لسنا اليوم في مجال مناقشة جواز تعديل نظام التصويت في الانتخابات البرلمانية المقبلة، فقد حسم أمير البلاد الأمر وأعلن بأنه سيصدر قراره بتعديل نظام التصويت.
إذاً فما هو واجبنا تجاه المرحلة المقبلة؟!
المعارضة قد حزمت أمرها وأعلنت بأنها ستقاطع الانتخابات وستعمل على منع استمرارها مهما تطلب الأمر من تحرك شعبي ومسيرات واعتصامات، إن الواجب هو الهدوء والسكينة مهما اشتد الأمر وعدم مسايرة المعترضين أو الوقوف في طريق استمرار الحياة النيابية، وذلك لأسباب عدة:
أولاً: إن أمير البلاد قد بين بوضوح أسباب إقدامه على تلك الخطوة، ذلك أن النظام القائم اليوم «قد أفرز جملة من الاختلالات والأمراض التي شابت جميع تلك المجالس وباتت تشكل خطراً جسيماً على وحدتنا الوطنية وتهدد أمننا الوطني وتخل بثوابتنا وقيمنا، فأدت إلى تفشي العصبيات الفئوية والاصطفاف القبلي والطائفي على حساب الولاء للوطن وبروز التحالفات المصلحية البعيدة عن مصلحة الوطن إلى جانب الإقصاء الدائم للعديد من الشرائح الاجتماعية عن التمثيل البرلماني»، وهذا أمر لا يكاد يختلف عليه اثنان.
ثانياً: إن تفسير مراسيم الضرورة وإن كان غير متفق عليه حتى بين الخبراء الدستوريين، لكن أمير البلاد رأى بأن تغيير ذلك النظام الانتخابي هو من أهم واجباته، ذلك بأن تغييره من خلال المجلس القائم شبه مستحيل، ولابد لنا من احترام اجتهاده.
ثالثاً: إذا كان نواب المجلس المقبل جادين في رفض ذلك المرسوم فإنهم يستطيعون تغييره بسهولة... عند عرضه عليهم في أول جلسة، ويمكنهم حل مجلسهم مباشرة أو تطبيق القانون الانتخابي الذي يرتضونه في المجلس الذي يليه، هذا إذا توافرت الإرادة الصحيحة للإبقاء على النظام الحالي ومنع العبث بنظام الدوائر.
رابعاً: إن إقدام المعارضة على مقاطعة الانتخابات والترشيح سيعطي قوى الفساد الفرصة للتسلق إلى دفة المجلس وتشريع قوانين قد تكون معول هدم في جدار الوطن، بل وقد يصل الأمر إلى تغيير مواد في الدستور بحيث تعمل على إجهاض الدستور بكامله، فهل من العقل والحكمة أن يتخلى الإنسان عن حرياته طمعاً في إثبات مبادئه وأهدافه؟!
خامساً: حتى في ظل التعديلات المقترحة من أمير البلاد فإن الفوز في الانتخابات البرلمانية المقبلة سيظل مرتبطا بمدى كفاءة المرشحين، وكل من يملك مقومات الكفاءة يستطيع أن يشق طريقه مهما كان نظام الدوائر، وإنما تغيير نظام التصويت الهدف منه هو منع الاصطفاف الذي أصبح سمة الانتخابات واحتكار الأصوات على مرشحين وإبعاد الكفاءات.
سادساً: لاشك أن تعامل بعض نواب المعارضة مع الموضوع بطريقة التحدي ومخاطبة ولي الأمر كما نخاطب الأطفال، والطعن في شخصيات من الأسرة الحاكمة ومن الشخصيات العامة «لن نسمح لك... لن نسمح لك... لن نسمح لك»، لا شك أن هذا الأسلوب الاستفزازي قد ساهم في الإصرار على تحدي أولئك المتحدين وكسر كلمتهم، وقد حذرنا سابقاً من استخدام تلك الوسائل المشبوهة في الوصول إلى الأهداف «فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى» هذا خطاب أمر به الله تعالى رسله أن يقولاه لرأس الكفر والطغيان، فكيف يُقال هذا القول الخشن لحاكم مسلم في قضية أقل بكثير من قضية قوانين وضعية؟!
سابعاً: كل ما نتمناه من أجهزة الداخلية هو التحلي بالحكمة في التعامل مع المواطنين والمقيمين وعدم استخدام الوسائل الأمنية المجحفة في التصدي لمن يعبرون عن استنكارهم بالوسائل السلمية، ويجب أن تدرك تلك الأجهزة بأن الدماء متى ما سالت فإن التيارات في المجتمع لن يوقفها شيء وإن الكراهية بين أفراد المجتمع متى ما انتشرت فلن يطهرها أي قانون أو إجراء مهما كان عادلاً!!
د. وائل الحساوي
[email protected]