حطّي كَلَمُن شكل الأستاذ بَأى منسجمٌ.)!
نحن نحتاج إلى يوم عربي للغة العربية وليس إلى يوم عالمي! لكن ربما يأتي الحل لمشاكلنا اللغوية من العالم الآخر! أذكر أن رئيس قسم اللغة العربية في جامعة السوربون الفرنسية عبّر عن خيبة أمل كبيرة عندما أراد اختيارَ كتب نحو معاصرة لتدريس اللغة العربية، فجمع نماذج من الجامعات العربية، فلم يرُقْ لمدرّسي القسم أي مرجع، لأنها كانت قديمة الروح جديدة الورق فقط! فكان أنْ وضعوا بأنفسهم كتباً تناسب العقلية الغربية في فهم وتدريس العربية.
يا عرب! اقتلعوا أوّلاً أميّةَ اللغة العربية من أنفسكم ثم احتفلوا بعالميتها ثانيًا!
* كاتب سوري< p>