| منى فهد عبدالرزاق الوهيب |
صنّف أهل العلم العقل إلى صنفين، عقل ممدوح وعقل مذموم، ولم تنطلق هذه التصنيفة من أساس تركيبة العقل أو ماهيته، إنما كيف يغذي صاحب العقل عقله؟! ليمنحه الفرصة للتفكير الصحيح المبني على أسس وقواعد ثابتة لا يخرج عن إطارها ولا يتجاوز حدودها ليصنف عقله من الصنف الأول.
الأفكار لا بد لها من مطبخ تطبخ فيه ووعاء تفرغ فيه، المطبخ هو العقل، والوعاء هو الزمان والمكان الذي يختاره الإنسان ليسقط أفكاره على أرضه بشكل أفعال وسلوكيات، ولا يستقر الإنسان ولا يسعد إلا بعد أن يرى آماله وتطلعاته ورغباته تتحقق أمام عينيه.
قيل قديما: «أعطني فكرة أعطيك فعلاً، أعطني فعلاً أعطيك عادة، أعطني عادةً أعطيك شخصيتك وحياتك». الناس تختلف اختلافا شاسعاً في تقدير أهمية الأفكار، على الرغم أنهم يجمعون على أن الفكر مُحرّك الفعل، سواءً كان ذلك الفعل سلوكاً أو شعوراً، وبما أن الفكر هو المحرك الرئيس لكثير من تصرفاتنا ومشاعرنا، لابد من أن نُحسّن ونطور من تغذية عقولنا بالأفكار الإيجابية التي تعود بالنفع على الفرد والجمهور.
ما كان فوز أوباما بمقعد الرئاسة للولايات المتحدة الأميركية للمرة الثانية على التوالي، إلا بمبادراته الفكرية التي عممها وسوقها ليتحرك لها الناس بمختلف فئاتهم وأشكالهم، لحل الأزمات والمشكلات الكبرى والمعقدة في الدولة، إنه يطرح أفكاراً تجعل شعبه يفكر خارج إطار المشكلة، ليشعرهم بنداءاته وشعاراته بأنها ليست صامتة مبهمة لا يسمعها ولا يفهمها الناس وصعبة الوصول إليهم.
كان أوباما على علم ودراية بخصائص وسمات شعبه، وعرف كيف يغير سياسته إلى تغييرات عميقة تتجاوز مجرد السلوك الظاهري إلى الدوافع والأفكار، دخل من بوابة العقل الممدوح الذي غذي بالأفكار التي تتناسب مع أفكار وقناعات ومبادئ وطموحات شعبه، وكأن لسان حاله ينطق ويقول غذيت عقلي بأفكار ومفاهيم تغير واقع الأمة الأميركية بأسره، إلى انجازات عظيمة شامخة تؤدي إلى تغييرات عظيمة في حياة الوطن.
لقد غذى أوباما عقله بالفكر الذي يريده شعبه، لأنه يعلم علم اليقين بأن الصراعات التي نشاهدها في كل مكان هنا وهناك، في الشرق أو الغرب، سواءً كانت سياسية، أو عسكرية، أو اقتصادية، ما هي في حقيقتها إلا صراعات فكرية، خفية تارة، وعلنية تارة أخرى، وإن تأملنا في أبعاد وآثار الموضوع بدقة، سنرى حقيقة التجمعات والتكتلات السياسية كلها الحزبية منها والخدمية، سواء كانت على حق أو باطل، إن ما يحركها ويوجهها إما ثوابت وقواعد مرتكزة على فكر مؤصل، واما توجهات فكرية تستند على العلم المادي المجرد، تغذي العقول بما يرضي الشعوب لتجنبها الصدامات والصراعات.
من هنا أوجه نصيحة للمرشحين والمرشحات لانتخابات 2012 أعيدوا النظر بما تحمل عقولكم من أفكار ومفاهيم، إن لم تحرك مشاعر وأفعال الناس، تبقى أفكارا لا قيمة لها ولا وزن، إلا إذا أحدثت أثرا كبيرا في تغيير الحياة والواقع، بما يتوافق مع ثوابت وأعراف وأفكار وطموحات الشعب الكويتي، لا تحشو عقلك بما يتصادم مع قواعد وأصول المجتمع الدينية والدستورية والقانونية، فأنت تعلم أن العلاقة بين الحياة والأفكار علاقة متبادلة، فالأفكار تصوغ الحياة وتصنعها، والحياة وسننها تصنع أفكارنا، وتحدد آليات بلورتها وترجمتها لواقع، إن لم تؤمن بهذا النشاط الإنساني من خلال عمليات التبادل فالأفضل والأصلح لنا ولك أن تنسحب من ساحة الميدان، وتتركها لمن حروفه معانٍ وكلماته أفكار.
[email protected]
twitter: @mona_alwohaib