مراكز الأبحاث ومستشفيات المملكة العربية السعودية نجحت في استخدامها

الخلايا الجذعية ... قطع غيار بشرية

1 يناير 1970 07:30 م
| د.أحمد سامح |

جائزة نوبل في الطب منحت في العام 1990 لأبحاث زراعة نخاع العظم التي أنقذت حياة العديد من المرضى المصابين بالسرطان «سرطان الدم» وهو مرض** مميت خصوصا النوع الحاد منه.

وأصبحت عملية زراعة نخاع العظم تجرى في مختلف بقاع الدنيا بما فيها المملكة العربية السعودية في أكثر من مركز طبي.

ومنحت جائزة نوبل لأبحاث الخلايا الجذعية هذا العام 2012 لعالمين من اليابان وبريطانيا لأبحاثهما الواعدة في ما يسمى بالعلاج بالخلايا الجذعية أو الطب الترميمي أو جراحة صناعة الأعضاء.

وتناولنا في الدراسات السابقة بدء العلاج بالخلايا الجذعية في أرض الكنانة مصر وكيف انها أصبحت في متناول جميع مواطنيها ما دخلها في نظام التأمين الصحي. وتعالج بها أمراض التحدي الطبي الأول في مصر ألا وهو أمراض الكبد.

وتناولنا بالتفصيل أيضاً استخدام العلاج بالخلايا الجذعية في وحدات مراكز الأبحاث ومستشفيات أرض الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية وسلطنا الضوء على المجهودات العظيمة والإنجازات الهائلة في هذا المجال الطبي الواعد.

لتصبح مصر والسعودية منتجي المعرفة وليسا مستهلكين لها ويقومون بمسؤولياتهم تجاه شعوبهم حيث ان استخدام هذه الوسيلة الواعدة في الشفاء أصبحت مسؤوليات الحكومات تجاه شعوبها وتجرى الأبحاث على قدم وساق في المملكة وتتسع دائرة معارف مراكز الأبحاث بدعم من أكبر مراكز أبحاث الخلايا الجذعية في العالم.

وتحاول هذه المراكز تطبيق نتائج الأبحاث في شفاء مرضى السكري وعلاج أمراض القلب من جلطات وتلف جزء من عضلة القلب وكذلك جلطات الدماغ التي تعتبر من مضاعفات تصلب الشرايين بسبب مرض السكري الذي يشكل التحدي الطبي الأول في دول الخليج.



مقترح لمشروع انشاء وحدة الخلايا الجذعية بجامعة العلم والمعرفة «جامعة الملك عبدالعزيز» في جدة بالمملكة العربية السعودية.

وهو جهد متواضع وحلم صغير يراود أستاذا جامعيا هو الدكتور تحسين البيروتي الأستاذ المساعد ورئيس قسم علم أمراض الدم بجامعة الملك عبدالعزيز واستشاري الأمراض الباطنة والدم وزراعة نخاع العظم في مستشفى جامعة الملك عبدالعزيز بجدة ومستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث فرع جدة بالمملكة العربية السعودية.



أصبح الحلم حقيقة

الحديث عن الخلايا الجذعية ليس من ضرب الخيال ولا من الترف العلمي بل هو مجال عظيم في العلم وأمل واعد في الطب ومدخل واسع لمفهوم جديد في الصحة ألا وهو جراحة صناعة الأعضاء والترميم الطبي ومستودع قطع الغيار البشري حيث التقاء العلم بالطب والحلم بالحقيقة والخيال بالواقع.

وبدء العمل باستخدام الخلايا الجذعية يعود إلى أكثر من أربعين عاماً عندما قام طبيب أميركي بعملية زراعة نخاع العظام لثلاثة مرضى مصابين بسرطان الدم وهو مرض منشأه نخاع العظام.

بالطبع فشل الأمر في بدايته وتوفي المرضى وفصل الطبيب من عمله ليعود إلى مختبره ويجري المزيد من الأبحاث حول الكيفية المثلى لعملية زراعة نخاع العظام مرة أخرى، ولكن هذه المرة تكللت بالنجاح ليقوم الطبيب بعد ذلك بإجراء العديد من العمليات لزراعة نخاع العظام إلى أن نال في عام 1990 جائزة نوبل في الطب بسبب أبحاثه في زراعة نخاع العظام والتي أنقذت حياة العديد من المرضى المصابين بسرطان الدم وهو مرض مميت خصوصا النوع الحاد منه.

وأصبحت عملية زراعة نخاع العظام تجرى في مختلف بقاع الدنيا بما فيها المملكة العربية السعودية في أكثر من مركز طبي أشهرها هو مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث.

ومنذ منتصف التسعينات بدأت الأبحاث العلمية تشير إلى قدرة الخلايا الجذعية على التحول إلى أنسجة أخرى وليس فقط الخلايا المتخصصة في انتاج خلايا الدم ما فتح بابا واسعا من الأمل الواعد لشفاء كثير من الأمراض المستعصية وعلاجها عن طريق الخلايا الجذعية بإذن الله.



أبحاث استخدمها في علاج أمراض القلب

بالطبع بدأت هذه الأبحاث في المختبرات على الفئران وتم اجراء العديد من التجارب بدأت بمــــحاولة التــــعرف علــــى قدرة هذه الخلايا على التحول إلى خلايا قلبية حيث تم اعداد مجموعتين من الفئران وتم ربط الشريان التاجي المغذي للقلب لتصاب كلتا المجموعتين بجلطة قلبية ومن ثم تم حقن الشريان التاجي للمجموعة الأولى بخلايا جذعية ذاتية «أخذت من نخاع عظام الفئران بينما لم تحقن المجموعة الثانية بأي خلايا جذعية».

وكان من نتائج البحث المذهلة أن تحسنت الوظائف القلبية للفئران التي حقنت بالخلايا الجذعية بينما لم يطرأ أي تحسن على المجموعة الأخرى.

وباجراء دراسات جزيئية على الخلايا تبين تحول بعض هذه الخلايا الجذعية إلى خلايا قلبية.

ولعل النتيجة الأهم للبحث هو أن الفئران التي حقنت بالخلايا الجذعية قد عاشت لفترة أطول بكثير من الفئران التي لم تحقن بخلايا جذعية.

وتم نشر أكثر من مليون بحث على الفئران ونالت الكثير من الدرجات العلمية من درجتي الماجستير والدكتوراه وتم التوصل إلى الكثير من الاكتشافات العلمية بواسطة التجارب على هذه الفئران.



استخدامها لمريض قلب

مثل هذه الأبحاث دفعت بفريق علمي في إحدى الجامعات الأميركية إلى تجربة استخدام الخلايا الجذعية الذاتية على مريض شاب يبلغ من العمر قرابة العشرين عاما أصيب بفشل حاد في وظائف عضلة القلب «بسبب فيروس كوساكي في الغالب»، وضعفت وظائف القلب إلى مستوى منخفض جدا وأصبح الشاب مقعدا غير قادر على الحركة بسبب القصور الشديد في وظائف قلبه.

وأخذ ينتظر وفاة أي شخص دماغيا حتى تتم زراعة قلب جديد له مع ندرة المتبرعين في جميع أنحاء العالم ما عدا المتبرعين بالخلايا الجذعية.

عندها قرر الأطباء وبقرار شجاع أخذ الخلايا الجذعية من نخاع عظم المريض نفسه وحقنها عن طريق القسطرة القلبية في الشرايين التاجية للمريض لتتوزع هذه الخلايا الجذعية على عضلة القلب.

وتم اجراء القسطرة وحقنت الخلايا الجذعية لتحدث المفاجأة بتحسن وظائف القلب خلال فترة قصيرة من 20 في المئة إلى 42 في المئة.

وكأن هذا الشاب كان يحمل معه مستودعا من قطع الغيار البشرية مخزونة في نخاع عظمه.



اعتراض «FDA»

بالطبع أثارت هذه التجربة البشرية الكثير من اللغط وتدخلت المنظمة الأميركية للدواء والغذاء «FDA» وأصدرت أمرها بوقف الدعم المالي من هذه الجامعة والمركز الطبي بسبب أن هذه التجربة لم تجر في الاطار العلمي المتعارف عليه ولم تخضع للجنة الأخلاق الطبية والبحثية حيث تم اجراء التجربة بسرية ولم تعلن النتائج إلا بعد النجاح.

وهذا أمر غير مقبول علمياً إذ ربما تحدث بعض المضاعفات الخطيرة لذلك فإن هناك شرطا أساسياً لأي بحث على أن يخضع للمراقبة ويقر من لجنة الأخلاق الطبية في أي جامعة أو مركز طبي بدلا من أن تصبح الحال كحال الذين يدّعون علاج المرضى بأنواع من الأعشاب دون رقابة علمية أو مراجعة أخلاقية ولا يذكرون إلا قصص نجاحهم النادرة ويغفلون المئات من قصص فشلهم الذريعة وإلا لو انهم كانوا صادقين في ما يدعي هؤلاء المعالجون بالأعشاب لما مات أحد بسبب الاصابة بالسرطان ولنشروا نتائج أبحاثهم المذهلة في المجلات العلمية المحكمة بدلا من نشرها في الصحف والمجلات غير المتخصصة.



نجاح استخدامها في الأمراض المستعصية

توالت بعد ذلك الأبحاث المنضبطة حول استخدام الخلايا الجذعية ليس فقط في علاج الأمراض السرطانية بل شمل ذلك استخدام الخلايا الجذعية لعلاج الجلطات القلبية وجلطات الدماغ وانقطاع الحبل الشوكي المؤدي إلى الشلل والناتج في الغالب عن الحوادث المرورية والحروب بل وصل استخدامها إلى علاج دائم للصلع وعمليات التجميل.