تقرير / هل من لغز اسمه الأردن؟
1 يناير 1970
09:10 ص
| خيرالله خيرالله |
هل من لغز اسمه الاردن؟ الجواب ان لا لغز اردنيا ولا شيء من هذا القبيل. كلّ ما في الامر أن هناك عجزا لدى كثيرين عن فهم المملكة الاردنية الهاشمية وكلّ ما هو مرتبط بها من قريب او بعيد.
لنأخذ مثلا على ذلك ما حصل هذا الشهر. طوال ايّام عدّة، كان هناك تركيز على الاردن وعلى انفجار للوضع وانضمام المملكة الى تلك الدول العربية التي شهدت تحولات كبيرة جراء «الربيع العربي». وقعت احداث عنف وكانت هناك اعمال مشينة، لكنّ الاردنيين رفضوا الانزلاق الى الهاوية وتبيّن أنّ هناك اكثرية متعلّقة بالبلد، اكثرية على استعداد للدفاع عنه. ما تبيّن بكل وضوح ايضا أن قلّة في هذا العالم العربي تعرف شيئا عن الاردن وتركيبتها والنظام فيها... وقدرتها على المقاومة في ظروف اقلّ ما يمكن ان توصف به أنها في غاية التعقيد.
قد لا يعود الجهل بالاردن، الى موقع المملكة، الذي يجعل منها مختلفة بمقدار ما يعود الى أن للبلد نفسه، من خلال تاريخه وتجاربه، تركيبة خاصة به لا علاقة لها بالدول العربية الاخرى التي شهدت ثورات انتهت بسقوط انظمة معينة كما في تونس ومصر وليبيا واليمن.
هذه التركيبة مكّنت الاردن من الدفاع عن نفسه في العام 1970 مثلا ومواجهة حملات التشكيك والتخوين من جهة والتصدي لمشروع «الوطن البديل» الاسرائيلي من جهة اخرى. هذا المشروع الذي لم يدرك عدد كبير من الفلسطينيين خطورته فراحوا يزايدون على الوطنية الحقة التي كان يتمتع بها الملك عبدالله الاوّل، رحمه الله، الذي امتلك بعد نظر افتقده معظم الزعماء العرب ثم الملك حسين، رحمه الله، والملك الحالي. قاوم عبدالله الاوّل الجهل. وقاوم الحسين، ابان الحرب الباردة، القومجيين والموجة الناصرية ثم اليساريين، كذلك مجموعة من الانتهازيين من كلّ المنابع والمشارب.
الآن يقاوم عبدالله الثاني كلّ هؤلاء مجتمعين. يضاف اليهم التطرف الديني وانتهازية الاخوان المسلمين والاطماع الايرانية وتداعيات الازمة السورية. عليه ايضا مواجهة ذلك الوضع الغريب العجيب الذي تسبب به التدخل الاميركي في العراق والذي جعل قسما من هذا البلد محمية ايرانية وساهم في الوقت ذاته في انفلات كل انواع الغرائز المذهبية التي تستغلها اسرائيل افضل استغلال من المحيط الى الخليج.
كان القرار الذي اتخذته الحكومة الاردنية قبل ايّام رفع الدعم عن الوقود والمشتقات النفطية مناسبة للدعوة الى تظاهرات واعمال مخلّة بالامن في كل انحاء المملكة. كان الهدف من تلك الدعوة ارباك الوضع الداخلي وتعطيل مسيرة الاصلاح التي يقودها الملك عبدالله الثاني...وتعطيل الانتخابات.
لا بدّ من العودة الى التاريخ الحديث للتأكد من أن الاردن لم يكن في يوم من الايّام بعيدآ عن الازمات الاقتصادية. ولكن ما يجدر ملاحظته أنّه في كلّ مرة تسببت الازمة الاقتصادية في اضطرابات، كان العلاج مزيدا من الانفتاح السياسي والاصلاحات. فعلى سبيل المثال كانت احداث نيسان-ابريل 1989 التي عرفت بـ«هبّة نيسان» مدخلا لعملية تحوّل ديموقراطي توجت بعودة الحياة البرلمانية والانتهاء من الاحكام العرفية.
ما مهّد للتحول الديموقراطي القرار الجريء الذي اتخذه الملك حسين صيف العام 1988 والقاضي بفك الارتباط مع الضفة الغربية. وضعت الاردن، عبر فك الارتباط، اللبنة الاولى للدولة الفلسطينية المستقلة التي في اساس اي تسوية على الصعيد الاقليمي. وهذا يعني في طبيعة الاحوال أن الاردن كان مهيّأ للعودة الى الحياة البرلمانية منذ ما قبل «هبّة نيسان» وذلك عبر ترتيب اوضاعه الداخلية اوّلا.
من يدافع عن الاردن هم الاردنيون. وما حال دون توسّع اعمال الشغب المفتعلة التي تلت القرار الحكومي برفع الدعم عن المشتقات النفطية الوعي الشعبي لأهمّية الدفاع عن السلم الاهلي. ترافق ذلك مع قدرة مؤسسات الدولة، خصوصا المؤسسات الامنية، على التعاطي مع اعمال العنف والفوضى بطريقة حضارية. هناك بكلّ بساطة استخدام مدروس للقوة ورغبة في تفادي سقوط ضحايا وليس تأديب المواطن.
في النهاية، لم يسقط الامن الاردني في فخّ الرد على الاستفزازات عن طريق اللجوء الى العنف. حتى عندما رفع متظاهرون شعار «اسقاط النظام» وحصل تهجّم على شخص الملك، كانت الروية هي التي تتحكم بتصرّف برجال الشرطة والدرك والقوات المولجة حماية الامن الاجتماعي. الاكيد أن ذلك لم يمكن ممكنا لولا أن الملك نفسه تحدث في خطاب القاه حديثا عن شعار «تغيير النظام». لم يجد عقدة في اثارة هذا الموضوع من منطلق أن هناك شبه اجماع على وجود نظام متصالح مع شعبه بغض النظر عن كل الاشاعات المضحكة التي تنتشر في الشارع الاردني بين حين وآخر.
لا يمكن تجاهل انّ هناك ازمة اقتصادية عميقة في الاردن. ولكن ما لا يمكن تجاهله في الوقت ذاته أنّ في اساس هذه الازمة ظروفآ داخلية وخارجية لا تخفى على احد. الاهمّ من ذلك كلّه ان يتحمّل الاردنيون مسؤولياتهم عن طريق المشاركة السياسية. الخطوة الاولى في هذا المجال الانتخابات المقبلة بعد شهرين. ان المشاركة في هذه الانتخابات تعتبر افضل ردّ على الدعوات الى المقاطعة التي يرفعها عاليا الاخوان المسلمين. هؤلاء يسعون الى تحقيق مكاسب سياسية عن طريق استغلال الازمة الاقتصادية وهم لا يدرون أن لعبتهم صارت مكشوفة. من يحتاج الى دليل على ذلك، يستطيع إلقاء نظرة على ما يدور في مصر حيث لم يتردد الاخوان في توقيع اتفاق مع الصندوق الدولي في خضم الحرب الاخيرة في غزّة. هل في استطاعة الاخوان، المتعطشين للسلطة، اختراع وصفات اخرى للخروج من الازمة الاقتصادية، غير المؤسسات المالية العالمية التي يكرهونها عندما يلجأ اليها غيرهم؟ المؤسف أن صندوق النقد الدولي حلال على الاخوان وحرام على غيرهم!
سيشهد الاردن مزيدا من الاضطرابات، لكن حدوده سيظل محصورآ في اطار معيّن نظرا الى وجود حدّ ادنى من الوعي الشعبي لضرورة التصدّي لهذه الظاهرة من جهة وغياب الحلول السحرية في المجال الاقتصادي من جهة اخرى. الى ذلك، هناك اطراف خارجية عدّة معنية بالاستثمارلإثارة الاضطرابات في الاردن بغية التغطية على ما يدور في سورية
أقلّ ما يمكن قوله أن دعم الاردن في هذه الايّام مصلحة عربية عموما وخليجية على وجه الخصوص. الاردن جزء لا يتجزّأ من الامن الخليجي لا اكثر. ولذلك، ما على المحك يتجاوز حدود المملكة، خصوصا أنّ الهجمة التي يتعرّض لها كلّ ما هو عربي، بالمعنى الحضاري للكلمة، ستزداد في المستقبل القريب مع قرب خسارة ايران استثمارها الكبير في النظام السوري وتوابعه في لبنان وغير لبنان!