رولا فاضل / شركاء في الربح ... والخاسر واحد

1 يناير 1970 07:08 ص
| رولا فاضل |

تنتهي الصراعات والحروب عادة بفوز طرف على الطرف الآخر، كما أن ثمة عادة في الحروب، رابحون وخاسرون من المشاهدين الجالسين في الصف الثاني والذين يراقبون ويدعمون أطراف القتال دون التدخل المباشر في الحرب. وفي حرب غزة التي «انتهت» بعد التوصل لاتفاق الهدنة عبر وساطة أميركية مصرية، الرابحون كُثر، واذا صحّ التعبير الرابحون هم اللاعبان الأساسيان في المعركة أي اسرائيل و حماس بالاضافة الى كل المشاركين الذين كانوا يشاهدون المعركة من مقاعد الصف الثاني.

فإسرائيل التي افتعلت الحرب، تمكنت أن تصل الى مبتغاها بأقل أضرار ممكنة في العنصر البشري بعد أن قُتل خمسة اسرائيليين فقط في عدوانها المفتعل على غزة؛ حققت اسرائيل أهدافها ان على الصعيد الداخلي أو الخارجي بالرغم من الضربة الاقتصادية الموجعة التي وجهت اليها في هذه الحرب. ففي الداخل أثبت بنيامين نتنياهو قبل شهرين من معركة الانتخابات الشرسة التي تنتظره أنه هو الطرف الأقوى الذي ينتهج خيار الحرب للدفاع عن شعبه وحماية أمنه، ويتزامن ذلك بالطبع مع اقناع حكومة نتنياهو بشكل مركز الرأي العام الاسرائيلي، الذي يحبذ دائماً خيار العنف والردع، بأنّ هذه الحرب هي حرب دفاعية ضرورية. وبذلك تكون ارتفعت أسهم نتنياهو بشكل كبير في الداخل الاسرائيلي وانخفضت حظوظ تسيبي ليفني وايهود أولمرت في التنافس على رئاسة الحكومة مع نتنياهو.

أما على الصعيد الخارجي، فلا تستطيع اسرائيل الانتظار أكثر من ذلك لمعرفة واختبار توجه وموقف جارتها الجديدة ورئيسها الجديد الذي ينتمي الى مدرسة حماس نفسها. فبعد العدوان الهمجي الاجرامي الاسرائيلي على المدنيين في قطاع غزة، جاء الموقف المصري مفاجئاً لاسرائيل التي لم تختبر أي جديد في هذا الموقف في ظل الحكم الجديد؛ فأزال الموقف المصري من الحرب على غزة قلق نتنياهو وحكومته وشعبه حيال الواقع الاخواني الجديد على حدوده والذي فرضه الربيع العربي في المنطقة. ومن ضمن الاختبارات التي قامت بها اسرائيل من خلال حربها على غزة، انها أرادت أن تختبر مدى تطور امكانات حماس الصاروخية والعسكرية في ظل تطوير ايران لهذه القدرات بشكل مستمرّ وأرادت بالمقابل أن تضع فاعلية منظومة القبة الحديدية التي تمتلكها تحت الاختبار وبذلك تكون اسرائيل قد حضّرت الأجواء لقياس موازين القوى بشكل تطبيقي عملي وتدريب حي ميداني على أراضيها وفي قطاع غزة وبالطبع على حساب دماء أطفاله وأرواح ابنائه؛ وفي هذا الصدد نجحت اسرائيل في تحقيق أحد أهداف حربها على غزة عبر حصولها على نتائج محددة حول فاعلية هذه القبة دون اعلان النتائج بشكل واضح للرأي العام بعد تضارب نسب الأرقام المنشورة حول مدى فاعليتها باختلاف المصادر.

أما البطل الآخر الذي فاز في هذه الحرب هي حركة حماس التي نجحت في أن تُظهر للجميع بمن فيهم حركة فتح أنها هي القوة العظمى في فلسطين وهي القوة الوحيدة التي تواجه اسرائيل بمئات الصواريخ محدودة الكلفة وكبيرة الفاعلية، وكما أنها تملك القدرة على ضرب العمق الاستراتيجي الاسرائيلي وهي من عملت على البنى التحتية بعد عدوان 2008 وطورت القدرات القتالية والدفاعية وعملت على زيادة مخزونها من الصواريخ بعيدة المدى ومضادات الجو والدروع، بمهارة في إخفائها وحمايتها وأدى ذلك بطبيعة الحال الى ارتفاع أسهم حركة حماس في الداخل الفلسطيني على حساب السلطة الفلسطينية. ويأتي نصر حركة حماس في حرب اسرائيل على غزة رغم أن هذه الحرب كانت بين طرفين غير متكافئين، طرف تحت الحصار والاحتلال يملك قدرات عسكرية محدودة وطرف آخر مسلح بأحدث أنواع وتقنيات القتال.

أما مصر، نجمة هذه الحرب التي سُلطت عليها الأضواء وتركزت عليها الأنظار وعُقدت عليها الآمال، حملت راية النصر بعد أن كانت راعية اتفاق الهدنة بين حماس واسرائيل ولعبت دور الوسيط الديبلوماسي بامتياز وربما «تفوّق رئيسها بالديبلوماسية على نظيره المصري السابق بأشواط»؛ فقد ظهرت مصر أمام العالم بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص مظهر البلد المعتدل الذي يبحث عن التهدئة والسلام والأمان حين دخل في مفاوضات طويلة ومنهكة مع أطراف النزاع لينجح بالوصول لهذا الاتفاق ويضمنه. وبذلك تكون مصر قد ربحت «الدور الزعامي» التي كانت تتطلع اليه في المنطقة، فهي بحاجة لاثبات وجودها كلاعب جوهري في شرق أوسط تغيرت موازين القوى فيه. وبعد أن نجحت مصر في اقرار الهدنة بين حركة حماس واسرائيل، أصبحت تستحق، بنظر الولايات المتحدة، أن تحصل على قرض صندوق النقد الدولي كما أنها أصبحت جديرة بتلقي مساعدات الكونغرس الأميركي. وبهذا تكون مصر وبوساطتها في اقرار الهدنة بين الطرفين المتنازعين قد ضربت عصافير عدة بحجر واحد، بالرغم من الصرخات والانتقادات التي بدأت تستهدف محمد مرسي من الداخل والخارج بسبب سياسته التي خذلت تطلعات وتوقعات شباب الثورة من جهة وبعض الجهات الخارجية التي انتقدت ديبلوماسية مرسي الانتهازية وعدم قيامه بخطوات نوعية وأكثر حزما لحماية الفلسطينيين من جهة أخرى، كون غزة جزء من الأمن القومي المصري وامتداد استراتيجي له.

أما الحلف السوري الايراني، فقد كان أيضاً من الفائزين في العدوان الاسرائيلي على غزة؛ ففي حين انشغل العالم بأسره في أحداث غزة و اسرائيل وتوجهت أنظار العالم بشكل كامل عما يجري في سورية وعما يرتكبه النظام بحق شعبه من مجازر، استفاد هذا النظام من ضغط التسليط الاعلامي على الحرب المتواصلة في بلاده وتمكن من ازاحة أنظار الناس والرأي العام عن سورية وحصل على مزيد من الوقت للتصعيد ومحاولة محو الثوار من الوجود على الساحة السورية. أما ايران، فقد أثبتت وجودها في الحرب على غزة بالرغم من الفتور الذي يطغى على علاقة حماس بالمحور الايراني السوري. فصواريخ فجر 5 التي استخدمتها حماس في قصف اسرائيل هي نتيجة تقديم ايران تقنية انتاج هذه الصواريخ لحركة حماس، وبذلك تكون ايران أيضا ًمن الرابحين في الحرب على غزة. فكل صاروخ يُقصَف من غزة باتجاه اسرائيل يذكّر نتنياهو وحكومته بوجود ايران وحضورها القوي المتمثل بامدادها صواريخ وتقنيات عسكرية الى غزة بالرغم من الحصار المفروض عليها.

و بما أنّ في كل حرب لا بدّ من وجود خاسر، يبقى في هذه الحرب، الشعب الفلسطيني هو الخاسر الأكبر. فهو الذي تمارس عليه اسرائيل وحشيتها وغدرها وهو الذي تُهدم منازله ويُشرّد ويروّع وينزف شبابه ونساؤه وأطفاله دماً بريئاً بصواريخ الغدر ووسائل القوة والقسر والهيمنة، تماماً كما حصل خلال هذه الحرب الأخيرة المفتعلة على غزة والتي راح ضحيتها ما لا يقلّ عن مئة وخمسين قتيلاً وألف جريح من المدنيين الأبرياء.