«اعتبارات انتخابية» و «مآثر شخصية» وراء التوتر بين بغداد وكردستان
1 يناير 1970
10:16 ص
| بغداد - من حيدر الحاج |
«لا أحد يريد استمرار التوتر أو الانخراط في حرب داخلية لا ناقة لنا فيها ولا جمل»، إجابة وإن اختلفت لغة قائليها، وردت على ألسنة أربعة شبان عراقيين ينتمون الى القوميتين العربية والكردية عند سؤالهم عن التوتر الحاد بين حكومة بلادهم المركزية في بغداد وسلطات إقليم كردستان (شمال)، والذي لم تنطفئ شعلته بعد وإن هدأت وتيرتها نسبيا.
هذه الإجابة المشتركة التي صدرت من دون انتظار أو تحضير مسبق من قبل هؤلاء الشبان الذين يسعون الى تأسيس نشاط تجاري في بغداد واربيل عاصمة الإقليم الكردي، ستجد مثيلا لها يتوارد كثيرا على ألسنة آخرين غيرهم في العالمين الواقعي والافتراضي.
الحديث مع شباب لم يصلوا العقد الثلاثيني بعد، يكشف تجاهل مواطني الجزء العربي من العراق ونظرائهم الأكراد لـ«نداءات الحرب» التي تصدرها الماكينات الإعلامية والسياسية في كل من بغداد وكردستان على خلفية نزاعهما الأزلي حول قضايا خلافية عالقة تخص الأرض والنفط في مناطق متنازع على سيادتها تمتد على شكل منحنى بياني يبدأ من الحدود السورية غربا حتى الإيرانية شرقا.
كما توضح إجابات هؤلاء الشباب الهادئة والبعيدة عن لغة التشنج والتصعيد، مستوى العقلانية والحكمة لدى الجيل الصاعد والتي يبدو أن زعامات سياسية في بلاده، لاتحملهما. وتحديدا أولئك الأقطاب الذين لا يزالون يعيشون بعقليات لا تنتمي لهذا العصر الذي تتجسد فيه لغة الحوار لإنهاء النزاعات الداخلية، بل يتضح من الصراعات المستمرة بين قادة البلاد الجدد أنهم يتمسكون بمفاهيم تعود إلى عقود غابرة تسيدت فيها لغة الحروب والدمار.
وإلى أبعد من «الإجابات المسالمة»، كشف تبادل أطراف الحديث مع هذه العينة الشبابية المتعايشة، عن فهم وتحليل واقعي لأسباب الأزمة الراهنة التي قالوا ان «مصالح شخصية لزعامات سياسية تقف خلفها(...)»، وبينما لم يشخصوا اسم زعيم بعينه إلا أنهم غمزوا من قناة رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس الإقليم مسعود بارزاني تحديدا.
هذا التلميح لأناس بعيدين عن الحقل السياسي يتوارد على ألسنة العارفين في خفايا وكواليس لعبة الشد والجذب القائمة منذ عقد تقريبا بين فرقاء العملية السياسية الذين يعتبرون «شركاء الأمر الواقع» في الوقت ذاته.
إذ يقول النائب حسن العلوي الذي يحتفظ بعلاقات مع المالكي وبارزاني، إن «الأزمة بين المركز والإقليم مفتعلة من قبل زعامات تريد أن تحقق لنفسها مآثر ومنافع شخصية في الدرجة الأساس من دون مراعاة للمصلحة الوطنية وما قد يخلفه التوتر القائم في شرخ اللحمة المجتمعية».
العلوي، وهو كاتب ومثقف معروف سبق وان التقى في شكل منفرد مع الرجلين لأكثر من مرة، أكد في تصريحات متلفزة، إن «المالكي يريد من اجراءته الأخيرة كسب ود العرب والتركمان الناقمين من تصرفات الأكراد في المناطق المتنازع عليها... وبارزاني يريد توحيد البيت الكردي ودعم أبناء قوميته لتوجهاته وهو ما نجح فيه».
وفي شرحه للمقطع أعلاه، أوضح العلوي ان رئيس الحكومة الطامح للبقاء في منصبه لولاية ثالثة يريد من تصعيده الموقف مع الأكراد في مناطق النزاع كسب أصوات انتخابية في مناطق لا تحسب على قواعده الشعبية، والتفرد بالقيادة السياسية على مستوى الطائفة الشيعية. بينما بارزاني يحاول من خلال المواجهة مع حكومة بغداد «تهييج» النزعة القومية ولجم الأصوات المعارضة له داخل كردستان وتقويضها.
المشاحنات بين الرجلين زادت وتيرتها منذ انسحاب القوات الأميركية العام الماضي والتي كانت تعمل كعازل بين حكومة بغداد الاتحادية والفيديرالية في منطقة كردستان وقواتهما العسكرية المنتشرة في مناطق المختلف على سيادتها والفاصلة بين كردستان وبقية مناطق العراق.
كلام العلوي والتحليل البسيط الذي ورد على ألسنة الشباب الأربعة تجد له صدى لدى أوساط المحللين والمعلقين، إذ يرى الناصر دريد، الأكاديمي والباحث المختص في الشأن السياسي، ان «النزاع بين الحكومة الاتحادية والإقليم تم شخصنته بين المالكي وبارزاني».
ويضيف: «رغم محاولتهما إبعاد الطابع الشخصي على النزاع القائم، إلا انه ومن خلال ما يجري على أرض الواقع يتضح أن كلا الرجلين يعملان من منطلق حسابات شخصية واعتبارات انتخابية يمكن أن تزيد من شعبيتهما في المرحلة المقبلة».
ومع هذا التحليل والرؤى السياسية، يعتقد الشبان الأربعة أنهم «الخاسر الأكبر» في حال تطورت الأمور إلى ما لا تحمد عقباها ووصلت إلى حد التحارب الذي سيكونون وقوده عند اشتعال النيران في «مناطق التماس» بين المركز والإقليم التي ستشعل معها الأخضر واليابس.