بعد اتهامه بتزويد صدام بالسلاح العام 1983

صاحب رشاش «ستيرلينغ» «يستوفي ديناً» ثقيلاً من الحكومة البريطانية

1 يناير 1970 06:36 م
| لندن من إلياس نصرالله |
صدر أمس في لندن كتاب فريد من نوعه بعنوان «استيفاء ستيرلينغ للدين: 25 عاماً لتنظيف سمعتي» لمؤلفيه جيمس إدميستون ولورانس كورمورنك عن دار «بن أند سورد» المتخصصة في الإصدارات العسكرية ويروي قصة المعركة التي خاضها إدميستون من أجل تنظيف سمعته بعد اتهامه في العام 1983 بتوريد الأسلحة إلى نظام حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي كان يخوض في تلك الفترة حربه الشرسة ضد إيران.
وكانت شحنة أسلحة مؤلفة من 200 رشاش ستيرلينغ، الذي كان يُعتبر واحداً من أفضل الرشاشات الأوتوماتيكية في العالم والذي استخدم كأحد الأسلحة التي استعملها «جيمس بوند» في أفلام الجاسوسية الشهيرة، ضُبطت 18 فبراير 1983 في غرينتش جنوب غرب لندن مُعدَّة للتصدير إلى الأردن، حيث أعلنت سلطات الجمارك البريطانية في حينه عن أن الشحنة كانت في الواقع متجهة إلى العراق. فأصيبت الدوائر الحكومية في لندن بحرج وربكة شديدين نتيجة هذا الإعلان، لأنه أوحى بأن بريطانيا غير ملتزمة بالقرارات الدولية التي تُحرِّم تصدير السلاح للعراق. فألقي القبض على مجموعة من الأشخاص الذين كانت لهم علاقة بالشحنة ومن ضمنهم إدميستون، المدير الإداري لشركة «ستيرلينغ» لصناعة السلاح وصاحبها الأساسي الذي تهافتت على شركته الطلبيات لشراء هذا النوع الشهير من الرشاشات من جميع أنحاء العالم، وتم تقديمهم للمحاكمة. حيث بُرِّئت ساحة إدميستون ودين شريكه في الصفقة ريجنالد دانك.
ومع أن إدميستون خرج بريئاً من التهمة في نهاية المطاف، إلا أن توجيه التهمة الظالمة له ترك أثراً بالغاً على حياته العائلية والاقتصادية، حيث اضطربت علاقاته العائلية وتطلق من زوجته واضطر لبيع شركته ومنزله الفخم في حي كينزينغتون الراقي وسط لندن وسيارته الـ «رولس رويس» وانتقل للعيش في مكان بسيط في الريف، معتاشاً من دخل بسيط تلقاه من العمل في وظائف بعيدة عن تخصصه الأساسي. لكنه مع ذلك قرر أن يعمل على تنظيف سمعته مهما كلف الأمر.
من حسن حظ إدميستون أنه في العام 1993 وعلى أثر حرب تحرير الكويت أثيرت ضجة واسعة في بريطانيا حول صفقات توريد الأسلحة البريطانية إلى نظام صدام حسين، فاضطرت الحكومة البريطانية إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية في الموضع برئاسة اللورد سكوت الذي كشف عن أن وزارة الخارجية البريطانية ودوائر رسمية أخرى تصرفت على نحو غير مقبول، بل فاسد، في محاكمة إدميستون ودانك.
من ضمن الأمور التي كشفها اللورد سكوت أن وزارة الخارجية أقنعت في عام 1983 ديبلوماسيين عراقيين وأردنيين بعدم تقديم شهادات إلى محكمة الأولد بيلي الجنائية الكبرى كانت في صالح إدميستون ودانك، الأمر الذي أدى إلى إدانة دانك وسجنه.
فتلقف إدميستون ودانك تقرير سكوت وخاضوا معركة شرسة ضد الحكومة البريطانية مطالبينها بتعويضهما عن الخسائر التي لحقت بهما جراء التصرف غير القانوني والفاسد من جانب موظفي الخارجية. في عام 1999 أقرت المحكمة المركزية في لندن بصواب ادعاءات دانك وحكمت له بتعويض مالي من خزينة الدولة قدره 2.2 مليون جنيه إسترليني. أما إدميستون فظل يعارك قضائياً حتى عام 2008 إلى أن أقرت المحاكم بأنه كان على حق وحكمت لصالحه وبحقه في الحصول على تعويض مالي قدره مليوني جنيه.
ويقول كورمورنيك وهو المحامي البريطاني الذي دافع عن إدميستون والذي ساعده في تأليف الكتاب، أن وكيله كان ضحية صراعات سياسية داخل الحكومة البريطانية، ونجح في إثبات ذلك، مما أصاب الدوائر الرسمية بحرج شديد، لما كشفته هذه القضية عن سوء استخدام السلطة من جانب المسؤولين الحكوميين، وعدم اهتمامهم بالعذاب الذي من شأنه أن يلحق بالمواطنين الذين يتعرضون لمثل هذه الحالات، وهدم الحياة العائلية لأشخاص كانت حياتهم رتيبة ومستقرة لأغراض سياسية، علاوة على دفعهم فريسة لإفلاس المالي واليأس.