تركي العازمي / معركة الصباحية!

1 يناير 1970 01:56 ص

تذكرت «حرب تحرير الكويت» عندما كنا ضمن الفرقة التاسعة الأميركية القادمة من ألمانيا نعد تمرينا ميدانيا شمال المملكة العربية السعودية... كنا آنذاك نقوم بدورنا كجنود ضمن كتيبة تنفذ الأوامر بطواعية ولا نستطيع الحكم على الأداء وطبيعة نتائج المناورة والأحداث المجاورة لها فهذا الوصف التكتيكي له محللون عسكريون هم من يضعون الخطط وهم من يحكمون على النتائج، ذلك أن المتابع للحدث العسكري تختلف نظرته عن المشارك فيه ووسط المعمعة.

أسوق هذا بعد مشاهدة الحدث الذي شهدته منطقة الصباحية حيث المروحيات – الطيران العمودي في سماء المنطقة، والآليات العسكرية في كل مكان، ورجال شرطة وصحافة وتلفزيون يسجلون ما حدث ويشاهدون الواقعة عن كثب.

وحينما تجلس خلف شاشة التلفاز فإنك تشعر بتذمر شديد إزاء ما يحدث وأين: في الكويت؟

إننا مع القانون وضد مخالفته وكسر قواعده سواء عبر إجراء الانتخابات الفرعية المجرمة قانونا والمشرعة من قبل نواب مجلس الأمة أو أي قانون آخر، ولكننا في الوقت نفسه نعجز عن تفسير ما حصل من قبل الجهاز الأمني الذي أزاح عنا ستار الأمن والأمان ليظهر لنا الصورة المروعة التي لم ولن نقبل أن نشاهدها في مناطق الكويت.

«معركة الصباحية» التي حصلت كان سببها شرارة التحرك العسكري الذي روع الأنفس السالمة المسالمة في جابر العلى ومبارك الكبير وصباح السالم، وهذا الخلل النفسي ظهرت ردة فعله من قبل الشباب الذي عبر عن غضبه من خلال رمي الحجارة والاحتكاك البسيط الذي حصل في الصباحية.

فلو قبلنا بفرضية أن الحكومة نيتها سليمة في تطبيق القانون، نجدها تكسر القانون من خلال «قانون التجمعات» الذي ألغته المحكمة الدستورية في عام 2006 وعادت الحكومة لتصدره ومتى: بعد حل مجلس الأمة!

إن أخطر ما في الأحداث الأخيرة أنها حاولت استفزاز النفس البشرية وتقييد حريتها في إبداء الرأي والاجتماع السلمي، ونعتقد كمتابعين ومشاهدين لمجريات الأحداث أن الطريقة المتبعة من قبل الجهاز الأمني لا تصلح في بلد جبل أهله على المحبة والديموقراطية والتشاور والحرية في إبداء الرأي.

إن دولة القانون بحاجة إلى فرض احترام القانون من خلال إستراتيجية أمنية إعلامية تقوم بتهيئة الأنفس البشرية إلى القبول باحترام القانون، وهذه الاستراتيجية قد تأخذ أعواما كون طبيعة الثقافة في مجتمعنا غير جاهزة لانتفاضة مفاجئة.

قد قيل أن أي فعل أو قول يلازمه عاملان رئيسيان: أسباب لذلك القول أو العمل، وآثار قد تنتج من وقوع القول أو العمل على أرض الواقع.

لقد أخطأنا في معالجة الحدث من جانب واندفعت عواطفنا مع ردة الفعل المصاحبة لطريقة المعالجة للانتخابات الفرعية وأقصد هنا أن كلا الفريقين مخطئ: أبناء القبائل والجهاز الأمني...والحاصل أن المحصلة النهائية قد ظهرت في مشاهد تقشعر منها الأبدان، وجميع العقلاء من هذا البلد المسالم مع القانون ويرفضون التعدي عليه ولكنهم بحاجة إلى وسيلة مختلفة عن التي شهدتها الدائرة الخامسة تحديدا.

إننا بحاجة إلى إيجاد وسائل سليمة تصحح الخلل وتعالج تراكمات الزمن والتي أدت إلى فقدان هيبة القانون. إننا بحاجة إلى تدخل العقلاء كي يتم وضع الاستراتيجية اللازمة لمعالجة الأوضاع من دون استخدام العنف أو أي وسيلة بوليسية أخرى.

إنني ومع تلك الأحداث تذكرت أيضا الحادثة المشهورة والتي مفادها أن رجلا أعرابيا قد شد الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا: أعطني مما أعطاك يا محمد وبادر الرسول صلى الله عليه وسلم بالقول: أعطوه!

فهل فهمنا المغزى من هذا الحديث؟ وهل ميزنا الفرق بين مشاهدة الحدث عن بعد وبين معايشة الحدث وسط المعمعة!

الحاصل أن ما يحدث جعجعة لن نحصد منها طحينا وإن استمرت فسيصعب عندئذ التكهن بردود الفعل... والله المستعان.


تركي العازمي

كاتب ومهندس كويتي

 [email protected]