منى فهد عبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي / خطاب الأزمة والممارسة المفهومية ...!

1 يناير 1970 12:17 ص
| منى فهد عبدالرزاق الوهيب |

هناك كثرة متكاثرة من المفاهيم التي تتوارد علينا لا ندري كيف نتعامل معها أو نشتغل عليها أو نفك معاقدها، ومن فرط تواردها أدخلتنا إلى دائرة «خطاب الأزمة»، مع أن مفردة «الأزمة» ومضامينها المعرفية لا تمتلك مقدرة توصيفية وتفسيرية لصورتنا الثقافية الواهنة، وذلك لمحدوديتها وقصور إجرائيتها، لذا سأخرج من دوائر خطاب الأزمة واستبدلها بمفردة أخرى تتوافر فيها المقدرة التوصيفية والتفسيرية لأوضاع البلاد والعباد، وتتوافق مع ممارسات وسلوكيات بعض الأفراد.

إن المفردة المؤهلة والملائمة لأحوالنا ولمقامنا التوصيفي هي كما قرأتها في أحد إصدارات الدار العربية «الفتنة المفهومية الكبرى»، والفتنة بالمعنى المعرفي في مقامنا الحالي هي ذهاب العقل وفقدان وجهته وقدرته على التدبير والتفكير، وهذا ما هو حاصل اليوم من جميع السلطات الحكومية والسياسية والشعبية، وإن سألني أحدهم وهل للشعب سلطة؟! في ظل المحنة الربانية التي نمر بها لتصقلنا وتزكينا وتمحصنا، وتكشف لنا الخبيث من الطيب، نعم للشعب سلطة!. وإن أحسّنا استخدامها ومارسناها وفق أطر المنظومات الشرعية والدستورية والقانونية سنفوز فوزاً عظيما.

إن مومياء الأفكار المتواردة هذه الأيام، والذي يعتقد بعض الأفراد بأنهم يشرّفون فكرة أو مشروعاً ستفقد نقاوتها الأصلية ومدلولاتها الأولية إن لم تؤثر في ثقافتنا وتخلص الإرادة من الضعف والوهن، هناك مسلّمات لو سلمنا بها ولم نتجاهلها أو نتجاوزها لحاصرنا الفتنة وضيقنا دائرتها وجعلناها منحة تستشرف مشروعا واقعيا تنمويا يرتقي بنا إلى القمم، من الضروري أن نؤمن بالثقافة الشمولية التي تدمج الفكر بالحياة، أي تنخرط أفكارنا المبنية والقائمة على أصولنا في كل مدخل من مداخل حياتنا، ولا نحاول فصل الفكر المؤصل تأصيلا شرعيا عن الحياة، أفكارنا هي من تبلور دقائق حياتنا.

إن الانخراط في نقد العصر والتفكير بحركة مضادة لأدوات وإمكانات العصر، لن يُشّرع مطالبنا، ولن يحقق طموحاتنا، نحن بحاجة إلى إمكانات حياتية جديدة تحقق لنا الاستقرار العقلي والتوازن النفسي وتخلصنا من الاستكسال العقلي إلى الاستنهاض الروحي، ولطالما حملنا على عاتقنا الهم المعرفي والأخلاقي يتحتم علينا إعادة الاشتغال على المفاهيم المتواردة بإعادة إبداعها وتصنيعها مرة أخرى، حتى لا تنتشر ثقافة الأحادية الفكرية والعنف الرمزي وتسطيح الوعي، وإيهام الإرادة بأن علاج مشكلاتنا بممارسة الفتنة المفهومية الكبرى، ولا بد أن يعي الأفراد بأن هذه الآليات الاحتيالية الممارسة من الطرفين المؤيد والمعارض، إن صح التعبير لا تتطابق مع مبدأ، ما هي إلا مسلك لهم لتحقيق مآربهم على حساب الوطن والمواطنين.

نحذر أنفسنا قبل غيرنا من الخوض في حرب الأفق الرحب سواء كنا مع أو ضد، كما علينا توظيف مفاهيمنا الحقيقية التي استقيناها من ثوابتنا الشرعية والدستورية، في معالجة مشكلاتنا وأزماتنا الخطابية والفكرية، لتكون لنا أداة رئيسية ندرك من خلالها العالم من حولنا، ونميز بين من يريد التأويل والتأثير على عقولنا بقراءة تفكيكية تهدف إلى تأجيج الشارع وزعزعة الأمن دون جدوى تذكر، وتؤدي إلى تفتيت نسيج مجتمعي متماسك مترابط منذ قديم الأزل، وتنفيذ أجندات داخلية وخارجية تضر ولا تنفع، تشتت ولا تلملم، تسحب ولا تودع، تمزق ولا توحد، وبين من يريد استكمال بناء وطن بدأ فيه الأجداد وتركوه أمانة لسلفهم وخلفهم وخلف السلف.





[email protected]

twitter: @mona_alwohaib