| منى فهد العبدالرزاق الوهيب |
يروى أن شاباً من إحدى القرى القريبة من (أثينا) وفد إليها ليتلقى العلم عن (سقراط) فسأله (سقراط).. كيف تركت أهل قريتك؟ فأجاب الشاب.. أهل قريتي أهل كرم وشهامة ومروءة وهم في حال حسنة، قال (سقراط).. أهل (أثينا) كذلك، وبعد سنوات قليلة وفد على سقراط شاب آخر من القرية نفسها، فسأله سقراط عن أهل قريته، فأجاب الشاب.. أهل قريتي أهل لؤم وسوء، ولديهم الكثير من المشكلات، فقال سقراط.. أهل (أثينا) كذلك، ومراده أن النظارة التي رأى من خلفها كل من الشابين أهل قريته هي النظارة نفسها التي سيرى بها أهل (أثينا).
نحن لا نطمع بمحاكمة الواقع بأحكام قطعية ودقيقة على نحو مطلق على أي ظاهرة من الظواهر، وبما أننا ننظر إلى الواقع عبر تعريفات ومفاهيم، ومن زوايا مختلفة، سيظل الحكم عليه اجتهاديا، يحتمل الصواب والخطأ، لذا من الأفضل الاعتماد على المعلومات لرؤية الواقع والحكم عليه.
عندما يجتمع ثلة من قومي في ندوة لبحث مشكلات تردي أوضاع البلد وتوقف التنمية، ليس من العقلانية أن نطوف على مؤسسات الدولة بأفرعها وإداراتها وأقسامها حتى نتحدث عن واقعها، علينا إدراك الواقع بواسطة معلومات وأرقام ومقولات ومفاهيم، ومهم جدا التأكد من جودة هذه الوسائط ووثاقتها.
من خلال مشاهداتنا للواقع الكويتي في السنوات الثلاث الأخيرة فقد كان خليطا من الصلاح والفساد والرشد والضلال والنجاح والإخفاق، وهذه القراءة حتمت علينا أن ننظم ردود أفعالنا على أحداث البلد من أفق ما عقلناه من تلك الأحداث، ومن أفق تفسيرنا له وفهمنا لأسبابه وعلله، حتى لا نساوي بين كثير الخير وقليله وكثير الشر وقليله، وبين ما هو مطرد وشاذ.
دائماً هناك أحداث طارئة ومفاجئة وغير عادية تحل بالأفراد والمجتمعات، وأي شيء طارئ يترك تأثيراً على حياة الأفراد، لكن من المهم ونحن نقرأ الواقع ونحكم عليه أن ندرك أن تأثير الأحداث الكبرى في الناس ليس واحداً، والسبب أن كل شخص وكل مجتمع يتلقى الحدث من زاوية نظرته إليه وعبر منظومته القيمية والأخلاقية، فالواجب علينا ألا نصدر الأحكام على أي شخص أو مجتمع بسبب الظروف الطارئة والمفاجئة التي يمر بها، وذلك لأن ردود الناس على الأحداث متفاوتة تفاوتا شديداً.
دعوة مني لكل مواطن كويتي أن يضع نظارة عقلية على عينيه ليرى أهل بلده أهل معرفة وتربية ونظم وقوانين، وتساعده على الاستشفاء من داء تراشق الاتهامات والقذف وشتم الآخرين والخوض في نواياهم ومقاصدهم، ولامتلاك أفضل درجة من البصيرة بالوقائع والأوضاع التي نسجت تاريخنا، وحركت واقعنا، وقد يواجه البعض صعوبة في فهم الواقع وصعوبة في إصدار أحكام واضحة عليه، وخصوصا إن كانت الواقعة أو الظاهرة متعددة الجوانب وكثيرة التفاصيل، حينها عليه بتفتيت الواقعة، باستخدام أدوات العقل المصطلحات والأفكار والمعلومات من مصدرها الموثوق به والذي تعينه على إصدار حكم لجميع جوانب الواقعة، من دون اتهام وتعميم لأنه من أكبر الأخطاء التي نقع فيها أثناء الحكم على الواقع والتاريخ، وعلى الأفراد وعلى كل شيء، ومن العدل والقسط أن نتريث قبل إصدار الأحكام وأن ندرك ما في الشيء الواحد من وجوه التفاوت.
twitter: @mona_alwohaib
[email protected]