سيرة رجل ظلمته أزمة المناخ... وثقتها عائلته في كتاب وفيلم وثائقي

مبارك الحساوي... العصامي «سابق عصره» مرتين

1 يناير 1970 06:09 م
سبق مبارك عبدالعزيز الحساوي (1925-2005) عصره مرّتين. مرة حين تحوّل من موظّف في الميناء والجمارك وبائع للأسماك التي يصطادها، إلى أحد رجل أعمال لامع يبيع عقارات بمئات ملايين الدنانير، وشخصية سياسية بارزة حفرتها اسمها في ذاكرة مجلس الأمة.

في سيرته، التي أصدرتها عائلته في كتاب وفيلم وثائقي تحت عنوان «مبارك عبد العزيز الحساوي- رجل سبق عصره»، قصة مثيرة توثّق للتحوّلات التي عاشتها الكويت من زمن التجارة، إلى زمن النفط، ثم إلى أزمة المناخ ومن بعدها محنة الغزو.

تغلّب الحساوي على محنتين ماليتين شخصيتين، الأولى حينما توفي والده مديوناً، وكان شاباً يافعاً، والثانية حين تعرّض لظلم نادر في أزمة المناخ، على يد وزير المالية ومؤسسة التسويات التي أنشئت في الثمانينات لمعالجة تداعيات التعثرات التي عصفت بالكويت في ذلك الحين.

بعد ذلك كله، نهض مبارك الحساوي وبنى نفسه مجدداً، لكنه ركز هذه المرة على أسواق العقار الدولية، التي كانت أكثر إنصافاً له.

ينتسب الحساوي إلى عائلة الدحيلان التي تعود جذورها إلى منطقة حائل، ومنها هاجر جده صالح إلى الإحساء حين اشتد الجفاف على المنطقة شهوراً، ومن هناك هاجر مجدداً إلى الكويت حاملاً لقب الحساوي، واستقرت العائلة في منطقة جبلة، وسكنت في «فريج سعود» الذي استقر فيه أيضاً الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود، عند لجوئه إلى الكويت بعد هزيمته أمام أمراء حائل «بن رشيد».

ولد في العام 1925 ودرس في المدرسة الأحمدية، وكان منزله مكان البنك المركزي حالياً. أعان والده عبد العزيز الحساوي الذي كان يعمل تاجراً يتنقل بين الكويت والسعودية والخليج، وكان وكيلاً لآل الصباح، يحمل زكاة الكويت على «بوم» ويوزعها في الخليج.

توفي الوالد وترك وراءه ديناً للمالية، أسقطه لاحقاً مدير المالية في ذلك الحين الشيخ عبد الله السالم،، وبذلك لم يرث مبارك الحساوي إلى السمعة الطيبة وثقة الناس به.

جمع الحساوي بين العمل في الميناء وتجارته البسيطة، ففتح دكاناً صغيراً في الفرضة، وكان له دور كبير في تطوير الميناء والجمارك.

ومضت السنون وتوسعت تجارة الرجل واستثمر في العقار في عدد من مناطق الكويت، ويحكى أن الكويت مرت بأزمة عقار في العام 1959، نتيجة التدافع لتداول السندات العقارية في سوق الجت، ما دفع الشيخ عبد الله السالم إلى إصدار قرار بوقف استغلال الأرض على هذا النحو، وقام بتحديد المناطق، وصار متداولاً بين الناس مصطلح «داخل التنظيم» و«خارج التنظيم»، وتوقف تجار السندات.

استفاد كغيره من قرار التثمين في العام 1964، وكان متميزاً في اختيار مواقع العقار، حتى وصف بملك مملكة العقار. وكان أول من أقام بورصة عقارية في منطقة القادسية، وكانت الصفقات تتم فيها بعد صلاة العشاء.

وكان سباقاً في الاستثمار بالمناطق الجديدة، مثل «المسيلة بيتش»، ومنطقة أبوفطيرة،

لكن المحطة التي تستحق التوقف في سيرة الحساوي، هي تغلبه على أزمة انهيار سوق المناخ، التي أعقبت طفرة كبيرة في أسعار الأسهم بين العامين 1980 و1982.

تعرض الرجل لظلم كبير. فديونه التي قاربت 300 مليون دينار سددها وخرج دائناً بنحو 160 مليوناً، لكن هذه الديون كانت على مدينين من تجار «المناخ»، ومع التفليسة لم يحسب الدينار بدينار، بل تم تقدير دينار مبارك الحساوي بثمانية أو تسعين فلساً، ما جعل المديونية العائدة له لا تغطي المبالغ له ولا تغطي المبالغ التي هو مدين لها.

واضطر إلى الدخول في مواجهات قضائية استمرت ربع قرن.

يروي الدكتور صفا الدين الصافي كيف واجهه وزير المالية في ذلك الحين الحساوي بالقول «معك وقت من الآن حتى الساعة العاشرة صباحا، قد تحل القضية».

قال ابو عبدالعزيز (مبارك الحساوي): كيف أحل القضية؟

قال: تطلع بينك وبين فلان «كيت بكيت»، بالحرف الواحد.

فرد عليه: ما معنى كيت بكيت؟

قال: معناها لا طالب ولا مطلوب.

«أتى الصباح وكان كل المستشارين حاضرين والمدير المالي والجهاز الاداري وكل الشركة وكبار الموظفين، كنا بين خيارين، ان نطلع «كيت بكيت» كحل، او ندخل مع المؤسسة في قضايا، كان علينا ان ندرس من ناحية ثانية مشكلة فان على ابي عبدالعزيز، رحمه الله، قرضا لاستثمارات خارجية لمجموعة بنوك اجنبية، يستحق بعد اشهر، وكنا معولين على المبالغ الموجودة لدينا في المؤسسة على محالين اخرين غير متشابكين معنا، على اساس اننا نستلم هذه المبالغ ونسدد القرض الذي كانت فوائده عالية، فكرنا في اننا لو دخلنا المقاضاة، فان نحو 18 مليونا الموجودة في المؤسسة لابي عبدالعزيز لن يفرج عنها، كنا نحسب ان القضية يمكن ان تستغرق خمس سنوات، تتراكم خلالها فوائد على القرض، واذا اخذنا ثمانية ملايين تتراكم علينا عشرة.

«وبعد دراسة متأنية قررنا جميعا الا ندخل مع المؤسسة في اشكاليات، يعني انا اطالب بـ 85 مليونا ومطلوب مني 39 مليونا، لكن الفرق يذهب هباء ولا احصل على شيء».

ذهبنا الى المؤسسة انا والمستشار مغاوري، واعلنا موافقتنا، حتى الرجل صاحب العلاقة استغرب موافقتنا فسأل: تمت الموافقة؟

«فرددت: وافقنا على اساس حكم القوي على الضعيف، فنحن لا ندخل في مشاكل مع الدولة»، لكن هيئة التحكيم رفضت التصديق على الاتفاقية.

واضاف الصافي: خرجنا ونحن في استغراب كبير، واتصل الحساوي واخبره ان الاتفاقية لم تصدق من هيئة التحكيم، رغم انك بالامس ليلا قمت بالضغط علي، ودفعتني الى التنازل عن 8 ملايين دينار التي بقيت لي، وقمت بتغيير الاتفاقية، ومع ذلك لم يصدق القاضي عليها.

استغرب الشيخ وقال له: أعد تقديمها.

«رد أبو عبدالعزيز: كيف اقدمها مرة ثانية! قد ترفض.

«أنا اذكر هذه القصة لوجود ملابسات فيها... لماذا رفضت هذه الاتفاقية بالرغم من تعديلها؟ اعتقد ان في القضية لبسا واقعيا وليس في الامر تخمين ابدا، اعتقد ان من يعلم بالموضوع شخص توفي وشخص حي...

«من هذه الواقعة بدأت معاناة مبارك الحساوي، فاضطر الى رفع دعوى، على اساس ان هناك اتفاقية موقعة من قبل الطرفين، اساسها نوع من المقاصة القانونية».

«ثم اختلقت المؤسسة حلاً وسطاً، قالت: يامبارك الحساوي اعمل لي وكالة للمؤسسة غير قابلة للالغاء او العزل، تنص على ان ارهن هذه العقارات لنفسي، وبمجرد ان تسلم لي هذه الوكالة وابدأ بالرهن سأسلمك السندات التي قيمتها 18 مليوناً، وبالفعل عملت بالوكالة وسجلت فيها ان هذه الوكالة خاصة فقط بعملية الرهن المنصوص عليها في هذه الاتفاقية، والاتفاقية بنود كثيرة مختلفة ومتنوعة، لكن تلك هي الجزئية المتعلقة بالرهن».

«وبالفعل، في ذلك اليوم، سُلمت الوكالة الى المؤسسة، انا اخذتها، وكنت مع السيد نبيل جعفر، وجلبنا السندات التي قيمتها 18 مليوناً، وذهبنا لتسليمها للاستثمارات الخارجية، وكان يوم عيد ان نسدد ما علينا من مبالغ، كان انجازاً كبيراً استطعنا ان نصل اليه، لكن كانت المفاجأة بعد تسع سنوات، اذ حصلت امور غريبة عجيبة، فالقضايا استمرت، وكانت فيها مداخلات كثيرة، لا اود التحدث عن القضاء.

القضاء، يعتبر نزيها في اي بلد، حتى لو كانت هناك اخطاء، فالقضاء اجتهاد، لكن في بعض الاحيان يكون الاجتهاد، كما نقول، فساد المستند، المهم اننا نفاجأ بعقد جديد، هذا العقد فيه مواد مضافة، وفيه تواقيع غريبة عجيبة، لا نعلم عنها شيئاً، وفيه صيغة تنفيذية، عرفنا ذلك عندما جاؤوا يطلبون تنفيذ مبارك الحساوي تسديد مبلغ 25 مليون دينار، وهذه قصة تكشف منوط الظلم والظلم الاكبر الذي وقع، انا كنت في هذه الفترة في لندن موكلاً بقضية كبيرة... عندما عدت، علمت بهدا العقد، الذي يدعى ان مبارك الحساوي وقع عليه، ويقر على نفسه بأنه مدين بـ 25 مليوناً، وموثق بالصيغة التنفيذية».

«قلت لأبوعبدالعزيز: انا لا اتذكر ان هناك عقداً بهذه الصورة، وانا لم اوقع على مثل هذا العقد.. فقال: وانا ايضاً لا اتذكر، ولم اوقع على مثل هذا العقد».

«عند اطلاعنا على العقد اتضح انه ليس العقد الذي تم توقيع مبارك الحساوي عليه، ليس عليه توقيع الحساوي، كيف اختلق هذا العقد او اصطنع اذا؟ طبعاً عن طريق الوكالة التي اعطيت للمؤسسة، وكانت اعطيت لها لعملية الرهن فقط، فلم تقم بذلك فقط، بل انشأت عقدا جديدا نيابة عن مبارك الحساوي، اقرت فيه، نيابة عنه، انه مدين بمبلغ 25 مليون دينار لمؤسسة تسوية المعاملات، واقرت فيه كذلك ان الضمانات التي ستنقل من الاستثمارات الخارجية الى المؤسسة تكون ضامنة لاي دين للمؤسسة على مبارك الحساوي، وكل هذه الامور غير موجودة لا في العقد القديم ولا بهذا الذي يطلق عليه 11/ 1/ 86، حقيقة هذه كانت مرحلة ثالثة من مراحل او افرازات ازمة المناخ، التي بدأ فيها الظلم الاكبر يشتد على مبارك الحساوي، وعندما جاؤوا للتنفيذ على عقاراته بـ 25 مليوناً، اصابت الرجل خيبة امل، فأخذ يطرق الأبواب، يا جماعة هذا جزائي؟ هذا جزائي ان اظل مطارداً في امور لا ناقة لي فيها ولا جمل؟ لم تنظم القوانين هذا الامر، قوانين المناخ نظمت الديون المتعلقة بالأسهم، ديون العقار تصبح اسوأ!!».

في مجلس الأمة

في عام 1971 تقدم مبارك عبدالعزيز الحساوي لانتخابات مجلس الامة، وفاز بها ليشارك زملاءه اعضاء مجلس الامة القيام بمهام عملهم، من خلال طرح الافكار والاقتراحات، وتميز بحضوره، فأطلق عليه لقب «يارينغ (1) مجلس الأمة»، ووصف بأنه حمامة السلام في المجلس، والواقع ان الحساوي يقوم باستمرار بمساع كبيرة في سبيل جمع الكلمة والقضاء على اي نوع من النزاع او الخلاف، ونشاط مبارك في هذا المجال استحق تقديراً فائقاً من النواب والمواطنين على السواء، ولعل ابرز ما قام به مبارك في سبيل تحقيق وحدة في الرأي بالمجلس، وتكاتف بين اعضائه، من اجل المصلحة العامة، وخدمة هذا البلد، في ظل سمو امير البلاد، المغفور له الشيخ صباح السالم الصباح، تجلى في الاجتماعات التي سعى الى عقدها في منزله بعد مضي فترة قصيرة على بدء المجلس اعماله، وقد دعا الى هذه الاجتماعات اكبر عدد ممكن من الاعضاء، ولكن عندما بدأ ان ذلك يؤدي الى احداث تكتلات داخل المجلس بدلاً من وحدة تامة في الرأي بين اعضائه، توقف مبارك عن مساعيه موقتا، ثم اقترح عقد اجتماع يحضره كافة اعضاء المجلس، ويعقد في بيت شخصية نيابية كبيرة، كي يتكاشف الاعضاء في ما بينهم، ويتصارحوا ويتبادلوا وجهات النظر في الامور التي تهم المواطنين والوطن، وقد عقد الاجتماع فعلاً وحضره اعضاء المجلس واتخذت قرارات مهمة ابرزها عدم الدخول في مواضيع شخصية اثناء المناقشات.

حرص مبارك عبدالعزيز الحساوي في مجلس الامة، في الدورة التشريعية الممتدة من عام 1971 حتى عام 1974، على تقديم اقتراحات عديدة اهتم بمتابعتها، فأبدى اهتماماً بتنظيم العمل في المؤسسات الحكومية ليتطور اداؤها، فيما ركز على المشاريع المحلية التي تهيئ للكويت سبل التقدم، وتساعد المواطنين على تطوير مواردهم بما يعزز اقتصاد المواطن والدولة.

وكان موضوع «المباشر والمتسبب في الشريعة الاسلامية» موضوعاً مهما قدمه مبارك الحساوي، من ضمن ما قدم من اقتراحات تشريعية، هذا الموضوع كان مفتاح علاقة بينه وبين الاستاذ الدكتور بدر جاسم اليعقوب، زوج ابنته حصة، وقد اعتمده اليعقوب عنواناً لرسالة دكتوراه.





صاحب السمو عن الحساوي:

خدم وطنه وأنفق للخير



توج سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح كتاب السيرة الذاتية لمبارك الحساوي بكلمة قال فيها:

يمثل الأخ المغفور له باذن الله تعالى مبارك عبدالعزيز الحساوي بالنسبة لي، نموذجا للشخصية الوطنية الكويتية، التي تتمتع بصفات الكفاءة والعطاء، والحس الوطني والوفاء للوطن الغالي.

ومن عرف ابا عبدالعزيز عن قرب يشهد لهذه الشخصية الوطنية بالخلق الرفيع، وبالادب والتواضع الجم مع الكبير والصغير.

يعتبر رحمه الله احد الرجالات المشاركين مع اخوانه اعضاء المجلس التأسيسي في صياغة مواد الدستور، كما انه ساهم خلال عضويته في مجلس الامة عام 1967 بتقديم العديد من الاقتراحات ومشاريع القوانين الهادفة إلى خدمة وطنه وتقدمه وازدهاره.

كان قريبا من نبض الشارع الكويتي، محبوبا من الناس يتميز رحمه الله بالعطاء والكرم والاحسان، غير ان ابرز ما عرف عن المغفور له باذن الله ابا عبدالعزيز هو تجارته الرابحة مع الله، حيث ساهم ببناء الكثير من المشاريع الاسلامية كالمساجد، وبناء المساكن للفقراء والمساكين، ودور حفظ القرآن الكريم، وكفالة اليتامى في الكويت وخارجها.

وقد اوقف كما علمت من ابنائه جزءا من ثروته للانفاق على هذه المشاريع الاسلامية الخيرية.

سائلين الله العلي القدير ان تكون هذه الاعمال في ميزان حسناته «يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من آتى الله بقلب سليم».

لقد كانت تجمعني به رحمه الله علاقة عائلية وشخصية طيبة اتسمت بالمودة والمحبة والتواصل والوفاء.

وحسن ما فعله ابناؤه من بر بوالدهم رحمه الله من خلال العمل على تدوين السيرة الذاتية له، لما لهذه الشخصية الوطنية من اياد بيضاء ومواقف وطنية مشرفة نستذكرها في هذا المقام بكل المحبة والتقدير.

مباركين كثيرا خطوة الوفاء هذه من قبل ابناء وبنات الفقيد العزيز التي تجسد محبتهم واخلاصهم ووفاءهم لوالدهم في حياته وبعد مماته.

وفق الله الجميع لما فيه خدمة الوطن العزيز واعلاء شأنه.

 



من أبرز استثماراته

 

توزعت استثمارات الحساوي داخل الكويت وخارجها. ومن أبرزها في الكويت «مسيلة بيتش موتيل»، الذي افتتح عام 1974 وضم 350 غرفة. وفي الإمارات بنى فندق «كارلتون الشارقة» و«مجمع الأندلس» أواخر الستينات، ثم «كونتيننتال» و«بيتش أوتيل»، وكان مساهماً مؤسساً في بنك الشارقة العام 1974، كما كان أول من بنى مجمعاً في إمارة عجمان عام 1 976.

وفي دبي، ربما لا يعرف كثيرون أن «جميرا بيتش» كانت أرضاً موحشة قبل أن تطأها قدما مبارك الحساوي عام 1974، ويأمر ببناء «شيكاغو بيتش» الذي أنجز بناؤه عام 1980، وقد انتقلت ملكيته في العام 1992 إلى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي حالياً، الذي هدمه وبنى مكانه فندق «جميرا بيتش».

وكانت له استثمارات أخرى صناعية وعقارية ومالية في لبنان والسعودية، كما في بريطانيا وألمانيا والعديد من الدول الأخرى.

مع رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري خلال افتتاح مسجد تبرع الحساوي بترميمه