مها بدر الدين / «الائتلاف الوطني السوري» علاج شافٍ أم مسكن للألم؟

1 يناير 1970 06:52 ص
| مها بدر الدين |

تسارعت الأحداث خلال الأسبوع الماضي في الدوحة تناغماً مع تسارعها الدامي في دمشق، وتسابق المعارضون السوريون للوصول إلى حسم سياسي لعله يدفع عجلة الحسم العسكري لإنهاء الأزمة السورية التي تتعقد مجرياتها وتتشعب طرق الالتفاف عليها وحولها يوماً بعد يوم، وتصبح ارتداداتها الداخلية والخارجية أكثر عشوائية وأقوى في ردة فعلها من الفعل نفسه، خصوصا وأن الأطراف تكاثرت والاتجاهات اختلطت وأصبح من الصعب التفريق بين الاتجاه الموافق والاتجاه المعاكس.

وبعد مخاض عسير وطويل، ولدت من خضم هذه الفوضى المتعمدة مبادرة جديدة على يد المعارض الشهير رياض سيف تدعو لتوحيد جميع أطياف وتيارات المعارضة السورية السياسية منها والعسكرية في الداخل والخارج تحت سقف ما يسمى «هيئة المبادرة الوطنية السورية»، هذه الولادة المفاجئة لمبادرة السيد رياض سيف، والدعم الإقليمي والدولي الغربي والأوروبي لها، ورغبة بعض الدول الراعية الرسمية للمعارضة السورية من أخذ هذه المبادرة على محمل الجد، وطرحها مباشرة على طاولة الحوار للنقاش والمداولة، ورغم ما تعرضت له هذه المبادرة من انتقادات متفاوتة القيمة من هنا وهناك، إلا أنها في النهاية أسفرت عن اتخاذ الخطوة السياسية الأكثر أهمية منذ اندلاع الثورة والتي كان يجب اتخاذها منذ أمد لتجنيب السوريين المزيد من الدماء، فانبثق «الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة».

الائتلاف الجديد تميز بأصالة جميع أعضائه السياسية والفكرية، وجذورهم الممتدة في العمل السياسي المناهض للنظام السوري الفاشي، وبتمثيلهم لجميع أطياف المعارضة السورية بانتماءاتها السياسية والفكرية والدينية والجغرافية المختلفة وهو ما يعكس بشكل رائع التكوين التاريخي للمجتمع السوري منذ الأزل، فقد ضم الائتلاف أسماء معتقة في عالم المعارضة السورية تتجه غالبيتها وعلى اختلاف مشاربها إلى الاعتدال في طرح الأفكار والموضوعية في تناول الحوار والمرونة في إبداء الرأي وتقبل الرأي الآخر، كما أنها من الأسماء التي كان لها دور فاعل وأساسي في الدعوة للحراك الثوري في الداخل السوري وتنظيمه والمشاركة الفعلية في فعالياته، فعانت في هذا ما يعانيه الثائرون في الداخل من الملاحقة الأمنية، والاعتقال التعسفي، والتعذيب الممنهج، والترهيب الاجتماعي وهو ما أضفى عليها روح المصداقية ومنحها الأحقية في تمثيلها لمطالب الشعب السوري.

اليوم أصبح للسوريين ائتلاف جديد أوسع وأشمل يمثلهم أمام المجتمع الدولي الذي كثيرا ماعلق تردده في دعم الشعب السوري على اختلاف المعارضة وتشتتها، ورغم أن دول المجتمع الدولي بدأت بالتعامل مع هذا الائتلاف باعتباره الممثل الشرعي للشعب السوري، إلا أن هذا التمثيل يلقي على عاتق أعضائه مسؤولية تاريخية مزدوجة في أصول التعامل مع الملف السوري المثخن بالمآسي، فعليه دولياً أن يسارع إلى انتزاع الشرعية الدولية من جميع الدول المؤثرة على قرار إنهاء الأزمة السورية لصالح الشعب السوري، وإلى كسب التأييد الدولي والأممي المطلق لقضية شعبنا المنكل به، وهذا لن يتأتى إلا بعد توحيد الجبهات العسكرية في الداخل وإعلان قيادة عسكرية موحدة تنضوي تحت لوائها جميع الكتائب والألوية المسلحة والتي يقع على عاتقها تحرير الأرض والمواطن في الداخل، وبهذا يكون قد اكتمل الشكل الأمثل للائتلاف ليمثل الشعب السوري عن جدارة.

أما محلياً،فإن هذا الائتلاف مسؤول أمام الله وأمام الشعب على العمل بشكل جاد ومجد على إنهاء الاحتلال الأسدي للأرض السورية واستعباد آل الأسد للسوريين ومقدراتهم الإنسانية، وإيقاف آلة الحرب التي يشنها النظام السوري لإحراق البلد مقابل الانتفاضة على الأسد، كما أنه مسؤول عن تحقيق رغبة الشعب السوري في بناء دولته الحديثة الديموقراطية التي اندلعت الثورة لإحقاقها وبذلت في سبيلها الدماء الغالية، والمطلوب من أعضاء هذا الائتلاف العملاق أن يكونوا عمالقة في أدائهم للمهام التاريخية التي أوكلت إليهم والتي لن يتهاون الشعب السوري في الوقوف على أي تقصير في تنفيذها، خصوصا وأن كلفة كل يوم من الأزمة السورية يدفع ثمنها مئات من الشهداء والجرحى وآلاف من اللاجئين والمشردين وملايين من المهمومين والمقهورين على الوطن النازف.

وفي المقابل المطلوب من الشعب السوري بأطيافه ومستوياته الاجتماعية والثقافية والسياسية كافة أن يلتف حول هذا الائتلاف ودعمه وتشجيع أعضائه على العمل الجاد والسريع، وإعطائهم حقهم في فسحة من الوقت لمباشرة أعمالهم دون أي تشويش وانتقادات لا معنى لها في الوقت الحالي سوى تقويض هذا الكيان السياسي الضروري للمرحلة الانتقالية الحساسة التي تلوح خيوطها في الأفق السوري، مع إبقاء العين مفتوحة والأذن مرهفة على ما يجري في كواليس هذا الائتلاف تحسباً لأي انزلاق سياسي قد يدفع باتجاهه، خصوصا وأن أطرافاً كثيرة خارجية وداخلية لا يرضيها هذا التوحد في المعارضة الذي يضع المجتمع الدولي برمته أمام مسؤولياته التاريخية تجاه الشعب السوري.

ان الآمال كبيرة في الائتلاف الوطني السوري، والعيون السورية الحزينة تتطلع إليه بأمل كبير في مسح غبار التعب عن رموش دمشق التي تبحث عن علاج فعال وشافٍ للأمراض السياسية التي فتكت بها والتي لم يعد يجدي معها أي نوع من مسكنات الآلام المزمنة، وكما أن آخر الدواء الكي، فإن آخر آمال السوريين في إنهاء محنتهم قريباً هو هذا الائتلاف الذي لن يتوانوا عن استئصاله بأيديهم إن لم يثبت فعاليته القصوى في معالجة الأزمة الدامية.