| منى فهد عبدالرزاق الوهيب |
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قاعدة استقرائية عظيمة قال فيها.. «إن العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدلٍ قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، وإن لم تقم بعدلٍ لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة»، كما قال الإمام الماوردي رحمه الله في سياق ذكره للقواعد التي تصلح بها حال الدنيا.. «قاعدة العدل الشامل الذي يدعو إلى الألفة ويبعث على الطاعة، وتعمر به البلاد، وتنمو به الأموال، ويكثر معه النسل ويأمن به السلطان.... وليس شيئاً أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق من الجَوْر، لأنه لا يقف على حد، ولا ينتهي إلى غاية، ولكل جزء منه قسط من الفساد حتى يستكمل».
إن ما حدث يوم الثلاثاء الماضي في اعتصام البدون من منتسبي وزارة الداخلية سواء كانوا من القوات الخاصة أو رجال المباحث، لهو معركة مدبرة ومخطط لها لتغيير المفاهيم والقيم، وتغيير ثوابت المجتمع العقدية والأخلاقية، ليصبح مجتمعا مطعّما بأفكار مستوردة تصبغ مجتمعنا بمفاهيم مذهبية أو طائفية، إنها معركة المفاهيم وانقلاب المصطلحات ليصبح المقاوم للظلم متمرداً، والمتآمر على ظلم الآخرين بطلاً.
إن العدل في المنظور الإسلامي هو خُلق جامع شامل، يتكامل مع مجموعة القيم والمبادئ الإسلامية الأخرى، ويؤسس لمجتمع تسوده قيم الإنصاف والرحمة والإخاء وصيانة الحقوق الخاصة والعامة، وما حصل يوم الثلاثاء يؤكد بأن رجال الداخلية ما جاؤوا لحماية تلك القيم والمفاهيم بل لمحاربتها والقضاء عليها، وانفتاح المجتمع على أفكار جديدة متطرفة ونسف قيمة العدل الثابتة والمطردة في الإسلام والتي لا تتغير بتغير الأحوال أو الأشخاص.
ما شاهدناه يوم الثلاثاء من مشاهد يطيش لها العقل ويدمي لها القلب، ما هو إلا خروج وتعدٍ على قيمة ومفهوم العدل إلى الجَوّر، ومن الرحمة إلى ضدها، ومن المصلحة إلى المفسدة ومن الحكمة إلى العبث، ولا أظن أن رجال «الداخلية» يجهلون أن جميع أحكام الدين مبنية على إقامة العدل ورد الظلم، وأن العدل الاجتماعي هو الميزان الذي يبني جميع العلاقات الاجتماعية وهو قاعدة التعامل التي تحكم جميع التصرفات الإنسانية.
فالعدل مقوّم أساس من مقومات الدول المسلمة وهو سبيل الأمن والاستقرار السياسي والاطمئنان بين الناس، كما أن الظلم والبغي من أعظم العوامل التي تمزق الوحدة الاجتماعية والسياسية في المجتمعات وتثير فيها القلق والخوف وتزرع الشقاق والجفوة، وتقطع أواصر التآخي والتماسك الاجتماعي بين الأفراد، إن الظلم الاجتماعي والسياسي من أشد الأدواء تحطيماً لشخصية المجتمع، وسحق كرامته، وتعطيل إمكاناته، فالمجتمع المُهان يصبح غير قادر على العطاء أو الإبداع ومن ثم تتوقف عجلة نموه وتطوره وتتراجع مسيرة تنميته ويتباطأ تقدمه.
إن التفريط بحقوق الضعفاء والتهاون في قطع أبواب التظالم والبغي من أخطر العوامل التي تمزق المجتمع، وتقويض أركانه وتحيي فيه دواعي الأثرة والبغي، وقد آن الأوان ليقظة السلطة الكويتية وإدراكها لمنظومة القيم العقدية والأخلاقية الشاملة التي تؤسس لمجتمع تسوده العدالة والإنصاف والمساواة، ويتحرر فيه الإنسان من الظلم ويشعر فيه بكرامته وإنسانيته، وإن كانت السلطة لا تستطيع أن تقيم صروح العدل وتواجه طغيان الفساد والظلم فلن تقوى على النهوض من مستنقع التخلف والتبعية، وستستمر بظلمها واضطهادها للبدون وغيرهم من أفراد المجتمع الكويتي.
[email protected]