عين على السوق / تكرار المشهد في 2013: زيادة المعروض وثبات الأسعار

1 يناير 1970 04:54 م
بقلم: محمد الشطي*

بلغ متوسط سعر نفط الإشارة خام برنت خلال العام الحالي 2012 نحو 112 دولارا للبرميل بينما تحرك المتوسط الشهري ضمن نطاق سعري يتراوح ما بين 95 و125 دولارا للبرميل، وحافظت الأسعار على متوسط شهري 110 دولارات للبرميل خلال الاشهر اكتوبر و نوفمبر 2012، ومعلوم أن مستوى الاسعار يعكس حالة السوق.

ويشير ثبات متوسط الاسعار عند معدلات تفوق 100 خلال العام الحالي، بالرغم من هشاشة الاقتصاد العالمي بشكل واضح، إلى نجاح منظمة «أوبك» في حسن إدارة السوق بالرغم من التوترات السياسية والتي تلقي بظلالها على أهمية أمن امدادات النفط في السوق.

ويشير ثبات الأسعار أيضاً إلى تضافر عوامل عدة أسهمت في وصف حالة السوق خلال 2012 بالتوازن أهمها (1) عموم مخزون المنتجات البترولية مازال يسجل مستويات متدنية خصوصا في المنتجات الوسيطة، (2) انخفاض انتاج النفط الخام من بعض البلدان المنتجة للنفط مثل ايران، (3) تأخر عودة الانتاج من بحر الشمال، (4) استمرار تأثر الانتاج في بعض البلدان العربية من خارج «أوبك»، (5) تدني الطاقة الفائضة من الانتاج في السوق والتي تمتلكها «أوبك» وتستخدم كصمام امان في السوق، (6) بدء موسم الطلب الموسمي مع الحاجة الموسمية للتدفئة، كذلك (7) زيادة نشاط المضاربين وصناديق الاستثمار في الاسواق الآجلة تدعم بقاء الاسعار مرتفعة.

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية في تقريرها لشهر نوفمبر 2012، أن يرتفع الطلب العالمي على النفط في عام 2013 بمقدار 0.8 مليون برميل يوميا، ليصل إلى 90.4 مليون برميل يوميا في 2013. والزيادة المتوقعة تعكس أمرين: خفض بمقدار 300 الف برميل يوميا في معدل طلب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على النفط، مقابل 1.1 مليون برميل يوميا زيادة في طلب البلدان النامية على النفط، والتي تشمل زيادة استهلاك الصين بمقدار 300 الف برميل يوميا ليصل الى 9.8 مليون برميل يوميا في عام 2013.

أما على صعيد الانتاج، فإن من المتوقع ان ينخفض الطلب على نفط «أوبك» ليتأرجح حول 30 مليون برميل يوميا خلال عام 2013 مقابل الانتاج الفعلي لدول المنظمة خلال 2012 والذي استمر عند 31.3 مليون برميل يوميا. وبافتراض استمرار انتاج «أوبك» عند المعدلات الحالية خلال العام المقبل، وهي مؤشرات سلبية للسوق، فإن المعروض سيفوق المطلوب ويشكل ضغوطا متزايدة على الاسعار خصوصا في حال غياب التوترات السياسية.

إن تعافي أداء السوق النفطية وانعكاسات ذلك على مستويات الاسعار خلال السنوات المقبلة مشروط بتطورات عدة: (1) تعافي أداء الاقتصاد العالمي بشكل يرتفع معه الطلب العالمي على النفط بمعدلات عالية نسبيا (2) الزيادة في انتاج النفط الخام من خارج «أوبك» من النفط الخام تكون أقل من توقعات الصناعة (3) استمرار حالة التصعيد الجيوسياسي وتجدد المخاوف من انقطاع إمدادات النفط في السوق خصوصا في ضوء عبور ما يقارب من 17 مليون برميل يوميا من النفط الخام الى مختلف أسواق العالم.

وعلى صعيد المدى المتوسط، جاءت دراسة جديدة لوكالة الطاقة الدولية والتي تتوقع ارتفاع الطلب العالمي خلال السنوات 2012 2017، بينما تتوقع أن يرتفع الطلب على نفط «أوبك» بمقدار 200 الف برميل يوميا سنويا فقط من متوسط 30.3 مليون برميل يوميا في عام 2012 ليصل الى 31.5 بحلول عام 2017، علما بأن انتاج اوبك حاليا حسب مصادر السوق هو 31.3 مليون برميل يوميا، وهو ما يعني فعليا ثبات مستويات الانتاج الحالية خلال السنوات المقبلة، ولذلك تتوقع الوكالة انخفاض اسعار النفط الخام لتصل الى 89 دولارا للبرميل بحلول عام 2017.

وعلى صعيد آخر، تمثل التوقعات المتفائلة حول الانتاج في الولايات المتحدة الاميركية سواء بالنسبة للنفط او الغاز الدافع وراء الحديث عن امكانية استغناء السوق الاميركية عن الواردات والحديث ايضا عن ضعف نسبي في مستويات الاسعار خلال السنوات المقبلة.

وتشير تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية الى أن انتاج الولايات المتحدة من النفط الخام والمكثفات يشهد ارتفاعا متواصلا من مستوى 5.4 مليون برميل يوميا في عام 2009 الى 5.5 مليون برميل يوميا في عام 2010، الى 5.85 مليون برميل يوميا في عام 2011، ثم الى 6.33 مليون برميل يوميا في عام 2012، ثم إلى 6.85 مليون برميل يوميا في عام 2013، او زيادة مقدارها 362 الف برميل يوميا سنويا.

وهو ما انعكس ايجابا على هبوط واردات الولايات المتحدة من النفط الخام من مستوى 9 ملايين برميل يوميا في عام 2009، الى 8.9 مليون برميل يوميا في عام 2011 أي تناقص بما يقارب من المليون برميل يوميا، وتشير هذه الارقام الى ان واردات الولايات المتحدة خلال عام 2012 قد استمرت في الانخفاض لتصل الى 8.5 مليون برميل يوميا، ثم من المتوقع ان تصل إلى 8.08 مليون برميل يوميا في عام 2013 وهو ما يدعم زيادة المعروض في السوق النفطية.

تتوقع دراسة البيت الاستشاري «جي بي سي» لشهر اكتوبر 2012، ارتفاع اجمالي النفط الخام من الصخر الزيتي (SHALE OIL) في الولايات المتحدة بمقدار مليون برميل يوميا على مدار الخمس سنوات المقبلة ليصل إلى 1.8 مليون برميل يوميا بحلول عام 2017 وهي زيادة مبنية على آفاق تطوير حقول بايكن في ولاية داكوتا الشمالية وإيغل فورد، وبيرميان في ولاية تكساس بالولايات المتحدة.

وفي سياق متصل، تتوقع دراسة سكرتارية منظمة «أوبك» في دراستها والتي صدرت في نوفمبر 2012، ارتفاع اجمالي النفط الخام من الصخر الزيتي (SHALE OIL) في الولايات المتحدة ليصل إلى مليوني برميل يوميا بحلول عام 2020.

وتتراوح اقتصاديات تطوير انتاج النفط من الصخر الزيتي في الولايات المتحدة بين 60 و75 دولاراً للبرميل، حسب نوع التقنية المستخدمة، وهو ما يعادل اسعار نفط خام الإشارة برنت حاليا عند 95 دولاراً للبرميل والتي تغطي النفقات الرأسمالية ولكن هذه التكلفة مرشحة للهبوط الى 80 دولاراً للبرميل اذا ما نجحت المشاريع في انتاج النفط الخام عند معدلات كبيرة.

ويسهم تنامي الانتاج في كندا والولايات المتحدة من خارج بلدان «أوبك»، في دعم المعروض في السوق النفطية ويقيد ارتفاع الاسعار، كما ان الفائض من النفط والذي تمتلكه منظمة «أوبك» قد يشهد ارتفاعا خلال السنوات المقبلة، خصوصا اذا تم ايجاد حلول تقنية او سياسية او تجارية لبعض مناطق الانتاج والتي تشمل العراق، نيجيريا، ايران، وفنزويلا.

وعليه، فإن من المتوقع ان يؤدي تطوير النفط من المصادر غير التقليدية الى احداث تغيير في صورة الطاقة في الولايات المتحدة، وامكانية تأثر وارداتها النفطية بشكل كبير خصوصا الفائقة الجودة والشبيه بنوعية نفوط الصخر الزيتي خلال السنوات المقبلة.

وفي الجملة، فإن تأرجح مستويات الاسعار حول 100 دولار للبرميل هو رهن المؤثرات في الاشهر المقبلة سواء متوسط إنتاج منظمة أوبك أو التطورات السياسية، وهو ما يستدعي استمرار دور «أوبك» الايجابي تجاه احتياجات السوق بالاضافة إلى مزيد من التعاون ما بين البلدان المستهلكة والمنتجة لضبط المضاربين وصناديق الاستثمار في الاسواق الآجلة لتحقيق التأثير الايجابي على الاسعار لتظل ضمن النطاق المقبول في السوق.



*خبير نفطي