| منى فهد عبدالرزاق الوهيب |
أجزم بأن الطفل كالبذر، ما إن تغرس البذرة في التربة الصالحة، وترعاها وتشبع حاجتها من الهواء والماء والطاقة، وتحفظها من العوامل الجوية السيئة، إلا وتنبت لك أطيب الثمار، وتظللك بأجيد وأحسن الظلال، وتنعشك بأعبق الطيب، وتضفي جمالا على المكان الذي غرسته به، فاغرس بطفلك ما شئت من القيم والمفاهيم وارعها واهتم بها، بالطبع ستنشئ جيلا طيبا صالحا مصلحا، يترك أثرا جميلا أينما حلّ، يخلد بصمةً ويختم ختما بكل لفظ وسلوك يصدر عنه.
البذرة تستمد قوتها من الجذور، والجذور لن تستطيع إمداد وتزويد البذرة بالقوت إلا إذا أسقيناها الماء، وأطعمناها التربة الصالحة، كذلك الطفل يولد لا يعرف شيئا البتة، وكأنه صفحة بيضاء تكتب فيها ما تشاء، وهنا يأتي دور المربي بغرس فضائل القيم فيه، وتتم رعايته من خلال المتابعة والمراقبة، لتصحيح أخطائه، وتقويم سلوكياته، حينها ستنتج طفلا مثاليا، مؤمنا بقيمه ومبادئه وقناعاته إيمانا تاما، وتظهر ملامح إيمانه حينما يترجمها لسلوك سوي، لكن من المهم جدا قبل أن يخرج إلى الشارع والمدرسة وتتسع دائرة معرفته، وتزداد خبراته، أن يرى من غرس فيه بذر الفضيلة، يترجم ما غرسه فيه سلوكا، حتى يكون قدوة له، ولا تكون المبادئ والقيم مجرد شعارات نظرية يدندن ويتغنى بها، دون أن يسقطها على أرض الواقع ويبلورها لسلوك مستقيم.
هناك قواعد أساسية اعتقد أنها لا تخفى على المربين وخصوصا الوالدين، هي من تجعل الطفل صلبا بقيمه ومبادئه، بل شرسا أمام من يحاول انتزاعها منه، أو التأثير عليها، بالمقابل لابد من تربية الطفل على امتلاك العقل المفتوح والروح المتعطشة للمعرفة، أي يكون هناك توازن بين مبادئه وقيمه، وبين ما يتلقاه من الخارج، بمفهوم آخر لابد أن يربى الطفل على منهج يمكنه من عرض أي معلومة تُصّدر إليه، أو خبرة يتلقاها من الآخرين، على مسطرة القيم والمبادئ وإن كانت تتوافق ولا تتعارض مع ما لديه يقبلها ويضيفها إلى رصيده، أما إن كانت غير ذلك يرفضها، ويبحث عما ينسجم ويتلاءم مع ما لديه من مفاهيم ومضامين استنبطها واستقاها من قيمه ومبادئه المستقاة من الأصول والثوابت.
من الضروري أن يربى الطفل على المراقبة الذاتية، من خلال توسيع دائرة إحساسه بتصرفاته وأعماله، وأن يؤديها كما يحب الله تعالى، كذلك علينا أن نربيه على توطين مجاهدة النفس وكبح الشهوة على نحو دائم، من بداية سن البلوغ، وعليه أن يعي أسلوب وطريقة الابتعاد عن أولئك المستخفين والغافلين، حتى لا ينجرف معهم، فيخسر خسارة يصعب تحديد عواقبها من عظمها، من المهم أن يتعلم كيف يدرك الفارق بين الأشياء كالاعتدال والتطرف، الضعف والقوة، الكرم والإسراف، الجود والسخاء والتبذير، وهكذا...
وأخيرا وليس آخراً لزاما أن يربى على كيفية التفكير مئة مرة قبل أن يخطو خطوة خاطئة، تترك في حياته أسوأ الآثار، وفي نفسه أسوأ الذكريات، ويحاول دائما من خلال خطواته الصحيحة التي يخطوها أن يكون قدوة ونموذجا ينتفع به غيره، وحتى لا نرى مستقبلا نسخا مكررة من نماذج سيئة تنازلت عن قيمها ومبادئها من أجل النيل على ما يرضي هواها، لابد أن نصون الشموع التي أشعلناها لتبقى تضيء دروب أبنائنا ودروب من يهتدي بهديهم ويقتدي بهم.
twitter: @mona_alwohaib
[email protected]