خواطر تقرع الأجراس / التّطهُّر من الوثن الأكبر
1 يناير 1970
02:15 م
| مصطفى سليمان* |
في عالم الحيوان قصص «إنسانية» من التكافل تنافس مثيلاتها عند الإنسان.**
وفي العالم جمعيات ومؤسسات حكومية وأهلية وأفراد، يسارعون إلى فعل «لا يسألون أخاهم حين يندُبُهم/ في النائبات على ما قال برهانا».
بِلْ غيتس... المليونير الأول عالمياً يقول: «هل عالم الأثرياء واعٍ كيف يعيش مليارات من فقراء البشر؟ إن كان واعياً فعلى الأغنياء التدخل والمساعدة». في عام 2000 منحت مؤسسته الخيرية التي تأسست عام 1994 جامعةَ كامبردج 210 ملايين دولار لمنحته (السنوية) للطلاب. وحسب تقرير مجلة فوربز 2005 والمتخصصة بالأثرياء أنه أنفق في كثير من دول العالم الفقيرة 28.4 بليون دولار (بالباء لا بالميم!) وقدّروا ذلك بثلث ثروته وقتها. والأم تيريزا، الممرضة الكاثوليكية الراهبة ثم القدّيسة، عاشت نصف قرن في جنوب الهند بين البوذيين والمسلمين الفقراء، مع البرصان والعرجان والعميان والمقعدين... تعالج وتواسي وتداوي و... تبشِّر وتنصِّر! حتى نالت جائزة نوبل للسلام، وطوّبوها قديسة.
أحد كاتمي أسرارها ورسائلها السرية إلى الفاتيكان كشف في كتاب مثير للغاية عنوانه Come Be My Light : Mother Teresa الكثيرَ من أسرار روحها بين القلق والشك والظلامية الدينية في قضايا الإله والكون والمسيح! وقد نشرت جريدة The Dayly Mail تحليلات اعتبرتها فضائح عن تلك القدّيسة ما جعل بعض التيارات الدينية المتطرفة عندنا يشهّرون بتلك الممرضة - الإنسانة ولم يروا فيها إلا التبشير والتنصير، والقلق الديني والشك. ألم يمرّ الإمام الغزالي وهو حجّة الإسلام بهذا القلق والشك؟ ودَوَّن سيرة شكّه في (المنقذ من الضلال). لقد تغاضَوا عن نصف قرن من التّفاني في خدمة البؤساء. نعم لقد بشّرت ونصّرت؟ فأين كنتم إذاً؟ أين أطباء العرب والمسلمين بلا حدود؟ أين ممرضوهم ومبشّروهم؟ أين أثرياؤهم؟ ونحن لدينا من نذر نفسه، أفراداً ومؤسساتٍ، للخير محلياً وعربياً وعالمياً، خصوصا في آسيا وأفريقيا، دون النظر إلى العرق أو الدين أو اللون، وبالذات من السعودية والكويت وقطر والإمارات، «ما أكثرَ الأخوانَ حين تعدُّهم/ ولكنهم في النائبات قليلُ»!
أين الأزهر والإسلامَوِيُّون؟ إن بعضهم ينفث الفتاوى المسيئة للإسلام عبر بعض الفضائيات الدينية، أكثر من إساءة الرسوم الكاريكاتورية أو أفلام الفيديو.
تذكّروا فتوى «إرضاع الكبير» التي تقْشعر لها الأبدان والعقول؟ أو تحريم الاستماع إلى الغناء والموسيقى؟ أو تحريم التظاهر السلمي بحجة أن ذلك لم يكن في الإسلام؟ ألم يقل أبو ذر الغفاري: «عجبت لمن لم يجد في بيته قوت يومه كيف لا يخرج إلى الناس شاهراً سيفه»؟ ألا يدعو إلى التظاهر المسلّح!
نعم لدينا: «وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم». وكان لدينا قصاص حتى من أقرب المقربين: «... والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»! وكان هناك عدل ومساواة «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً»؟ وكانت هناك دعوة إلى الرحمة الإنسانية، فليس من المسلمين: «من بات شبعان وجاره جائع». بل: «دخلت امرأة النار في هرّة حبستها»! و«في كل ذات كبد رطبة أجر».
هذا هو ديننا وتراثنا الروحي الإنساني. فطوبى لمن يرتقي منا معارج الإنسانية متطهِّراً من عبودية المال، الوثن الأكبر!
* كاتب سوري